للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ لَمَّا مَاتَ الْعَبَادِلَةُ صَارَ الْعِلْمُ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ إلَى الْمَوَالِي وَكَانَ يُفْتِي فِي الصَّحَابَةِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ «كُنْت يَوْمًا مَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي بَيْتِهِ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَنْ مَعَنَا فِي الْبَيْتِ قُلْت مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ جَبْرَائِيلُ قُلْت السَّلَامُ عَلَيْك يَا جَبْرَائِيلُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ إنَّهُ قَدْ رَدَّ عَلَيْك وَقَالَ حَفِظْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْفَ مَثَلٍ وَقَالَ لَوْ تَعْلَمُونَ حَقَّ الْعِلْمِ لَسَجَدْتُمْ حَتَّى تَنْقَصِفَ ظُهُورُكُمْ وَلَصَرَخْتُمْ حَتَّى تَنْقَطِعَ أَصْوَاتُكُمْ وَقَالَ: لَأَنْ أَدْمَعَ دَمْعَةً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَارٍ» . وَسُئِلَ أَبُوهُ عَمْرٌو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا الْغَيُّ فَقَالَ طَاعَةُ الْمُفْسِدِ وَعِصْيَانُ الْمُرْشِدِ وَمَا الْبَلَهُ فَقَالَ عَمَى الْقَلْبِ وَسُرْعَةُ النِّسْيَانِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ مَنْ سَقَى مُسْلِمًا شَرْبَةَ مَاءٍ بَاعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ جَهَنَّمَ شَوْطَ فَرَسٍ. وَعَنْ إسْمَاعِيلَ كُنْت فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَلْقَةٍ فِيهَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ عَمْرٍو فَمَرَّ بِنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْقَوْمُ فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو حَتَّى إذَا فَرَغُوا رَفَعَ عَبْدُ اللَّهِ صَوْتَهُ فَقَالَ وَعَلَيْك السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّ أَهْلِ الْأَرْضِ إلَى أَهْلِ السَّمَاءِ هُوَ هَذَا الْمَاشِي مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً مُنْذُ لَيَالِيِ صِفِّينَ وَلَأَنْ يَرْضَى عَنِّي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ لِي حُمْرُ النَّعَمِ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ بَعْدَ الْغَدِ لَأَعْتَذِرُ فَذَهَبَا وَاسْتَأْذَنَ أَبُو سَعِيدٍ فَدَخَلَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ لِعَبْدِ اللَّهِ فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى أَذِنَ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ مَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فِي الْأَمْسِ فَقَالَ الْحُسَيْنُ أَمَا عَلِمْت يَا عَبْدَ اللَّهِ أَنِّي أَحَبُّ أَهْلِ الْأَرْضِ إلَى أَهْلِ السَّمَاءِ فَمَا حَمَلَك أَنَّ قَاتَلْتَنِي وَأَبِي يَوْمَ صِفِّينَ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي قَالَ أَجَلْ لَكِنْ «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلِّ وَنَمْ وَصُمْ وَأَفْطِرْ وَأَطِعْ أَبَاك عَمْرًا» فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ صِفِّينَ أَقْسَمَ عَلَيَّ أَبِي فَخَرَجْت وَاَللَّهِ مَا كَثَّرْت لَهُمْ سَوَادًا وَلَا سَلَلْت سَيْفًا وَلَا طَعَنْتُ بِرُمْحٍ وَلَا رَمَيْتُ بِسَهْمٍ أَسْلَمَ قَبْلَ أَبِيهِ تُوُفِّيَ بِالشَّامِ وَقِيلَ بِمَكَّةَ وَقِيلَ بِمِصْرَ وَقِيلَ بِفِلَسْطِينَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَأَبُوهُ أَكْبَرُ مِنْهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ.

«أَنَّهُ قَالَ أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» أَيْ أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ فَحَذَفَ الْفَاعِلَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ نَفْسُ الْفِعْلِ يَعْنِي الْخَبَرَ «أَنِّي أَقُولُ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ النَّهَارَ» الظَّاهِرُ جَمِيعُ النَّهَارِ لِعَدَمِ الْعَهْدِ وَدَلِيلُ الْجِنْسِ بَلْ السَّوْقِ وَجَوَابُ النَّبِيِّ قَرِينَةٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَقَالَ أَهْلُ الْبَيَانِ اللَّامُ فِي الْخِطَابِيَّاتِ لِلِاسْتِغْرَاقِ «وَلَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ» أَيْ جَمِيعَ اللَّيَالِي كَمَا عَرَفْت «مَا عِشْتُ» أَيْ مُدَّةَ حَيَاتِي قِيلَ بِاضْطِرَابِ هَذَا الْحَدِيثِ وَدُفِعَ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَعَانِي وَلَيْسَ هُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَتَبَّعَ اخْتِلَافَهُ يَظْهَرُ دَوْرُهُ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، فَإِنْ قِيلَ هَذَا نَذْرٌ بِاسْتِغْرَاقِ الْعُمْرِ بِالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ عَلَى طَرِيقِ الْجَزْمِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو عَنْ مَوَانِعَ مُوجِبَةٍ لِلْعَجْزِ عَنْهُ فَكَيْفَ يَجْتَرِئُ عَلَى هَذَا النَّذْرِ

قُلْت: إنَّ أَمْثَالَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاسْتِطَاعَةِ بِمَعْنَى سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَأَنَّ النَّذْرَ مُلْحَقٌ بِالْيَمِينِ وَإِمْكَانُ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ الْمَدْيُونُ وَقْتًا عَلَى الْأَدَاءِ وَلَمْ يَلْقَ رَبَّ الدَّيْنِ بَرَّ وَيُعْذَرُ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ قَالَ فِي التتارخانية لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ لَمْ يَأْتِ مِنْ قِبَلِهِ.

«فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» لِعَبْدِ اللَّهِ «أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ ذَلِكَ فَقُلْت» يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ «لَهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي» أَيْ أَفْدِيكَ بِهِمَا هَذَا مَثَلٌ يُقَالُ عِنْدَ إظْهَارِ زِيَادَةِ الْمَحَبَّةِ وَالشَّفَقَةِ أَوْ دُعَاءٌ لَعَلَّ حَاصِلَهُ رَاجِعٌ بِطُولِ الْعُمْرِ أَوْ بِالْخَلَاصِ عَنْ جَمِيعِ الْمَضَارِّ «قَدْ قُلْته» أَيْ ذَلِكَ الْخَبَرَ النَّذْرَ الْمَذْكُورَ «يَا رَسُولَ اللَّهِ» إتْيَانُ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ إطَالَةِ الْكَلَامِ مَعَ الْأَحِبَّاءِ لِلِاسْتِلْذَاذِ.

«قَالَ: فَإِنَّكَ» لَعَلَّ الْفَاءَ تَعْلِيلِيَّةٌ يَعْنِي إنْ نَذَرْت بِذَلِكَ، فَإِنَّك «لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ» أَيْ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسَّرَةِ لَا الْمُمْكِنَةِ وَلَا تَكْلِيفَ فِي مِثْلِهِ وَلَوْ نَدْبًا إلَّا بِالْمُيَسَّرَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ مِنْ أَقْدَمِهِمْ إسْلَامًا وَأَكْثَرِهِمْ عِلْمًا وَأَوْفَرِهِمْ وَرَعًا وَأَقْوَاهُمْ صُحْبَةً فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَيْهِ هَذَا الْحُكْمُ وَيَجْتَرِئُ عَلَى هَذَا النَّذْرِ قُلْنَا يَجُوزُ وُرُودُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَوَائِلِ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَكُنْ شُيُوعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>