للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكِنَّ طَرِيقَ الْمُصَنِّفِ هُوَ التَّقْوَى (فَيَلْزَمُ الْعُزْلَةُ عَنْ النَّاسِ) ؛ لِأَنَّك قَدْ عَرَفْت أَنَّهُ {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} [النساء: ١١٤] فَالْمُعَامَلَاتُ وَالْأَكْلُ وَاللُّبْسُ لَا تَخْلُصُ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ (وَسُكْنَى الْمَغَارَاتِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَرَتْعُ) أَكْلُ (الْكَلَأِ) الْعُشْبِ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا (وَالْعُشْبِ) الرَّطْبِ (وَلُبْسُهُمَا) وَأَمَّا نَحْوَ أَنْ يَزْرَعَ مِنْ أَرْضِهِ الْمَوْرُوثَةِ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ حَبًّا وَقُطْنًا وَنَحْوَهُ فَبَعْدَ تَسْلِيمِ إمْكَانِهِ نَادِرٌ وَمُتَعَسِّرٌ أَيْضًا وَلَيْسَ النَّادِرُ وَالْمُتَعَسِّرُ مَدَارًا لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ.

(وَ) الْحَالُ (الْإِنْسَانُ مَدَنِيٌّ) مُحْتَاجٌ إلَى الْمَدِينَةِ أَوْ طَبْعُهُ يَقْتَضِي اجْتِمَاعَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ فِي أَمْرِ مَعَاشِهِمْ لِاحْتِيَاجِ كَسْبِ الْآخَرِ (بِالطَّبْعِ) لِأَسْبَابِ الْمَعَاشِ وَقِوَامِ الْبَدَنِ؛ إذْ جِبِلَّةُ الْإِنْسَانِ تُوجِبُ الِاجْتِمَاعَ مَعَ بَنِي نَوْعِهِ؛ إذْ لَا يَعِيشُ بِمُجَرَّدِ كَسْبِهِ بِلَا انْضِمَامِ كَسْبِ الْآخَرِ (وَفِي هَذَا) الْمَذْكُورِ مِنْ الْعُزْلَةِ وَالرَّتْعِ وَاللُّبْسِ (حَرَجٌ عَظِيمٌ وَتَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ عَادَةً) الظَّاهِرُ عَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ (وَكِلَاهُمَا) الْحَرَجُ وَالتَّكْلِيفُ (مُنْتَفِيَانِ بِالنَّصِّ) مِنْ نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] ، وَ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] ، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ مَعَ أَقْسَامِهِ.

(فَتَعَيَّنَ الْأَخْذُ لَا مَحَالَةَ فِي هَذَا الزَّمَانِ) سِيَّمَا فِي هَذِهِ الدِّيَارِ لِمَا سَبَقَ (بِمَا قَالَ) مُتَعَلِّقٌ بِالْأَخْذِ (مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْهِ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْمَشَايِخِ.

وَهُوَ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ) الظَّاهِرُ هُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فَتَأَمَّلْ (مِنْ جَوَازِ أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ وَرِضَاهُ) بِالتَّبَايُعِ أَوْ الِاتِّهَابِ أَوْ التَّصَدُّقِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ نَحْوِهَا (بِعِوَضٍ وَبِلَا عِوَضٍ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ بِعَيْنِهِ حَرَامٌ) الظَّاهِرُ الْعِلْمُ بِمَعْنَى غَلَبَةِ الظَّنِّ لِمَا عَرَفْت سَابِقًا وَأَنَّهُ طَرِيقُ الْفَتْوَى؛ إذْ فِي التَّقْوَى يَجِبُ التَّحَفُّظُ عَنْ الشُّبُهَاتِ فَافْهَمْ.

(تَمَسُّكًا بِأُصُولٍ مُقَرَّرَةٍ فِي الشَّرْعِ مِنْ أَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ) حَتَّى تَجُوزَ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ مَعَ سَبْقِ الْخَاطِرِ، وَإِلَّا فَلَا (وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ وَأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تِلْكَ الْأَسْبَابِ يَقْتَضِي الْعُدُولَ عَنْ مِثْلِ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ؛ إذْ مَا ذَكَرَهُ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ غَلَبَةِ ظَنٍّ وَقَدْ عَرَفْت فِيمَا مَرَّ وَهُنَا أَنَّ الْغَلَبَةَ كَافِيَةٌ فِي الْعُدُولِ عَنْ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ

(وَأَنَّ الْأَثْمَانَ النُّقُودَ) غَالِبًا أَوْ؛ لِأَنَّ النُّقُودَ مُخْتَصَّةٌ بِالثَّمَنِيَّةِ ذُكِرَ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْأَمْوَالَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ ثَمَنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ صَحِبَهَا حَرْفُ الْبَاءِ أَوْ لَا كَانَ مُقَابِلُهَا مِنْ جِنْسِهَا أَوْ لَا، وَنَوْعٌ مَبِيعٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهُوَ مَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْعُرُوضِ وَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْمَمَالِيكِ، وَنَوْعٌ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ كَانَ مَبِيعًا، وَإِلَّا فَإِنْ صَحِبَهُ حَرْفُ الْبَاءِ، أَوْ قَابَلَهُ مَبِيعٌ فَهُوَ ثَمَنٌ (لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ لَا سِيَّمَا الصَّحِيحَيْنِ) مِنْهُمَا وَجْهُ التَّرَقِّي

<<  <  ج: ص:  >  >>