وَالضَّعْفِ وَإِنَّمَا قُوتُهُمْ الذِّكْرُ وَالتَّسْبِيحُ عَنْ الْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ «إنَّ طَعَامَ الْمُؤْمِنِينَ فِي زَمَنِ الدَّجَّالِ طَعَامُ الْمَلَائِكَةِ التَّسْبِيحُ وَالتَّقْدِيسُ فَمَنْ كَانَ مَنْطِقُهُ يَوْمَئِذٍ التَّسْبِيحَ وَالتَّقْدِيسَ أَذْهَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْجُوعَ» (وَرُسُلُ الْمَلَائِكَةِ) أَيْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إلَيْهِمْ فِي تَبْلِيغِ أَحْكَامِهِ إلَيْهِمْ أَوْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إلَى الْإِنْسِ مِنْ حَدِيثِ التَّدْبِيرِ لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ تَفْسِيرِ أَبِي السُّعُودِ أَنَّ مُدَبِّرَ الْأُمُورِ غَيْرُ الْمُقَرَّبِينَ حَيْثُ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ شَأْنُهُمْ الِاسْتِغْرَاقُ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَالتَّنَزُّهُ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهِ وَهُمْ الْقَلِيلُونَ الْمُقَرَّبُونَ، وَقِسْمٌ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ حَسْبَمَا جَرَى عَلَيْهِ قَلَمُ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَهُمْ الْمُدَبِّرَاتُ أَمْرًا وَمِنْهُمْ سَمَاوِيَّةٌ وَمِنْهُمْ أَرْضِيَّةٌ وَرُسُلُ الْمَلَائِكَةِ (أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الْبَشَرِ) هُمْ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: وَلَوْ أَوْلِيَاءَ وَصِدِّيقِينَ وَشُهَدَاءَ (الَّذِينَ هُمْ) وَصْفٌ لِعَامَّةِ الْبَشَرِ (أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الْمَلَائِكَةِ) كَالْحَفَظَةِ وَالْمُوَكَّلِينَ بِالْأَرْزَاقِ وَالْأَمْطَارِ وَقَيَّدَ عَامَّةَ الْبَشَرِ فِي التتارخانية بِالْمُتَّقِينَ وَعِنْدَ بَعْضِ الْأَشَاعِرَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ عَامَّةُ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الْبَشَرِ كَرُسُلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى رُسُلِ الْبَشَرِ وَعَنْ شَرْحِ الصَّحَائِفِ أَنَّ الْإِنْسَانَ بِحَسَبِ نَفْسِهِ النَّاطِقَةِ مِنْ عَالَمِ الْمَلَكُوتِ فَأَفْعَالُهُ مِنْ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ كَأَفْعَالِ الْمَلَائِكَةِ إذَا صَفَا عَنْ الْكُدُورَاتِ الْحَيَوَانِيَّةِ وَبِحَسَبِ بَدَنِهِ آلَةٌ لِاكْتِسَابِ الْكَمَالَاتِ فَكَمَالُهُ بِصُدُورِهِ مَعَ الْعَوَائِقِ الْبَدَنِيَّةِ وَمَنْعُ الْأَضْدَادِ الْعُنْصُرِيَّةِ أَفْضَلُ مِنْ كَمَالِ الْمَلَائِكَةِ لِخُلُوِّهِمْ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الشَّوَائِبِ.
(وَكَرَامَاتُ الْأَوْلِيَاءِ) جَمْعُ وَلِيٍّ مِنْ الْوِلَايَةِ إمَّا فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ بِمَعْنَى الْمَنْصُورِ لِنُصْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ بِدَوَامِ الطَّاعَاتِ أَوْ بِمَعْنَى فَاعِلٍ لِنُصْرَتِهِ نَفْسَهُ بِالطَّاعَاتِ وَتَرْكِ السَّيِّئَاتِ أَوْ مِنْ الْوَلِيِّ بِمَعْنَى الْقُرْبِ أَوْ ضِدِّ الْعَدُوِّ.
قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: أَمَّا فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ كَالْعَلِيمِ بِمَعْنَى مَنْ تَوَالَتْ طَاعَاتُهُ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ مَعْصِيَةٍ أَوْ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالْجَرِيحِ لِكَوْنِهِ مَحْفُوظًا دَائِمًا بِطَاعَتِهِ تَعَالَى
وَالْوَلِيُّ هُنَا إنْسَانٌ عَارِفٌ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ حَسْبَمَا مَا يُمْكِنُ الْمُوَاظِبُ عَلَى الطَّاعَاتِ الْمُجْتَنِبُ عَنْ الْمَعَاصِي الْمُعْرِضُ عَنْ الِانْهِمَاكِ فِي اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ اعْلَمْ أَنَّ الْخَوَارِقَ ثَمَانِيَةٌ مُعْجِزَةٌ وَكَرَامَةٌ وَإِعَانَةٌ وَإِهَانَةٌ وَسِحْرٌ وَابْتِلَاءٌ وَإِصَابَةُ عَيْنٍ وَإِرْهَاصٌ وَالْكَرَامَةُ أَمْرُ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ يَظْهَرُ عَلَى يَدِ الْمُؤْمِنِ الْمُتَّقِي الْعَارِفِ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ الْمُتَوَجِّهِ بِكُلِّيَّةِ قَلْبِهِ إلَى جَنَابِ قُدْسِهِ غَيْرَ مَقْرُونٍ بِدَعْوَى النُّبُوَّةِ وَفَوَائِدُ الْقُيُودِ غَيْرُ خَافِيَةٍ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ مِنَّا وَالْمُعْتَزِلَةُ يُنْكِرُونَ الْكَرَامَاتِ لِلُزُومِ الِاشْتِبَاهِ بِالْمُعْجِزَةِ فَيَنْسَدُّ بَابُ إثْبَاتِ النُّبُوَّةِ وَرُدَّ بِأَنَّهَا تَمْتَازُ بِعَدَمِ مُقَارَنَةِ التَّحَدِّي وَبِأَنَّهَا مُعْجِزَةٌ لِلنَّبِيِّ وَمِنْ فُرُوقِهِمَا أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ مَأْمُورٌ بِإِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ دُونَ الْوَلِيِّ بَلْ يَجِبُ سَتْرُهَا وَأَنَّ الْمُعْجِزَةَ يَقْطَعُ صَاحِبُهَا بِكَوْنِهَا مُعْجِزَةً دُونَ الْكَرَامَةِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا مَكْرًا وَقِيلَ: شَرَائِطُ الْمُعْجِزَةِ كُلًّا أَوْ كَثْرَةً شَرَائِطُ لِلْكَرَامَةِ إلَّا دَعْوَى النُّبُوَّةِ ثُمَّ الْكَرَامَةُ قَدْ تَكُونُ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا وَقَدْ تَكُونُ إلْجَائِيًّا وَلَا يَجُوزُ إظْهَارُهَا بِاخْتِيَارِهِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهَا وَهَلْ يَجُوزُ عِلْمُ الْوَلِيِّ بِكَوْنِهِ وَلِيًّا قِيلَ: لَا لِاسْتِلْزَامِ الْأَمْنِ.
قَالَ الْقُشَيْرِيُّ الْأَصَحُّ نَعَمْ لِبَقَاءِ خَوْفِ الْخَاتِمَةِ وَخَوْفِ الْهَيْبَةِ وَالْإِجْلَالِ وَقِيلَ: بِبَقَاءِ الْكَرَامَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِعَدَمِ الِانْعِزَالِ عَنْ الْوِلَايَةِ بِالْمَوْتِ كَالنَّبِيِّ.
وَقِيلَ: لَا لِظَاهِرِ نَحْوِ حَدِيثِ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» الْحَدِيثُ نُقِلَ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَيَجُوزُ التَّوَسُّلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالِاسْتِغَاثَةُ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ لِأَنَّ الْمُعْجِزَةَ وَالْكَرَامَةَ لَا تَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِمْ وَعَنْ الرَّمْلِيِّ أَيْضًا بِعَدَمِ انْقِطَاعِ الْكَرَامَةِ بِالْمَوْتِ وَعَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَلَا يُنْكِرُ الْكَرَامَةَ وَلَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ إلَّا رَافِضِيٌّ وَعَنْ الْأُجْهُورِيِّ الْوَلِيُّ فِي الدُّنْيَا كَالسَّيْفِ فِي غِمْدِهِ فَإِذَا مَاتَ تَجَرَّدَ مِنْهُ فَيَكُونُ أَقْوَى فِي التَّصَرُّفِ كَذَا نُقِلَ عَنْ نُورِ الْهِدَايَةِ لِأَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ (حَقٌّ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute