(عَنْ الْكُفْرِ) بِأَنْوَاعِهِ جَلِيًّا وَخَفِيًّا (وَالْكَذِبِ) عَمْدًا بِالْإِجْمَاعِ وَسَهْوًا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ (مُطْلَقًا) قَيْدٌ لَهُمَا أَيْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا كَمَا قِيلَ: فَيُرَدُّ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كُتُبِ الْقَوْمِ أَنَّ امْتِنَاعَ الْكَذِبِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ لِأَنَّ وَجْهَ الِامْتِنَاعِ مُنَافَاةُ مُقْتَضَى الْمُعْجِزَةِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ إمَّا قَيْدٌ لِلْكُفْرِ فَقَطْ أَوْ لِلْكَذِبِ فَقَطْ لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْإِطْلَاقِ الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ وَالنِّسْيَانُ فِي بَابِ التَّبْلِيغِ أَوْ التَّبْلِيغِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْعَمْدِ.
(وَعَنْ الْكَبَائِرِ) وَلَوْ سَهْوًا وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّرِيفِ الْعَلَّامَةِ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْمَوَاقِفِ فَإِنَّهُ قَالَ: صُدُورُهَا سَهْوًا وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ الْخَطَأِ فِي التَّأْوِيلِ جَائِزٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَالتَّفْتَازَانِي قَيَّدَ بِالتَّعَمُّدِ عَلَى أَنْ يَكُونَ قَوْلًا وَاحِدًا فِي تَهْذِيبِهِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ (وَالصَّغَائِرِ الْمُنَفِّرَةِ) أَيْ الصَّغِيرَةِ الَّتِي يَنْفِرُ عَنْهَا طِبَاعُ غَيْرِهِمْ (كَسَرِقَةِ) بِفَتْحٍ وَكَسْرٍ أَوْ بِفَتْحٍ أَوْ كَسْرٍ وَسُكُونٍ (لُقْمَةٍ) مِنْ الطَّعَامِ الْمُرَادُ مِنْ السَّرِقَةِ لَيْسَ مَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَخْذِ مُكَلَّفٍ خُفْيَةً قَدْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةً إلَخْ بَلْ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ خُفْيَةً (وَتَطْفِيفِ) بَخْسِ وَتَنْقِيصِ (حَبَّةٍ) مِنْ حُبُوبِ الْبِيَاعَاتِ وَإِنَّمَا تُنَفِّرُ الطَّبْعَ لِمَا فِيهَا مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخِسَّةِ وَالدَّنَاءَةِ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَيْضًا أَيْ عَمْدًا وَسَهْوًا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ تَجْوِيزِهِ سَهْوًا لَكِنْ بِشَرْطِ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ.
(وَ) مِنْ (تَعَمُّدِ الصَّغَائِرِ غَيْرِهَا) أَيْ الْمُنَفِّرَةِ (بَعْدَ الْبِعْثَةِ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ النُّبُوَّةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا اخْتَارَهُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ مِنْ قَوْلِهِ وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَتَجُوزُ عَمْدًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلْجُبَّائِيِّ وَأَتْبَاعِهِ فَتَأَمَّلْ فَفِي التَّقْيِيدِ بِالْعَمْدِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ الصَّغَائِرِ سَهْوًا كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ وَيَجُوزُ سَهْوًا بِالِاتِّفَاقِ هَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْوَحْيِ.
وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا دَلِيلَ عَلَى امْتِنَاعِ صُدُورِ الْكَبِيرَةِ خِلَافًا لِلشِّيعَةِ بِامْتِنَاعِ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَلَوْ قَبْلَ الْوَحْيِ وَكَذَا الْمُعْتَزِلَةُ.
قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: وَالْحَقُّ أَنَّ مُوجِبًا لِلنَّفْرَةِ كَزِنَا الْأُمَّهَاتِ فِي الْكَبِيرَةِ وَأَنَّ مُوجِبًا لِلْخِسَّةِ فِي الصَّغِيرَةِ فَمُمْتَنِعٌ وَلَوْ قَبْلَ الْوَحْيِ.
قَالَ الدَّوَانِيُّ: وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ عَلَى عِصْمَتِهِمْ مِنْ الصَّغَائِرِ عَمْدًا وَالْكَبَائِرِ مُطْلَقًا بَعْدَ الْبِعْثَةِ فَمَا نُقِلَ مِنْ الْكَذِبِ وَالْمَعْصِيَةِ إنْ بِطَرِيقِ الْآحَادِ فَمَرْدُودٌ وَإِنْ بِالتَّوَاتُرِ فَمُؤَوَّلٌ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَى السَّهْوِ أَوْ تَرْكِ الْأَوْلَى أَوْ قَبْلَ الْبَعْثَةِ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ كُلُّهُ عَلَى نَهْجِ مَا فِي الْكَلَامِيَّةِ
ثُمَّ لَا عَلَيْنَا أَنْ نُلْحِقَ إجْمَالَ مَا فِي شِفَاءِ الْقَاضِي عِيَاضٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُمْ مَعْصُومُونَ عَنْ الْحَظْرِ فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ أَمَّا الِاعْتِقَادِيَّاتُ فَهُمْ فِي أَعْلَى مَرْتَبَةِ عِلْمِ الْيَقِينِ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ فَيَمْتَنِعُ الْجَهْلُ وَالشَّكُّ عَلَيْهِمْ إجْمَاعًا وَأَمَّا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute