للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَقَالَ الْإِمَامُ) حُجَّةُ الْإِسْلَامِ (الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ مَا مُحَصَّلُهُ وَمُخْتَصَرُهُ) مَا سَيَرِدُ عَلَيْك فِي قَوْلِهِ (سِيرَةُ الْأَوَّلِينَ) عَادَتُهُمْ أَيْ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ هُمْ أُسْوَتُنَا وَسَادَتُنَا (اسْتِغْرَاقُ جَمِيعِ الْهَمِّ) الْهِمَّةِ وَالْعَزْمِ وَالْقَصْدِ (وَفِي تَطْهِيرِ الْقُلُوبِ) عَنْ الْمَلَكَاتِ الرَّدِيئَةِ وَالْوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِيَّةِ وَالْمُيُولَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ وَالْعَوَائِلِ الْهُيُولَانِيَّةِ (وَالتَّسَاهُلُ) الْمُسَامَحَةُ وَالسَّعَةُ (فِي تَطْهِيرِ الظَّاهِرِ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَا يَنْظُرُ إلَى صُوَرِ الْعِبَادِ بَلْ إلَى قُلُوبِهِمْ فَلَمَّا كَانَتْ الْقُلُوبُ مَنْظَرَ عَلَّامِ الْغُيُوبِ دُونَ الصُّوَرِ لَزِمَ تَطْهِيرُهَا عَنْ الْخَبَائِثِ وَالرَّذَائِلِ حَتَّى يَلِيقَ بِنَظَرِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ؛ فَلِذَا صَرَفُوا جَمِيعَ قَصْدِهِمْ وَاهْتِمَامِهِمْ إلَى تَطْهِيرِهَا وَتَسَاهَلُوا فِي الظَّاهِرِ (حَتَّى إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَعَ عُلُوِّ مَنْصِبِهِ) عِنْدَ رَبِّهِ وَحَبِيبِهِ وَعَامَّةِ أُمَّتِهِ لِكَوْنِهِ أَفْضَلَ خَلِيقَتِهِ بَعْدَ صِدِّيقِهِ الْأَعْظَمِ (تَوَضَّأَ بِمَاءٍ فِي جَرَّةِ نَصْرَانِيَّةٍ) مَعَ احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ لِعَدَمِ اهْتِمَامِ الْكَافِرِ مَعَ جَوَازِ الطَّهَارَةِ عِنْدَهُمْ فِي بَعْضِ شَيْءٍ نَجِسٍ عِنْدَنَا عَمَلًا بِأَصْلِ الطَّهَارَةِ (مج وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَلَى تَخْرِيجِ ابْنِ مَاجَهْ (وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ) وَهُمْ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ مَأْوًى غَيْرُ صُفَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَا يَشْتَغِلُونَ بِالِاكْتِسَابِ وَيُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيُعَلِّمُونَ الْخَلْقَ الدِّينَ فِي أَكْثَرِ أَوْقَاتِهِمْ وَأَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ رُؤَسَائِهِمْ ثُمَّ لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الدِّينَ وَأَيَّدَ سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفَاءَ بِفَضْلِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَمَّ الْخَيْرُ وَكُشِفَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ الضُّرُّ وَأَنَّهُ مِمَّنْ لَبِسَ الْخَزَّ كَمَا تَقَدَّمَ (كُنَّا) كَلِمَةُ كَانَ لِلِاسْتِمْرَارِ فَإِنَّ الْكَثْرَةَ اللَّازِمَةَ لِلسُّنَّةِ لَهَا حُكْمُ الِاسْتِمْرَارِ (نَأْكُلُ الشِّوَاءَ) اللَّحْمَ الْمَشْوِيَّ (فَتُقَامُ الصَّلَاةُ فَنُدْخِلُ أَصَابِعَنَا فِي الْحَصْبَاءِ) رَمْلٌ دَقِيقٌ (ثُمَّ نَفْرُكُهَا بِالتُّرَابِ ثُمَّ نُكَبِّرُ) مَعَ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ لَهَا بِالْمَاءِ قِيلَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ تَرْكِ الْفَاضِلِ إحْرَازًا لِلْأَفْضَلِ فَيَكْتَفُونَ بِمَسْحِ التُّرَابِ لِلرُّخْصَةِ فَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُلَائِمُ مَقْصُودَ الْمَرَامِ مِمَّا يُظَنُّ مِنْ التَّوَرُّعِ.

وَأُورِدَ عَلَيْهِ بِمَا مَرَّ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْبَيْتُوتَةِ بِرِيحِ غَمْرٍ وَأُجِيبَ بِعَدَمِ دَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَى تَرْكِ الْغَسْلِ عِنْدَ الْبَيْتُوتَةِ فَإِنَّهُمْ يَغْسِلُونَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّ فَرْكَهُمْ لَهَا بِالتُّرَابِ كَانَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُبْقِي لِلْغَمْرِ رِيحًا (وَكَانُوا) السَّلَفُ (يَقْتَصِرُونَ عَلَى الْحِجَارَةِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ) لِكَوْنِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ سُنَّةً، وَأَمَّا بِالْمَاءِ فَأَدَبٌ لَيْسَ بِسُنَّةٍ فَتَرْكُهُ تَرْكُ الْأَوْلَى كَذَا قِيلَ فَفِيهِ خَفَاءٌ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِشْهَادُ؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ الِاسْتِمْرَارُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلِمَةِ كَانَ يَلْزَمُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى تَرْكِ أَدَبٍ فَوْقَ سُنَّةٍ فَحَاشَاهُمْ مِنْ نَحْوِهِ، وَإِنْ أُرِيدَ تَجْوِيزُهُمْ الِاقْتِصَادَ الْمَذْكُورَ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ.

وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» فَلَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ إذْ عَرَفْت مَعْنَى الْحَدِيثِ قَرِيبًا أَنَّ فِيهِ اعْتِرَافًا بِقُوَّةِ الْعَزِيمَةِ عَلَى الرُّخْصَةِ فِي الْمَحَبَّةِ؛ إذْ الْمُتَعَارَفُ قُوَّةُ الْمُشَبَّهِ بِهِ لَعَلَّ الْوَجْهَ كَانَ هَذَا الِاقْتِصَارَ مِنْهُمْ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ بِلَا كَشْفِ الْعَوْرَةِ لِمَا فِي الدُّرَرِ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ بَعْدَ الْحَجَرِ أَوْلَى إنْ أَمْكَنَ بِلَا كَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَفِي الْمِنَحِ أَمَّا مَعَهَا فَلَا يُفْعَلُ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ تَرْكُهُ أَوْلَى إنْ لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً وَلَوْ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ رَاجِحٌ عَلَى الْأَمْرِ حَتَّى اسْتَوْعَبَ النَّهْيُ الْأَزْمَانَ، وَالْأَمْرُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ: الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ أَفْضَلُ إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَشْفِ عَوْرَةٍ وَأَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى الْأَحْجَارِ قَالُوا مَنْ كَشَفَ الْعَوْرَةَ لِلِاسْتِنْجَاءِ يَصِيرُ فَاسِقًا قَالُوا: الْمَاءُ مَنْدُوبٌ قَبْلَهُ الْحَجَرُ أَوْ لَا وَالصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّ الْجَمْعَ سُنَّةٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي هَذَا حُصُولَ الطَّهَارَةِ بِمُجَرَّدِ الْحَجَرِ، وَإِلَّا فَالْمَاءُ لَازِمٌ (مج وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَا كُنَّا نَعْرِفُ الْأُشْنَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا كَانَتْ مَنَادِلُنَا)

<<  <  ج: ص:  >  >>