للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنْ تَعْرِفَ مُسَاهَلَتَهُمْ (فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ) بِعَدَمِ الِاسْتِقْصَاءِ بَلْ بِالتَّخْفِيفِ (وَعَدَمِ دِقَّتِهِمْ فِيهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ (وَ) أَنْ تَعْرِفَ (أَفْعَالَهُمْ وَأَقْوَالَهُمْ وَفَتَاوِيَهُمْ فِي الرُّخْصَةِ وَالسَّعَةِ) الْمُؤْذِنِ بِهِمَا حَدِيثُ «بُعِثْت بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ» (وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهَا) فِي الصِّنْفِ الثَّانِي (وَأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ الْعِبَادَةِ) الظَّاهِرَ مِنْ الْعِبَادَةِ الظَّاهِرَةِ، وَإِلَّا فَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ مُطْلَقِ الْعِبَادَةِ هُوَ الْإِيمَانُ وَالتَّوْحِيدُ كَمَا فَسَرُّوا قَوْله تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} [البينة: ٥] (تَطْهِيرُ الْقَلْبِ مِنْ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ) وَالْمَلَكَاتِ الرَّذِيلَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِتَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ كَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَسَائِرِ مُهْلِكَاتِ الْأَعْمَالِ لَعَلَّ فِي الْكَلَامِ مُسَامَحَةً؛ إذْ الْمُرَادُ كَوْنُ الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ فِي الْعِبَادَاتِ قَرِينَةً عَلَى تَخْلِيَةِ تِلْكَ الذَّمِيمَةِ (وَتَحْلِيَتُهُ بِالْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ) بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِعِبَادَتَيْنِ ابْتِدَاءً وَأَصَالَةً بَلْ كَوْنُهُمَا عِبَادَةً إمَّا لِكَوْنِهِمَا دَاعِيَتَيْنِ إلَى الْعِبَادَةِ الْخَالِصَةِ أَوْ لِتَسَبُّبِهَا إيَّاهَا، وَإِلَّا فَهُمَا لَيْسَتَا مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَالْعِبَادَةُ إنَّمَا تَكُونُ بِتِلْكَ الْأَفْعَالِ بَلْ لَعَلَّك قَدْ سَمِعْت سَابِقًا فَافْهَمْ (فَلِذَا) لِكَوْنِ الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ التَّطْهِيرَ وَالتَّخْلِيَةَ الْمَذْكُورَتَيْنِ (كَانَ دِقَّةُ السَّلَفِ) كَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهِمْ (فِيهِ) أَيْ فِيهِمَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ مُطَابَقَةً وَالْآخَرِ الْتِزَامًا لَكِنْ يَشْكُلُ بِعَدَمِ اهْتِمَامِ الْفُقَهَاءِ فِيهِ، وَالِاحْتِجَاجُ وَلُزُومُ الِاتِّبَاعِ وَالْوُقُوفُ عَلَى نَفْسِ الْأَمْرِ إنَّمَا هُوَ بِآرَائِهِمْ، وَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الِاجْتِهَادِيَّةِ وَنَظَرُهُمْ مُخْتَصٌّ بِذَلِكَ وَلِذَا تَرَاهُمْ إنَّمَا يَبْحَثُونَ عَنْهُ كَالطُّفَيْلِيِّ وَالنَّبْعِيِّ (وَفِي الِاحْتِرَازِ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَ) حُقُوقِ (الْحَيَوَانَاتِ) إمَّا عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ أَوْ عَطْفُ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَوْ الْمُرَادُ مِنْ الْعِبَادِ هُوَ الْإِنْسَانُ مَجَازًا أَوْ الْحَيَوَانُ سَائِرُهُ مَجَازًا أَيْضًا أَوْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً دُخُولُ ذَلِكَ تَحْتَ تَفْرِيعِ قَوْلِهِ: فَلِذَا كَانَ فِيهِ خَفَاءٌ لَا يَخْفَى إلَّا أَنْ يُجْعَلَ مِنْ قَبِيلِ " عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا " أَوْ يَدَّعِي ابْتِدَاءَ كَلَامٍ وَاسْتِقْلَالَ مَرَامٍ فَافْهَمْ.

ثُمَّ ظَاهِرُهُ عَدَمُ اهْتِمَامِهِمْ فِي حُقُوقِ اللَّهِ - تَعَالَى - مُطْلَقًا كَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، وَأَيْضًا لَا يَخْفَى مَا فِيهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ كَوْنَ الِاهْتِمَامِ كُلِّيًّا مُشَكِّكًا وَيَدَّعِيَ قُوَّتَهُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حُقُوقِ اللَّهِ - تَعَالَى - كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ حَدِيثِ نِصْفِ الدَّانِقِ فِيمَا مَرَّ وَأَيْضًا فِي تَذْكِرَةِ الْقُرْطُبِيِّ عَنْ الْقُشَيْرِيِّ يُقَالُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ ثَوَابُ سَبْعِينَ نَبِيًّا وَلَهُ خَصْمٌ بِنِصْفِ دَانِقٍ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ حَتَّى يَرْضَى خَصْمُهُ قِيلَ يُؤْخَذُ بِدَانِقٍ قِسْطُ سَبْعِمِائَةِ صَلَاةٍ مَقْبُولَةٍ، وَتُعْطَى لِلْخَصْمِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ: لَوْ حَاسَبْتَ نَفْسَك وَأَنْتَ مُوَاظِبٌ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ، وَقِيَامِ اللَّيْلِ لَعَلِمْت أَنَّهُ لَا يَنْقَضِي عَلَيْك يَوْمٌ إلَّا وَيَجْرِي عَلَى لِسَانِك مِنْ غِيبَةِ الْمُسْلِمِينَ مَا يُسَاوِي جَمِيعَ حَسَنَاتِك فَكَيْفَ بِبَقِيَّةِ السَّيِّئَاتِ مِنْ أَكْلِ الْحَرَامِ وَالتَّقْصِيرِ فِي الطَّاعَاتِ وَكَيْفَ تَرْجُو الْخَلَاصَ مِنْ الْمَظَالِمِ فِي يَوْمٍ يُقْتَصُّ فِيهِ لِلْجَمَّاءِ مِنْ الْقَرْنَاءِ انْتَهَى (، وَفِي حِفْظِ اللِّسَانِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ) كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: ١٨] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: ٣٦] .

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرْءَ إذَا عَلِمَ آفَاتِ الْوَسْوَسَةِ ثُمَّ تَيَقَّنَ كَوْنَ أَمْرِ الطَّهَارَةِ عَلَى الرُّخْصَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ وَتَنَبَّهَ أَنَّ الدِّقَّةَ فِيهَا مُخَالَفَةٌ عَلَى مَنْ يَجِبُ اقْتِدَاؤُهُمْ وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ مُخَالَفَتَهُمْ ضَلَالٌ كَفَّتْ عَنْهُ يَدُ التَّوْفِيقِ سِهَامَ الْوَسْوَسَةِ عِنْدَ مُلَاحَظَةِ ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْعِلَاجُ بِالْعِلْمِ (وَأَمَّا الْعَمَلُ فَأَنْ يُدَاوِمَ عَلَى الْعَمَلِ بِالْأَقْوَالِ الَّتِي فِيهَا رُخْصَةٌ وَسَعَةٌ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ وَلَوْ كَانَتْ مَرْجُوحَةً بَعْدُ إنْ لَمْ تَكُنْ مَهْجُورَةً) ؛ إذْ الْمَهْجُورُ كَالْمَعْدُومِ كَأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ ارْتِكَابِ الضَّرَرِ الْيَسِيرِ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ الضَّرَرِ الْكَثِيرِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ ارْتِكَابِ الضَّرَرِ الْجُزْئِيِّ لِلْوَصْلَةِ إلَى النَّفْعِ الْكُلِّيِّ (إلَى أَنْ تَزُولَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: فَأَنْ يُدَاوِمَ (عَنْهُ الْوَسْوَسَةُ ثُمَّ) إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>