للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} [إبراهيم: ٣٤] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إلَّا الدُّعَاءُ» .

«الدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ» لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِيَ شَرَائِطَ قَبُولِ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّرَةَ فِي كُتُبِ الْعُلَمَاءِ كَالْحِصْنِ لِلْجَزَرِيِّ وَيَنْفِي مَوَانِعَهُ الْمُقَرَّرَةَ فِي أَلْسِنَتِهِمْ وَيُقَارِنُ فِي أَوْقَاتِ قَبُولِهِ بَلْ فِي أَمْكِنَتِهِ حَتَّى يَكُونَ فِي مَظِنَّةِ الْقَبُولِ وَحَيِّزِهِ.

وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا نَفْعَ لِلدُّعَاءِ قَدْ كَانَ مَا هُوَ كَائِنٌ وَقَدْ جَفَّ الْقَلَمُ وَأُجِيبُ بِنَحْوِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُهْدُوا إلَى مَوْتَاكُمْ الدُّعَاءَ وَالصَّدَقَةَ» اعْلَمْ أَنَّ الدُّعَاءَ يُسَهِّلُ الْقَضَاءَ الْمُبْرَمَ وَيَدْفَعُ نَفْسَ الْقَضَاءِ الْمُعَلَّقَ نَزَلَ أَوْ تَهَيَّأَ لِلنُّزُولِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ تَغْيِيرَ قَضَائِهِ تَعَالَى مُمْتَنِعٌ فَالسَّعْيُ لِدَفْعِهِ بِنَحْوِ الدُّعَاءِ مِنْ عَدَمِ اعْتِرَافِ قَضَائِهِ تَعَالَى.

وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ» قُلْت: إنَّ الدُّعَاءَ أَيْضًا مِنْ قَضَائِهِ تَعَالَى فَيَكُونُ الْمُسَبَّبُ مَعَ سَبَبِهِ مِنْ قَضَائِهِ تَعَالَى فَاَللَّهُ تَعَالَى قَضَى بِكَوْنِ الدُّعَاءِ سَبَبًا مُزِيلًا.

وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إلَّا الدُّعَاءُ» وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَيَسْتَعْمِلُ الْعَبْدُ الْحَذَرَ الْمَأْمُورَ بِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ وَأَدْوِيَةِ الْأَمْرَاضِ إلَى آخِرِهِ فَإِنْ قِيلَ: إنْ كَانَ الْمَدْعُوُّ عَلَيْهِ خِلَافَ قَضَائِهِ وَعِلْمِهِ أَوْ كَانَ قَضَاءً مُبْرَمًا فَلَا يَنْفَعُ قُلْنَا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَفْعُهُ مُؤَخَّرًا إلَى الْآخِرَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَهُ تَعَالَى عَنْ الدُّعَاءِ الْمَرْعِيِّ شَرَائِطُهُ وَالْمَنْفِيُّ مَوَانِعُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْجَبْرُ عَلَى قَاعِدَةِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مِنْ الْجَبْرِ الْمُتَوَسِّطِ فَإِنْ قِيلَ: رُبَّ مُضْطَرٍّ وَضَرِيرٍ عَاجِزٍ يَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ الْقَبُولِ طُولَ عُمُرِهِ.

قُلْنَا يَخْرُجُ لَهُ الْجَوَابُ مِمَّا ذَكَرْنَا وَأَنَّ بَعْضَ الْمُسْتَجَابِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَفِيًّا بِحَيْثُ لَوْلَاهُ لَتَظْهَرُ الْمَخَاوِفُ وَالْمَكَارِهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْبُولًا فِي حَقِّ شَيْءٍ آخَرَ أَنْفَعَ لَهُ وَأَنْ يَكُونَ وَقْتُهُ بَعِيدًا فَيَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يُقْبَلْ وَقَدْ قُبِلَ لَكِنْ ظَهَرَ أَثَرُهُ بَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ كَمَا قِيلَ: فِي اسْتِجَابَةِ دُعَاءِ نُوحٍ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ ظَهَرَ أَثَرُهُ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَاضْمَحَلَّ بِهِ الْإِشْكَالُ عَلَى قَوْله تَعَالَى - {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} [إبراهيم: ٣٤]- أَنَّ لَفْظَةَ كُلٍّ تَقْتَضِي الْعُمُومَ وَالِاسْتِغْرَاقَ وَرُبَّ شَخْصٍ يَدْعُو كَثِيرًا وَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ الْقَبُولِ بِلَا احْتِيَاجٍ إلَى مَا يُقَالُ أَنَّهُ يُعْطِي كُلَّ سُؤَالٍ لَكِنَّ الْبَعْضَ لَا يَصِلُ لِلْمَوَانِعِ وَالْحَجْبِ لِعَدَمِ الْقَابِلِيَّةِ وَبِلَا احْتِيَاجٍ إلَى تَخْصِيصِ خِطَابِهِ - مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ فَإِنْ قِيلَ: لَا شَكَّ أَنَّ مُعْظَمَ الْأَدْعِيَةِ وَأَكْثَرَهَا لِدَفْعِ الْبَلَايَا وَالْمَصَائِبِ وَهُوَ مُنَافٍ لِلصَّبْرِ وَالتَّوَكُّلِ وَالتَّسْلِيمِ إلَى اللَّهِ قُلْنَا: وَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُ الزُّهَّادِ إلَى أَفْضَلِيَّةِ تَرْكِ الدُّعَاءِ اسْتِسْلَامًا لِلْقَضَاءِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ

<<  <  ج: ص:  >  >>