الْمُتَعَارَفَةُ الْغَالِبَةُ هَذَا يَصْلُحُ شَاهِدًا مُؤَبَّدًا لِمَا ذَكَرَهُ وَأَنَّ مَا ذَكَرَ لَيْسَ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ الْعَقْلِيَّةِ بَلْ مِنْ الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ.
(عَنْ بَعْضِ مُتَصَوِّفَةِ) أَيْ مُظْهِرِ الصَّفْوَةِ وَلَيْسَ لَهُ صَفْوَةٌ أَوْ هُمْ مُتَصَوِّفَةٌ فِي اعْتِقَادِهِمْ وَعِنْدَ تَابِعِيهِمْ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ أَوْ الْإِطْلَاقُ عَلَى سَبِيلِ التَّشْبِيهِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ، وَالْكَوْنِ وَإِلَّا فَإِطْلَاقُ الْمُتَصَوِّفَةِ عَلَى أَمْثَالِهِمْ افْتِرَاءٌ مَحْضٌ وَأَيْنَ الثُّرَيَّا مِنْ يَدِ الْمُتَنَاوِلِ (زَمَانِنَا) وَهُوَ عَصْرُ التِّسْعِمِائَةِ لَكِنَّ وَفَاتَهُ إحْدَى وَثَمَانِينَ وَتِسْعَمِائَةٍ لَيْسَ هَذَا غِيبَةً بَلْ تَنْفِيرٌ لِلْغَيْرِ وَإِظْهَارُ بُغْضٍ فِي اللَّهِ (حُكِيَ عَنْ شَيْخِهِ) الْمُتَبَادَرُ بِلَا وَاسِطَةٍ (أَنَّ وَاحِدًا مِنْ أَقْرِبَائِهِ) نَسَبًا أَوْ صِهْرًا أَوْ خِدْمَةً وَتَرَدُّدًا بِالشَّيْخِ (يَرَى اللَّهَ) الظَّاهِرُ بِهِمَّةِ الشَّيْخِ (كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) بِنَظَرِ الْعَيْنِ يَعْنِي عَيْنَ الرَّأْسِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ.
(وَأَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ كَوْنِهِ كَلِيمَ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ ذَلِكَ) وَحَمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَبْقَ لِلْإِنْكَارِ مَجَالٌ.
رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كُنَّا نَتَرَاءَى اللَّهَ تَعَالَى ثَمَّةَ أَيْ نَطْلُبُ رُؤْيَتَهُ الْقَلْبِيَّةَ بِحُضُورِ شُهُودِهِ ثَمَّةَ وَإِنَّ الْكَشْفَ، وَالتَّجَلِّيَ بِالْبَصِيرَةِ مُمْكِنٌ بَلْ وَاقِعٌ غَيْرُ مُنْكَرٍ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَاطِنُ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ» الْحَدِيثَ.
وَقَوْلُهُ «إنَّ مِنْ الْعِلْمِ كَهَيْئَةِ الْمَكْنُونِ لَا يَصِلُهُ إلَّا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ» (وَقِيلَ لَهُ) مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣] حِين طَلَبَ مُوسَى بِقَوْلِهِ {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: ١٤٣] فَهُنَا أَرْبَعَةُ أُمُورٍ: رُؤْيَةُ الْبَصَرِ مِنْ مُوسَى وَمِنْ ذَلِكَ الْوَاحِدِ، وَرُؤْيَةُ الْبَصِيرَةِ مِنْهَا أَوْ الْبَصَرِ مِنْ مُوسَى، وَالْبَصِيرَةِ مِنْ الْوَاحِدِ، وَالْعَكْسُ فَالظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْبَصَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ وَكَذَا الْبَصَرُ مِنْ جَانِبِ الْوَاحِدِ، وَالْبَصِيرَةُ مِنْ جَانِبِ مُوسَى.
وَأَمَّا الْبَصِيرَةُ مِنْ الْوَاحِدِ، وَالْبَصَرُ مِنْ مُوسَى فَالظَّاهِرُ لَيْسَ بِكُفْرٍ لَكِنْ يَأْبَى عَنْهُ صَنِيعُ سَوْقِ ذَلِكَ الْمُتَصَوِّفِ وَإِنْ احْتَمَلَ فِي نَفْسِهِ وَأَمَّا الْبَصِيرَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا يُجَابِهُ تَفْصِيلُ غَيْرِ النَّبِيِّ عَلَى النَّبِيِّ فَكُفْرٌ أَيْضًا (وَهَذَا الْكَلَامُ رُبَّمَا يَسْمَعُهُ الْغَافِلُ) إمَّا لِعَدَمِ عِلْمِ أَحْوَالِهِ تَعَالَى وَأَحْوَالِ النَّبِيِّ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ لِعَدَمِ تَوَجُّهِهِ بِمَا فِي قَلْبِهِ مِنْ مَقَامَاتِ الْعَارِفِينَ (بَغْتَةً) مِنْ غَيْرِ سَبْقِ تَأَمُّلٍ يَعْنِي غَفْلَةً وَفَجْأَةً (فَيَظُنُّ أَنَّهُ صَحِيحٌ) ، وَالظَّنُّ خَطَأٌ فَضْلًا عَمَّا فَوْقَهُ مِنْ الِاعْتِقَادِ (أَوْ يَشُكُّ) فِي صِحَّتِهِ وَسَبَبُهُ الْغَالِبُ لِحُسْنِ الظَّنِّ بِالْمُدَّعِي الْقَائِلِ.
(وَهَذَا) ، وَالْحَالُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ (تَفْضِيلٌ لِغَيْرِ النَّبِيِّ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) الَّذِي هُوَ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ (بَلْ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ) أَمَّا عَلَى مُوسَى؛ لِأَنَّهُ نَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ مَا لَمْ يَنَلْهُ مُوسَى مَرَّةً وَاحِدَةً فِي عُمْرِهِ مَعَ قُوَّةِ حِرْصِهِ وَطَلَبِهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا رُؤْيَةُ اللَّهِ وَإِنْ تَيَسَّرَ كَانَ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ اخْتِلَافِيٌّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ (فَإِنَّ) (رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى) بِالْبَصَرِ (أَعْلَى الْمَرَاتِبِ) لَا مَرْتَبَةَ فَوْقَهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُوجَدُ بِالْقُرْبِ الْكَامِلِ إلَيْهِ تَعَالَى (وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لِأَحَدٍ فِي الدُّنْيَا) ؛ لِأَنَّ الْبَصَرَ فَانٍ، وَالْحَقَّ بَاقٍ وَلَا يُرَى الْبَاقِي بِالْفَانِي.
وَأَمَّا فِي الْقِيَامَةِ فَالْعَيْنُ بَاقٍ أَيْضًا فَيَرَى الْبَاقِيَ بِالْبَاقِي كَمَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْ الشَّيْخِ عَلْوَانَ فَكَذَبَ مُدَّعِي الرُّؤْيَةَ هُنَا بِمَا كَادَ أَنْ يُطْبِقَ عَلَيْهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ لَا سِيَّمَا مِمَّنْ يَكُونُ مُتَمَسِّكًا بِالْأَوْهَامِ غَيْرَ مُتَخَلِّقٍ وَلَا مُتَحَقِّقٍ بِقَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ فَفِسْقُهُ لِكَذِبِهِ وَافْتِرَائِهِ وَاضِحٌ انْتَهَى.
(سِوَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ)