للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا قِيلَ إنَّ الْإِرْشَادَ بِكَثْرَةِ الْعِلْمِ وَفَضْلِ الصِّدِّيقِ عَلَى الْجَمِيعِ إنَّمَا هُوَ بِجِهَةِ غَيْرِ الْعِلْمِ فَمَزِيَّةُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ بِالْعِلْمِ لَا تُوجِبُ مَزِيَّةَ فَضْلِهِ عَلَيْهِ كَبَابِ مَدِينَةِ الْعِلْمِ مَعَ كَوْنِهِ أَعْلَمَ مِنْ الصِّدِّيقِ كَانَ الصِّدِّيقُ أَفْضَلَ مِنْهُ فَلَا يُخْفَى مَا فِيهِ مِنْ السَّخَافَةِ إذْ دَعْوَاهُمْ فِي مَرْتَبَةِ الْإِرْشَادِ كَانَ بِأَمْرٍ غَيْرِ الْعِلْمِ كَتَصْفِيَةِ الْبَاطِنِ وَتَجْلِيَةِ الرُّوحِ، وَالْوُصُولِ فِي مَقَامٍ مِنْ مَقَامَاتِ الْقُرْبِ الْإِلَهِيِّ.

وَالْقَوْلُ حِكَايَةٌ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قَالَ قَدْ يُوجَدُ فِي غَيْرِ الصَّحَابِيِّ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ بَعْدَ تَسْلِيمِ ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَوَامِّ الصَّحَابَةِ، وَالْكَلَامُ مَعَ أَخَصِّ خَوَاصِّهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَتَعَيَّنَ التَّأْوِيلُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ تَحَمُّلِ الْمَقَامِ وَاحْتِمَالِ الْكَلَامِ لَا عِنْدَ تَدَاعِي الْقَرَائِنِ عَلَى سَدِّ التَّأْوِيل.

(وَهَذَا) فِي حَقِّ أَبِي بَكْرٍ (قَدْحٌ فِي أَفْضَلِ الْأَوْلِيَاءِ) لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ فَقَطْ بَلْ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ (وَطَعْنٌ فِي أَفَاضِلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ) عَامَّةِ الصَّحَابَةِ، وَالْأَوَّلُ بِطَرِيقِ الْعِبَارَةِ وَمَدْلُولٍ مُطَابِقِيٍّ، وَالثَّانِي بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، وَالْتِزَامِيٍّ (بَلْ) طَعْنٌ (فِي سَيِّدِنَا وَسَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ رَسُولِ اللَّهِ وَحَبِيبِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِاسْتِلْزَامِ هَذَا الْكَلَامِ دَعْوَى الْمُسَاوَاةِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبُلُوغِ إلَى مَرْتَبَةِ الِاسْمِ السَّابِعِ.

وَقِيلَ لِاسْتِلْزَامِهِ كَذِبَ النَّبِيِّ فِي خَبَرِهِ بِأَنَّ النَّبِيَّ وَالصَّحَابِيَّ أَفْضَلُ مِمَّنْ سِوَاهُمْ (وَقَدْ خَرَّجَ خ م عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -) لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ عِمْرَانَ وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا فِي الْإِسْلَامِ وَغَزَا مَعَهُ غَزَوَاتٍ وَمِنْ فُضَلَاءِ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ وَكَانَتْ الْمَلَائِكَةُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ اكْتَوَى لِمَرَضٍ فَانْقَطَعَ تَسْلِيمُهُمْ فَأَبَى عَنْ الِاكْتِوَاءِ فَأَعَادُوا السَّلَامَ لَكِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَقْدَمُ مِنْهُ سَادِسُ الْإِسْلَامِ، وَشَهِدَ بَدْرًا وَجَمِيعَ الْمَشَاهِدِ وَصَاحِبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبُ وِسَادِهِ وَسِوَاكِهِ وَنَعْلَيْهِ، وَأَفْقَهُ الصَّحَابَةِ وَأَعْلَمُهُمْ وَأَزْهَدُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ تَرَدُّدًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى عُدَّ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ وَرِوَايَتُهُ ثَمَانُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ حَدِيثًا، وَرِوَايَةُ عِمْرَانَ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي» أَيْ عَصْرِي مِنْ الِاقْتِرَانِ يَعْنِي أَصْحَابِي أَوْ مَنْ رَآنِي أَوْ مَنْ كَانَ حَيًّا فِي عَهْدِي وَمُدَّتُهُمْ مِنْ الْبَعْثِ نَحْوَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً سُمِّيَتْ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ قَرْنًا لِتَقَدُّمِهَا الَّتِي بَعْدَهَا كَذَا فِي الْمُنَاوِيِّ وَقِيلَ الْقَرْنُ أَرْبَعُونَ سَنَةً أَوْ عَشْرٌ أَوْ عِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ أَوْ خَمْسُونَ أَوْ سِتُّونَ أَوْ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ أَوْ مِائَةٌ أَوْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ.

وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغُلَامٍ عِشْ قَرْنًا فَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ» كَذَا فِي الْقَامُوسِ انْتَهَى لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ هُنَا مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي إلَّا أَقَلُّهَا «ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» أَيْ يَقْرَبُونَ مِنْهُمْ وَهُمْ التَّابِعُونَ وَهُمْ مِنْ مِائَةٍ إلَى نَحْو تِسْعِينَ «ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» أَتْبَاعُ التَّابِعِينَ وَهُمْ إلَى حُدُودِ الْعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ ثُمَّ ظَهَرَتْ الْبِدَعُ وَأَطْلَقَتْ الْمُعْتَزِلَةُ أَلْسِنَتَهَا وَرَفَعَتْ الْفَلَاسِفَةُ رُءُوسَهَا وَلَمْ يَزَلْ الْأَمْرُ فِي نَقْصٍ إلَى الْآنَ ( «ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ» يَظْهَرُ وَيَشِيعُ.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ لَا خَيْرَ فِيهِمْ» ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «، وَالْقَرْنُ الرَّابِعُ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ شَيْئًا فَلَا تَعْتَمِدُوا أَقْوَالَهُمْ وَأَفْعَالَهُمْ» إذْ شَأْنُ الْكَذِبِ عَدَمُ الِاعْتِمَادِ، وَالِاغْتِنَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّ غَالِبَهَا بِدَعٌ وَضَلَالَاتٌ وَقَدْ وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ كَمَا فِي حَدِيثٍ «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ»

<<  <  ج: ص:  >  >>