إجَابَةُ دَعْوَةِ مَنْ سَكَنَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَعِيَادَتُهُ بِلَا إذْنِ صَاحِبِهَا وَمِنْ أَحَادِيثِ مُسْلِمٍ «مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» ، وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «مَنْ أَخَذَ مِنْ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقٍّ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى سَبْعِ أَرَضِينَ» ، وَفِي الْجَامِعِ «وَمَنْ اقْتَطَعَ أَرْضًا ظُلْمًا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» ، وَفِي شَرْحِهِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا لِمَالِكٍ مُعَيَّنٍ أَوْ لَا كَبَيْتِ الْمَالِ وَسَوَاءٌ اقْتَطَعَهَا لِلتَّمَلُّكِ أَوْ لِيَزْرَعَهَا فَيَرُدَّهَا وَيَشْمَلُ غَيْرَ الْمَالِ كَجِلْدِ مَيْتَةٍ وَسِرْجِينٍ.
(وَمِنْهَا عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا) فِيمَا يُبَاحُ فِي الدِّينِ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: ٢٣] لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ غَايَةَ التَّعْظِيمِ لَا تَجُوزُ إلَّا لِمَنْ لَهُ غَايَةُ الْعَظَمَةِ وَنِهَايَةُ الْأَنْعَامِ وَهُوَ لَيْسَ إلَّا لَهُ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَنْ مُفَسِّرَةً وَلَا نَاهِيَةً {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: ٢٣] بِأَنْ تُحْسِنُوا أَوْ أَحْسِنُوا إحْسَانًا؛ لِأَنَّهُمَا السَّبَبُ الظَّاهِرِيُّ لِلْوُجُودِ وَالتَّعَيُّشِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْبَاءُ بِالْإِحْسَانِ؛ لِأَنَّ صِلَتَهُ لَا تَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا} [الإسراء: ٢٣] أَمَّا إنْ الشَّرْطِيَّةِ زِيدَتْ عَلَيْهَا مَا تَأْكِيدًا وَلِذَا صَحَّ لُحُوقُ النُّونِ الْمُؤَكَّدَةِ بِالْفِعْلِ وَأَحَدُهُمَا فَاعِلُ يَبْلُغَنَّ أَوْ بَدَلٌ عَلَى قِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ مِنْ أَلِفِ يَبْلُغَانِ الرَّاجِعِ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَكِلَاهُمَا عَطْفٌ عَلَى أَحَدِهِمَا فَاعِلًا أَوْ بَدَلًا وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لِلْأَلِفِ وَمَعْنَى عِنْدَك أَنْ يَكُونَا فِي كَنَفِك وَكَفَالَتِك.
{فَلا تَقُلْ لَهُمَا} [الإسراء: ٢٣] فَلَا تَتَضَجَّرْ مِمَّا يُسْتَقْذَرُ مِنْهُمَا وَيُسْتَثْقَلُ مِنْ مُؤْنَتِهِمَا {أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] وَهُوَ صَوْتٌ يَدُلُّ عَلَى التَّضَجُّرِ وَقِيلَ اسْمٌ هُوَ التَّضَجُّرُ، وَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِيذَاءِ قِيَاسًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَقِيلَ عُرْفًا نَهَى عَمَّا يُؤْذِيهِمَا بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا {وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: ٢٣] وَلَا تَزْجُرْهُمَا عَمَّا لَا يُعْجِبُك بِإِغْلَاظٍ وَقِيلَ النَّهْيُ وَالنَّهْرُ وَالنَّهَمُ أَخَوَاتٌ {وَقُلْ لَهُمَا} [الإسراء: ٢٣] بَدَلَ التَّأْفِيفِ وَالنَّهْرِ {قَوْلا كَرِيمًا} [الإسراء: ٢٣] جَمِيلًا لَا سُوءَ فِيهِ {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} [الإسراء: ٢٤] تَذَلَّلْ لَهُمَا وَتَوَاضَعْ لَهُمَا وَإِضَافَتُهُ إلَى الذُّلِّ لِلْبَيَانِ وَالْمُبَالَغَةِ كَمَا أُضِيفَ حَاتِمٌ إلَى الْجُودِ {مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: ٢٤] مِنْ فَرْطِ رَحْمَتِك عَلَيْهِمَا لِافْتِقَارِهِمَا إلَى مَنْ كَانَ أَفْقَرَ خَلْقِ اللَّهِ إلَيْهِمَا {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا} [الإسراء: ٢٤] وَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْحَمَهُمَا بِرَحْمَتِهِ الْبَاقِيَةِ وَلَا تَكْتَفِ بِرَحْمَتِك الْفَانِيَةِ، وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ؛ لِأَنَّ مِنْ الرَّحْمَةِ أَنْ يَهْدِيَهُمَا {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: ٢٤] رَحْمَةً مِثْلَ رَحْمَتِهِمَا عَلَيَّ وَتَرْبِيَتِهِمَا وَإِرْشَادِهِمَا لِي فِي صِغَرِي وَفَاءً بِوَعْدِك لِلرَّاحِمِينَ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ لُقْمَانَ {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [لقمان: ١٤] أَيْ بِإِحْسَانِهِمَا وَبِرِّهِمَا {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان: ١٤] الْآيَةَ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - شِدَّةً بَعْدَ شِدَّةٍ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ ضَعْفًا عَلَى ضَعْفٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ مَشَقَّةً عَلَى مَشَقَّةٍ وَيُقَالُ الْحَمْلُ ضَعْفٌ وَالطَّلْقُ ضَعْفٌ وَالْوَضْعُ ضَعْفٌ وَيُقَالُ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى الْوَلَدِ عَشَرَةُ حُقُوقٍ:
الْأَوَّلُ إذَا احْتَاجَا إلَى الطَّعَامِ أَطْعَمْهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute