للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ» لَا يُتَوَهَّمُ التَّنَافِي بِمَا وَرَدَ أَنَّهُ يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَمَلِ قُوَّةً وَضَعْفًا قِلَّةً وَكَثْرَةً «وَاَللَّهِ لَا يَجِدُهَا» أَيْ رِيحَهَا «عَاقٌّ» نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتُفِيدُ الْعُمُومَ وَتَشْمَلُ الْقِلَّةَ أَيْضًا «وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ» وَاجِبٌ صِلَتُهَا، وَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْهُ «وَلَا شَيْخٌ زَانٍ» لِأَنَّ ارْتِكَابَ الزِّنَا مَعَ خُمُودِ شَهْوَتِهِ نَاشِئٌ مِنْ تَمَرُّدِهِ وَنِسْيَانِ آخِرَتِهِ وَقِلَّةِ خَوْفِ رَبِّهِ «وَلَا جَارٌّ» اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ جَرَّ بِمَعْنَى سَحَبَ «إزَارَهُ خُيَلَاءَ» أَيْ كِبْرًا «إنَّمَا الْكِبْرِيَاءُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» لِأَنَّ الْكِبْرِيَاءَ مِمَّا خُصَّ بِهِ تَعَالَى وَصَدْرُ الْحَدِيثِ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اتَّقُوا اللَّهَ وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ثَوَابٍ أَسْرَعَ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ وَإِيَّاكُمْ وَالْبَغْيَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عُقُوبَةٍ أَسْرَعَ مِنْ عُقُوقِ الْبَغْيِ» الْحَدِيثَ وَفِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ عَنْ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْذَنَ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» .

وَفِي رِوَايَةٍ «قَالَ جِئْت أُبَايِعُك عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْت أَبَوِيَّ يَبْكِيَانِ قَالَ ارْجِعْ إلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا» وَفِي رِوَايَةٍ «أَتَى رَجُلٌ إلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَقَالَ إنِّي أَشْتَهِي الْجِهَادَ وَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ فَقَالَ هَلْ بَقِيَ مِنْ وَالِدَيْك أَحَدٌ فَقَالَ أُمِّي فَقَالَ قَابِلْ اللَّهَ فِي بِرِّهَا فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَأَنْتَ حَاجٌّ وَمُعْتَمِرٌ وَمُجَاهِدٌ» رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ وَفِي رِوَايَةٍ «الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ» .

«وَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّهُمَا عَلَى وَلَدِهِمَا؟ قَالَ: هُمَا جَنَّتُك وَنَارُك» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَرُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا أَتَى أَبَا الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ إنَّ لِي امْرَأَةً وَأُمِّي تَأْمُرُنِي بِطَلَاقِهَا فَقَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ الْوَالِدَانِ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ شِئْت فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوْ احْفَظْهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

، وَعَنْ «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ أُحِبُّهَا وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا فَقَالَ طَلِّقْهَا فَأَبَيْت فَأَتَى عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَلِّقْهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ طُوبَى لَهُ وَزَادَ اللَّهُ فِي عُمْرِهِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَوْ أَحَدَهُمَا، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «صَعِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِنْبَرَ فَقَالَ آمِينَ آمِينَ آمِينَ فَقَالَ أَتَانِي جَبْرَائِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْ آمِينَ فَقُلْت آمِينَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَمَاتَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأُدْخِلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ فَقُلْ آمِينَ فَقُلْت آمِينَ فَقَالَ وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ فَقُلْ آمِينَ فَقُلْت آمِينَ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ.

«وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَهِدْت أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَأَنَّك رَسُولُ اللَّهِ وَصَلَّيْت الْخَمْسَ وَأَدَّيْت الزَّكَاةَ وَصُمْت رَمَضَانَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا كَانَ مَعَ النَّبِيِّينَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا وَنَصَبَ أُصْبُعَيْهِ مَا لَمْ يَعُقَّ وَالِدَيْهِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَمَّا كَانَتْ حُرْمَةُ الْعُقُوقِ مِنْ النُّصُوصِ مُطْلَقَةً وَلَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ فِي نَفْسِهِ عَلَى إطْلَاقِهَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (اعْلَمْ أَنَّ الْعُقُوقَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمُخَالَفَةِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ) الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الَّذِي اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ مَعْصِيَةً مِثْلَ أَكْلِ صَوْمِ النَّفْلِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَفِيهِ أَيْضًا عُقُوقٌ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ (إذْ لَا طَاعَةَ لِلْمَخْلُوقِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَإِلَيْهِ) أَيْ فِي عَدَمِ الْإِطَاعَةِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ (أَشَارَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ - {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان: ١٥] الْآيَةَ) وَالْآيَةُ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْإِطَاعَةِ فِي الشِّرْكِ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ قَالُوا الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَعَاصِي قِيَاسًا عَلَيْهِ بِجَامِعِ مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>