للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي أُمُورِ النُّبُوَّةِ، وَالْخَضِرُ أَعْلَمُ بِأُمُورٍ أُخَرَ، وَالْفَضْلُ إنَّمَا هُوَ بِعِلْمِ النُّبُوَّةِ وَقَدْ قِيلَ إنَّ مَا فَعَلَهُ الْخَضِرُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَمْرِ نَبِيٍّ آخَرَ وَإِنْ ضَعُفَ، وَقِيلَ أَيْضًا إنَّمَا مَجِيءُ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى الْخَضِرِ لِلتَّأْدِيبِ لَا لِلتَّعَلُّمِ.

وَقَالَ بَعْضٌ إنَّ مُوسَى هَذَا غَيْرُ مَنْ كَانَ نَبِيًّا وَأَنْتَ تَعْلَمُ سَخَافَةَ بَاقِي كَلَامِهِ بِلَا احْتِيَاجٍ إلَى إيرَادِ كَلَامٍ لِإِبْطَالِ مَرَامِهِ وَبِالْجُمْلَةِ لَا يَخْلُو مَجْمُوعُ هَذَا الْكَلَامِ عَنْ لِحَاقِ شَيْنٍ وَازْدِرَاءٍ وَعَنْ التَّنْزِيلِ، وَالنَّقْصِ عَنْ الرُّتْبَةِ الْعَلِيَّةِ لِمُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَقَدْ ذَكَرَ) الشَّرِيفُ الْعَلَّامَةُ (فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ وَ) ذَكَرَ السَّعْدُ الْعَلَّامَةُ فِي (شَرْحِ الْمَقَاصِدِ) فِي التَّرْتِيبِ إيمَاءً إلَى تَفْضِيلِ الشَّرِيفِ عَلَى السَّعْدِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى عَكْسِهِ (أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ) بَلْ نَبِيٌّ وَاحِدٌ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْعَارِفِينَ أَنَّ الْوَلَايَةَ أَعْلَى مِنْ النُّبُوَّةِ فَقِيلَ فِي بَيَانِ مُرَادِهِ عَنْ الْمَعَارِفِ الْجَامِي إنَّ جِهَةَ وِلَايَةِ نَبِيٍّ أَعْلَى مِنْ جِهَةِ نُبُوَّةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ إذْ كُلُّ نَبِيٍّ لَا يَكُونُ نَبِيًّا مَا لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا إذْ الْوَلَايَةُ كَسْبِيَّةٌ، وَالنُّبُوَّةُ وَهْبِيَّةٌ، وَالْكَسْبِيَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْوَهْبِيَّةِ بَلْ قِيلَ إنَّ النُّبُوَّةَ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالتَّهَيُّؤِ، وَالِاسْتِعْدَادِ لَهَا وَذَلِكَ بِإِكْمَالِ الْوَلَايَةِ وَإِتْمَامِهَا فَدَرَجَةُ جِهَةِ الْوَلَايَةِ قُبَيْلَ وُقُوعِ النُّبُوَّةِ أَقْوَى وَأَكْمَلُ مِنْ دَرَجَاتِ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ كُلِّهَا إذْ وَلَايَتُهُمْ لَنْ تَعُدَّهُمْ إلَى النُّبُوَّةِ فَافْهَمْ.

(وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ أَنَّ تَفْضِيلَ الْوَلِيِّ عَلَى النَّبِيِّ) فَضْلًا عَنْ الرَّسُولِ (كُفْرٌ وَضَلَالٌ) أَشَارَ إلَى عِلَّتِهِ بِقَوْلِهِ (كَيْفَ وَهُوَ تَحْقِيرٌ لِلنَّبِيِّ) هَذَا دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ (وَخَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ) دَلِيلٌ نَقْلِيٌّ وَإِطْلَاقُ الْإِجْمَاعِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كَمَالُهُ الَّذِي هُوَ الْقَطْعِيُّ دَلَالَةً وَثُبُوتًا كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الْبَزَّازِيُّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ الْأَصْلُ أَنَّ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَمَالِ الْخَالِي عَنْ الْعَوَارِضِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْجَوَازِ.

(وَسَمِعْت عَنْ بَعْضِ الْخَلْوَتِيَّةِ) الصُّوفِيَّةُ قِيلَ الْقِيَاسُ خَلْوِيٌّ، وَالْخَلْوَتِيَّةُ مِنْ الْغَلَطِ الْمَشْهُورِ يُمْكِنُ أَنْ يُشَارَ بِالتَّقْيِيدِ بِالْبَعْضِ إلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْخَلْوَتِيَّةِ لَيْسُوا بِقَائِلِينَ بِجِنْسِ هَذِهِ الْفُحْشِيَّاتِ فَالذَّمُّ مُخْتَصٌّ بِالْبَعْضِ لَا بِالْكُلِّ (أَنَّ مَا عَدَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يَبْلُغُوا) فِي مَقَامِ الْكَشْفِ، وَالشُّهُودِ (مَرْتَبَةَ الِاسْمِ السَّابِعِ) الَّذِي وَقَعَ فِي تَرْتِيبِهِمْ (بَلْ وَقَفُوا فِي السَّادِسِ، وَلَمْ يَتَجَاوَزُهُ وَإِنَّا) مَعَاشِرَ الصُّوفِيَّةِ أَوْ الْخَلْوَتِيَّةِ (قَدْ جَاوَزْنَاهُ) أَيْ السَّادِسَ بِالْوُصُولِ إلَى السَّابِعِ وَثُبُوتُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ إمَّا بِدَعْوَى الْكَشْفِ أَوْ بِادِّعَاءِ آثَارٍ وَأَخْبَارٍ أَوْ إشَارَةِ قُرْآنٍ.

(وَهَذَا) الْكَلَامُ (مِثْلُ الْأَوَّلِ) فِي كَوْنِهِ كُفْرًا وَضَلَالًا وَتَحْقِيرًا، وَخَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ ذَوْقَ ذَلِكَ الِاسْمِ مِنْ أَطْوَارِ الْوَلَايَةِ لَا مِنْ مَقَامَاتِ النُّبُوَّةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لِلْوَلِيِّ بِوِرَاثَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِلْمَ وَلَايَةٍ لَا يَحْصُلُ لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ فِي مَقَامِ وَلَايَتِهِمْ، وَإِنْ حَصَلَ فِي مَقَامِ نُبُوَّاتِهِمْ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِجَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ كَمَا مَرَّ قَرِيبًا وَعَرَفْت أَيْضًا أَنَّ وَلَايَةَ كُلِّ نَبِيٍّ فِي الْكَمَالِ فَوْقَ وَلَايَةِ كُلِّ وَلِيٍّ وَأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ ذَلِكَ هُوَ الْإِطْلَاقُ لَا التَّفْصِيلُ وَأَنَّ مِثْلَ هَذَا الِاحْتِمَالِ الْوَاهِي لَوْ كَانَ مَدَارًا لِلْخَلَاصِ عَنْ الْكُفْرِ لَمْ يَبْقَ لِمَا ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ فِي بَابِ الرِّدَّةِ مِنْ أَلْفَاظِ الْكُفْرِ مَحَلٌّ يَقَعُ بَلْ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ الْغَيْرِ الْوَاقِعَةِ أَصْلًا هَذَا وَلَوْ حَمَلَ مُرَادَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنَّا قَدْ جَاوَزْنَا يَعْنِي جَاوَزْنَا مَعَ نَبِيِّنَا، وَالْمُتَجَاوِزُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ نَبِيُّنَا وَكَانَ الْحُكْمُ فِي الْمَجْمُوعِ بِسَبَبِ وُجُودِهِ فِي بَعْضِ أَجْزَائِهِ لَأَمْكَنَ عَدَمُ الْكُفْرِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ أَيْضًا.

(وَقَالَ) أَيْ الْقَائِلُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْخَلْوَتِيَّةِ (إنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الْإِرْشَادِ) إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَضْلًا عَنْ سَائِرِ الْأَصْحَابِ يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَإِنَّا نَتَجَاوَزُ مَرْتَبَةَ الْأَصْحَابِ) أَيْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>