الرُّوحَانِيِّ (عَلَى السِّيرَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ) وَيَحْتَمِلُ مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ بِمَعْنَى الْأَسْبَقِ فِي كَوْنِهَا مَحْمُودَةً (وَالْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ) الَّتِي لَا عِوَجَ فِيهَا وَلَا أَمْتَ عَلَى وَجْهٍ لَوْ جَمَعَ الْحُكَمَاءُ حِكْمَتَهُمْ وَالْعُلَمَاءُ عِلْمَهُمْ؛ لَأَنْ يَجِدُوا فِيهِمْ مُغَايَرَةً لِلشَّرِيعَةِ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجِدُوا إلَيْهِ سَبِيلًا خِلَافًا لِهَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَةِ، فَإِنَّ حَالَهُمْ وَسِيرَتَهُمْ مَا عَرَفْت وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ مَعَ كَمَالِ مُخَالَفَتِهِمْ وَفَرْطِ الْتِزَامِ مُتَارَكَةِ سِيرَتِهِمْ ادَّعَوْا مُتَابَعَتَهُمْ وَأَخْذَ طَرِيقَتِهِمْ مِنْهُمْ مُحْتَجِّينَ بِهِمْ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ وَهُمْ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ لِمَا عَرَفْت مِنْ تَفَاصِيلِ سِيرَتِهِمْ وَمَذْهَبِهِمْ (فَلَا يَغُرَّنَّكَ) إذَا عَرَفْت حَقِيقَةَ الْحَقِّ مِنْ تَمَسُّكَاتِ الْمَشَايِخِ بَلْ وَمِنْ لُزُومِ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا يَغُرَّنَّكَ (طَامَّاتُ) جَمْعُ طَامَّةٍ دَاهِيَةٌ عَظِيمَةٌ وَفُسِّرَ هُنَا بِالْأُمُورِ الْمُضِرَّةِ فِي الدِّينِ (الْجُهَّالِ الْمُتَنَسِّكِينَ) الْمُتَعَبِّدِينَ بِلَا عِلْمٍ وَالْمُتَنَسِّكُ مُظْهِرُ النُّسُكِ أَيْ الْعِبَادَةِ (وَشَطْحُهُمْ) أَيْ مُجَاوَزَتُهُمْ الْحُدُودَ بِالْإِفْرَاطِ قِيلَ هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُوَلَّدِينَ وَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقَامُوسِ وَالْمِصْبَاحِ (الْفَاسِدِينَ) فِي أَنْفُسِهِمْ (الْمُفْسِدِينَ) لِغَيْرِهِمْ (الضَّالِّينَ) لِخُرُوجِهِمْ عَنْ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ (الْمُضِلِّينَ) لِغَيْرِهِمْ الْأَوَّلُ مُنَاسِبٌ لِلْأَوَّلِ.
وَالثَّانِي لِلثَّانِي (بَعْدَ أَنْ كَانُوا زَائِغِينَ) مَائِلِينَ (عَنْ الشَّرْعِ الْقَوِيمِ) إلَى الْبَاطِلِ وَالْعَاطِلِ الْحَدِيثِ وَالْقَدِيمِ (وَمَائِلِينَ عَنْ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ خَارِجِينَ عَنْ مَنَاهِجِ) الْمَنْهَجُ هُوَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ (عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ) الَّتِي كَانَ الْكُلُّ مَأْمُورِينَ بِاتِّبَاعِهَا (وَمَارِقِينَ) خَارِجِينَ (عَنْ مَسَالِكِ مَشَايِخِ الطَّرِيقَةِ) النَّبَوِيَّةِ لِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ آدَابِ الشَّرِيعَةِ وَتَرْكِهِمْ التَّحَصُّنَ بِحُصُونِهَا الْمَنِيعَةِ لِاعْتِكَافِهِمْ عَلَى أَصْنَامِ الْأَوْهَامِ لِافْتِتَانِهِمْ بِوَحْيِ الشَّيْطَانِ لَا يَخْفَى أَنَّ كَلِمَاتِ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَا تَخْلُو عَمَّا يُسْتَغْنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ لَكِنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ فَائِدَةٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الذَّمِّ وَالتَّنْفِيرِ لِتَحَسُّنِ الْمُبَالَغَاتِ وَالتَّأْكِيدَاتِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ فِي التَّفْرِيعِ بِحَسَبِ الذَّوْقِ وَالسَّوْقِ أَنْ يُقَالَ بَدَلُ فَلَا يَغُرَّنَّكَ أَوْ فِي ضِمْنِهِ وَمَعِيَّتِهِ نَحْوُ أَنْ يُقَالَ فَظَهَرَ بُطْلَانُ مَقَالِهِمْ وَامْتِنَاعُ مُدَّعَاهُمْ لَا سِيَّمَا أَنَّهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِصَلَاحِ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ وَيُسَلِّمُونَ كَلِمَاتِهِمْ وَيَدَّعُونَ اتِّبَاعَهُمْ وَيُظْهِرُونَ مُعَادَاةَ مُخَالِفِيهِمْ.
(فَالْوَيْلُ) الْعُقُوبَةُ الشَّدِيدَةُ أَوْ حُلُولُ الشَّرِّ أَوْ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ أَوْ دُعَاءٌ يُدْعَى بِهِ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ لِقُوَّةِ الْقَبَائِحِ وَشِدَّةِ الْفَضَائِحِ (كُلُّ الْوَيْلِ لَهُمْ) إنْ دَامُوا عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَإِلَّا عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ، فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ إمَّا إخْبَارٌ فَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِمَّا إنْشَاءٌ بِالدُّعَاءِ بِالثُّبُورِ فَيَلْزَمُ الدُّعَاءُ بِالسُّوءِ وَاللَّائِقُ هُوَ الدُّعَاءُ بِإِصْلَاحِهِمْ وَحُسْنِ حَالِهِمْ قُلْنَا عَدَمُ جَوَازِ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ إنْ كَانَ فِي شَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَقَوْلِك: كُلُّ كَافِرٍ فِي النَّارِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ قَوْله تَعَالَى - {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} [يونس: ٨٨]- الْآيَةُ كَمَا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي وَصَايَاهُ التُّرْكِيَّةِ (وَلِمَنْ تَبِعَهُمْ) ؛ لِأَنَّ شَبِيهَ الْقَوْمِ مِنْهُمْ فَضْلًا عَمَّنْ يَلْحَقُ بِهِمْ (أَوْ حَسَّنَ) مِنْ التَّحْسِينِ (أَمْرَهُمْ) مِنْ تِلْكَ الْفُحْشِيَّاتِ وَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَسَّنُوا بِالْجَمْعِ لَيْسَ بِحَسَنٍ؛ لِأَنَّ تَحْسِينَ الْمَعَاصِي وَرِضَاهَا مَعْصِيَةٌ بَلْ قَدْ يَكْفُرُ (فَهُمْ) مَعَ اتِّبَاعِهِمْ (قُطَّاعُ طَرِيقِ اللَّهِ تَعَالَى) لَا سُلَّاكُ طَرِيقِ اللَّهِ تَعَالَى (عَلَى الْعَابِدِينَ) بِمَنْعِهِمْ مُرِيدَ سُلُوكِ الطَّرِيقِ عَنْ السُّلُوكِ فِي طَرِيقِ اللَّهِ بِسِهَامِ الْوَسَاوِسِ وَأَسْلِحَةِ الْأَكَاذِيبِ وَالْأَوْهَامِ.
(يُلْبِسُونَ) مِنْ اللَّبْسِ بِمَعْنَى الْخَلْطِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute