بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَبَيْنَ خَالِدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - شَيْءٌ فَسَبَّهُ خَالِدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَسُبُّوا» .
إلَى آخِرِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ خَالِدًا مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ حَتَّى سَمَّاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيْفَ اللَّهِ وَسَيْفَ الْأَرْضِ وَبَعَثَهُ فِي سَرَايَا وَشَهِدَ مَعَهُ غَزَوَاتِ الْفَتْحِ وَحُنَيْنٍ وَتَبُوكَ وَحَجَّةَ الْوَدَاعِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ مِنْ الْمُخَاطَبِينَ مُتَأَخِّرُو الصَّحَابَةِ وَعَوَامُّهُمْ مَعَ مُطْلَقِ مَنْ بَعْدَهُمْ وَمِنْ الصَّحَابَةِ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ وَمَنْ نَزَلَ فِي فَضْلِهِمْ وَتَبْرِئَتِهِمْ الْقُرْآنُ كَأَهْلِ بَدْرٍ بِقَرِينَةِ سَبَبِ وُرُودِ الْحَدِيثِ فَتَأَمَّلْ.
(وَخَرَّجَ ت) التِّرْمِذِيُّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «اللَّهَ اللَّهَ فِي» حَقِّ «أَصْحَابِي» أَيْ: اتَّقُوا اللَّهَ فِيهِمْ وَلَا تَلْمِزُوهُمْ بِسُوءٍ أَوْ اُذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِمْ وَفِي تَعْظِيمِهِمْ، وَالتَّكْرِيرُ لِلْإِيذَانِ بِمَزِيدِ الْحَثِّ عَلَى الْكَفِّ عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُمْ بِمُقْتَضٍ فَلَا يُنْظَرُ إلَى الْمُخَالَفَاتِ الِاجْتِهَادِيَّةِ، وَالْحُرُوبِ الْمُنْبَعِثَةِ عَنْ الْحَمِيَّةِ الدِّينِيَّةِ فِي نُصْرَةِ الْأَحْكَامِ.
( «لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا» بِمُعْجَمَةٍ هَدَفًا تَرْمُوهُمْ بِقَبِيحِ الْكَلَامِ فَتَشْبِيهٌ بَلِيغٌ «مِنْ بَعْدِي فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أُحِبُّهُمْ» أَيْ فَبِسَبَبِ حُبِّي لَهُ أَوْ حُبِّي إيَّاهُمْ فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ أَحَدًا أَحَبَّ جَمِيعَ مَنْ يُحِبُّهُ ذَلِكَ «وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي» فَبِسَبَبِ بُغْضِهِ إيَّايَ «أَبْغَضُهُمْ» يَعْنِي إنَّمَا أَبْغَضُهُمْ لِبُغْضِهِ إيَّايَ «وَمَنْ آذَاهُمْ» بِمُطْلَقِ مَا يَسُؤْهُمْ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ فَإِنَّ الْأَمْوَاتَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ الْأَحْيَاءُ.
«فَقَدْ آذَانِي» فَإِنَّ الْحَبِيبَ يَتَأَذَّى بِمَا يَتَأَذَّى بِهِ حَبِيبُهُ وَبِإِذَائِهِ «وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ تَعَالَى» ؛ لِأَنَّ تَعْظِيمَ الرَّسُولِ تَعْظِيمُ مُرْسِلِهِ وَكَذَا أَذَاهُ «وَمَنْ آذَى اللَّهَ تَعَالَى فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ» أَيْ يُسْرِعَ انْتِزَاعِ رُوحِهِ أَخْذَةَ غَضْبَانَ مُنْتَقِمٍ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ جَبَّارٍ قَهَّارٍ - {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ} [آل عمران: ١٣]- هَذَا عُدَّ مِنْ بَاهِرِ مُعْجِزَاتِهِ لِوُقُوعِ ذَلِكَ بَعْدَ انْتِقَالِهِ مِنْ ظُهُورِ الْبِدَعِ وَإِيذَاءِ الْبَعْضِ لِحُبِّ بَعْضٍ آخَرَ.
قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (تَتِمَّةٌ)
اُخْتُلِفَ فِي سَابِّ الصَّحَابَةِ فَقَالَ عِيَاضٌ قَالَ الْجُمْهُورُ يُعَزَّرُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يُقْتَلُ وَخَصَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ذَلِكَ بِالشَّيْخَيْنِ، وَالْحَسَنَيْنِ فَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَجْهَيْنِ، وَقَوَّاهُ السُّبْكِيُّ فِيمَنْ كَفَّرَ الشَّيْخَيْنِ وَمَنْ كَفَّرَ مَنْ صَرَّحَ الْمُصْطَفَى بِإِيمَانِهِ أَوْ تَبْشِيرِهِ بِالْجَنَّةِ وَأَطْلَقَ الْجُمْهُورُ التَّعْزِيرَ انْتَهَى.
قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: سَبُّ الشَّيْخَيْنِ وَلَعْنُهُمَا كُفْرٌ وَتَفْضِيلُ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا ابْتِدَاعٌ وَكُلُّ كَافِرٍ تَابَ فَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ إلَّا الْكَافِرَ بِسَبِّ نَبِيٍّ أَوْ بِسَبِّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا (وَخَرَّجَ ت عَنْ أَنَسٍ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - « (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -) أَيْ أَخْبَرَ عَنْهُمَا» أَوْ قَالَ لَهُمَا ( «هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ» جَمْعُ كَهْلٍ مَنْ خَطَّهُ الشَّيْبُ أَوْ مَنْ جَاوَزَ الثَّلَاثِينَ وَأَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إلَى إحْدَى وَخَمْسِينَ «أَهْلِ الْجَنَّةِ» وَجْهُ الْكُهُولَةِ إمَّا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِمَا كَهْلَيْنِ عِنْدَ وُرُودِ هَذَا الْأَثَرِ أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَا عَلَيْهِ عِنْدَ خُرُوجِهِمَا مِنْ الدُّنْيَا كَمَا قِيلَ أَوْ كَمَا أَنَّ الْكُهُولَةَ أَمْرٌ وَسَطٌ بَيْنَ الشَّبَابِ، وَالشَّيْبِ كَذَلِكَ فَضْلُهُمَا مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ فَضْلِ الْأَنْبِيَاءِ وَسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ وَإِلَّا فَأَهْلُ الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ أَبْنَاءُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ عَلَى سَمْتِ آدَمَ وَصُورَةِ يُوسُفَ وَقَلْبِ أَيُّوبَ وَلَوْ سِقْطًا أَوْ شَيْخًا هَرَمًا فَانِيًا.
«مِنْ الْأَوَّلِينَ» بَيَانٌ لِلْكُهُولِ «وَالْآخِرِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute