للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَأَهْلُ الْفَتَاوَى أَفْضَلِيَّةُ الدُّعَاءِ واستحبابيته كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَنَا أَقُولُ: الْمُنَافِي لِلصَّبْرِ هُوَ التَّضَجُّرُ وَالتَّشَكِّي وَعَدَمُ تَحَمُّلِ الْمِحَنِ لَا الْمُبَاشَرَةُ لِلسَّبَبِ الْعَادِيِّ مِنْهُ تَعَالَى وَأَيْضًا صَرَّحَ بِعَدَمِ تَنَافِي التَّشَبُّثِ بِالْأَسْبَابِ الْوَهْمِيَّةِ لِلتَّوَكُّلِ كَالْكَيِّ بِهَذَا الشَّرْطِ فَضْلًا عَنْ الظَّنِّيَّةِ بَلْ الْقَطْعِيَّةِ وَبِالْجُمْلَةِ الْمُبَاشَرَةُ لِلْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَوْ ظَنِّيَّةً بَلْ وَهْمِيَّةً لَا تُنَافِي التَّوَكُّلَ وَأَمَّا إجَابَةُ دَعْوَةِ الْكَافِرِ فَمَنَعَهَا الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: ١٤]- وَلِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ اللَّهَ.

وَالصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَنَا هُوَ الْجَوَازُ لِحَدِيثِ «اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ» وَلِأَنَّهُ تَعَالَى حِينَ قَالَ إبْلِيسُ - {أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الأعراف: ١٤] {قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الأعراف: ١٥]- فَأَجَابَ دُعَاءَهُ وَظَاهِرُ مَا فِي التتارخانية هُوَ الْإِطْلَاقُ وَصَرَّحَ عَلِيٌّ الْقَارِيّ فِي شَرْحِ الْأَمَالِي بِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقْبَلُ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَأَمَّا الْآخِرَةُ فَلَا قِيلَ: وَهُوَ التَّحْقِيقُ فِي تَوْفِيقِ النُّصُوصِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَالْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ وَاحِدٌ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْكَلَامِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَبِالْعَكْسِ وَأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ وَمَرْجِعُهُمَا إلَى الْقَبُولِ وَالْإِذْعَانِ لَكِنْ لِتَغْيِيرِ مَفْهُومِهِمَا قَدْ يَتَعَاطَفَانِ مِثْلُ {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: ٣٥]- {وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٢٢] وَلِإِطْلَاقِ الْإِسْلَامِ عَلَى الِاسْتِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ الظَّاهِرِ، قَدْ ثَبَتَ مَعَ الْإِسْلَامِ نَفْيُ الْإِيمَانِ مِثْلُ - {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤]- وَلِكَوْنِ السُّؤَالِ عَنْ مُتَعَلِّقِ الْإِيمَانِ وَعَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ» إلَى آخِرِهِ «وَالْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» إلَى آخِرِهِ.

(وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْوَاحِدُ (تَصْدِيقُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَالتَّصْدِيقُ إدْرَاكُ الْحُكْمِ أَيْ الْوُقُوعِ أَوْ اللَّا وُقُوعٍ يَعْنِي الْجُزْءَ الْأَخِيرَ لِلْقَضِيَّةِ عَلَى وَجْهِ الْإِذْعَانِ وَالْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ التَّفْتَازَانِيِّ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا هُوَ التَّصْدِيقُ اللُّغَوِيُّ وَالْمِيزَانِيُّ وَالْإِيمَانِيُّ لَا مُجَرَّدُ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ الْحَاصِلِ لِبَعْضِ الْكُفَّارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: ١٤٦]- وَقَوْلُهُ - {وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} [الشورى: ١٨]- وَقَوْلُهُ - {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل: ١٤]- لَكِنْ أَوْرَدَ بِأَنَّ عَدَمَ إيمَانِهِمْ لِنَحْوِ عَدَمِ تَصْدِيقِهِمْ لِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقُولُ: يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ رُكْنٍ آخَرَ لِلْإِيمَانِ أَوْ لِعَدَمِ شَرْطِهِ كَالْإِقْرَارِ شَطْرًا أَوْ شَرْطًا عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ أَوْ لِإِنْكَارِ مَا عَلِمَهُ أَوْ لِإِنْكَارِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُعْتَقَدَاتِ الضَّرُورِيَّةِ

وَأَقُولُ: لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ الْإِذْعَانُ فِي الْمِيزَانِيِّ وَكَانَ عِلْمًا مُجَرَّدًا لَزِمَ عَدَمُ كَوْنِ الْإِيمَانِ الِاسْتِدْلَالِيِّ إيمَانًا إذْ اللَّازِمُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ حِينَئِذٍ هُوَ الْمَعْرِفَةُ بِلَا قَبُولٍ وَالْمَطْلُوبُ هُوَ الْمَعْرِفَةُ مَعَ الْقَبُولِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ رَئِيسِهِمْ ابْنِ سِينَا اعْتِبَارُ الْقَبُولِ فِي التَّصْدِيقِ فَمَا يُقَالُ فِي الْجَوَابِ الْعِلْمُ الْمُجَرَّدُ نَتِيجَةُ الِاسْتِدْلَالِ وَالنَّظَرِ ابْتِدَاءً ثُمَّ يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ التَّسْلِيمُ وَالرِّضَا يَعْنِي الْقَبُولَ تَكَلُّفٌ بَارِدٌ وَخِلَافُ نَصِّ رَئِيسِهِمْ وَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ مِنْ الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ مَكَانَ التَّصْدِيقِ فَالْمُرَادُ هُوَ الْعِلْمُ التَّصْدِيقِيُّ.

قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَى الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ نَقْلٌ وَلِهَذَا يَمْتَثِلُونَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَاسْتِفْسَارٍ وَإِنَّمَا خَصَّ مُتَعَلِّقَ الْإِيمَانِ مَخْصُوصَةٍ وَلِأَنَّهُ لَوْ نُقِلَ إلَى مَعْنًى آخَرَ لَمَا جَازَ الْخِطَابُ بِلَا بَيَانٍ وَبَيَانُ التَّفْسِيرِ فِي مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ تَأَخُّرُهُ

فَإِنْ قِيلَ: التَّصْدِيقُ قِسْمٌ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعِلْمُ فِي مُخْتَارِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْإِيمَانُ مَأْمُورًا وَالْمَأْمُورُ بِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا قُلْنَا: قَالَ فِي التَّهْذِيبِ: لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا أَنْ يَكُونَ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ أَلْبَتَّةَ بَلْ أَنْ يَصِحَّ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ بِهِ وَكَسْبِهِ بِالِاخْتِيَارِ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ كَيْفِيَّةً كَالْعِلْمِ وَالنَّظَرِ وَغَيْرِهِمَا كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَغَايَتُهُ كَوْنُ التَّصْدِيقِ حَاصِلًا بِالِاخْتِيَارِ وَمُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ وَأَمَّا أَنَّهُ مَعْنًى غَيْرُ مَا جُعِلَ فِي الْمَنْطِقِ مُقَابِلًا لِلتَّصَوُّرِ وَفُسِّرَ بكر ويدن فَلَا

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا اُعْتُبِرَ الِاخْتِيَارُ فِي التَّصْدِيقِ لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ إيمَانُ نَحْوِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَمَنْ لَزِمَهُ التَّصْدِيقُ ضَرُورَةً بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْمُعْجِزَةِ قُلْنَا: إمَّا مُكْتَسِبٌ بِالِاخْتِيَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>