للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنْكَارَ نَصٍّ قَطْعِيٍّ، وَالْقَوْلُ فِي التَّعْلِيلِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ صُحْبَتِهِمْ بِالتَّوَاتُرِ بَلْ بِالْآحَادِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ إذْ لَوْ سَلَّمَ عَدَمَ التَّوَاتُرِ اللَّفْظِيِّ فَثُبُوتُ التَّوَاتُرِ الْمَعْنَوِيِّ قَطْعِيٌّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُمْ مِنْ أَصْحَابِي مَثَلًا (وَيَسْتَحِقُّ اللَّعْنَةَ) لِابْتِدَاعِهِ، وَكَذِبِهِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: ٦١] فَهَذَا اللَّعْنُ لَيْسَ مَا يَقْتَضِيهِ الْكُفْرُ (وَلَوْ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الصَّحَابَةِ كَفَرَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ صَاحِبًا) الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ الصَّحَابَةِ (بِقَوْلِهِ {إِذْ يَقُولُ} [التوبة: ٤٠] أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {لِصَاحِبِهِ} [التوبة: ٤٠] أَيْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: ٤٠] .

قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ رُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ طَلَعُوا فَوْقَ الْغَارِ فَأَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا ظَنُّك بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» فَأَعْمَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ يَرَوْهُ، يَشْكُلُ بِأَنَّ كَوْنَ الْمُرَادِ مِنْ الصَّاحِبِ هَذَا أَبَا بَكْرٍ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ، وَالْكُفْرُ يَقْتَضِي الْقَطْعِيَّةَ إذْ إنْكَارُ مَا يَكُونُ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ لَيْسَ بِكُفْرٍ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْإِجْمَاعَ عَلَى إرَادَةِ ذَلِكَ مِنْهُ.

(وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ) لِظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ (وَمَنْ أَنْكَرَ إمَامَةَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (فَهُوَ كَافِرٌ فِي الصَّحِيحِ) قِيلَ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ خِلَافِ أَحَدٍ يُعْتَدُّ بِهِ وَقِيلَ لِنِسْبَةِ الْأُمَّةِ إلَى الضَّلَالَةِ، وَالْأُمَّةُ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى الضَّلَالَةِ لِحَدِيثِ «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ» يَشْكُلُ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْكُفْرَ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِجْمَاعِ الَّذِي وَقَعَ فِي الشَّرْعِيَّاتِ وَهَذَا كَالْإِجْمَاعِ فِي الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ وَلَوْ سُلِّمَ فَسَنَدُهُ الْقِيَاسُ عَلَى إمَامَتِهِ فِي الصَّلَاةِ نَصًّا وَقُرِّرَ أَيْضًا بِعَدَمِ الْكُفْرِ فِي الْإِجْمَاعِ الَّذِي سَنَدُهُ الْقِيَاسُ فَاعْلَمْ أَنَّ فِي إكْفَارِ مُنْكِرِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ كُفْرٌ مُطْلَقًا وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَلَيْسَ بِكُفْرٍ مُطْلَقًا وَكُفْرٌ فِي نَحْوِ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ فِي كَوْنِهِ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ الدِّينِيَّةِ وَعَدَمِهِ فِي غَيْرِهَا قِيلَ هُوَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ فَتَأَمَّلْ وَيَشْكُلُ عَلَى الثَّانِي بِأَنَّ إنْكَارَ الْحَدِيثِ إنَّمَا يَكُونُ كُفْرًا إنْ مُتَوَاتِرًا، وَتَوَاتُرُ هَذَا الْحَدِيثِ مَمْنُوعٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْإِنْكَارُ عَلَى مَا بَعْدَ إقْرَارِ حَدِيثِيَّتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا احْتِمَالٌ وَلَا كُفْرَ مَعَ الِاحْتِمَالِ (وَكَذَلِكَ مَنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ عُمَرَ فِي أَصَحِّ الْأَقْوَالِ) قِيلَ لِإِنْكَارِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ أَيْضًا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ آنِفًا مَعَ عَدَمِ الِانْدِفَاعِ بِدَفْعِ مَا ذُكِرَ آنِفًا فَافْهَمْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ إنْ اتَّحَدَ حُكْمُهُمَا فِي الْكُفْرِ، وَالْأُضْحِيَّةِ فَالْأَوْلَى جَمْعُهُمَا إذْ الْفَصْلُ الْوَاحِدُ أَوْلَى مِنْ الْفَصْلَيْنِ (انْتَهَى) ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ نَقْلَ الْمُصَنِّفِ هُنَا هَذِهِ الْأَخْبَارَ، وَالْآثَارَ وَأَقْوَالَ الْفُقَهَاءِ لِأَجْلِ إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا قَدْحٌ فِي أَفْضَلِ الْأَوْلِيَاءِ إلَى آخِرِهِ فَإِذَا تَفَطَّنْت وَجَدْت عَدَمَ تَمَامِيَّةِ التَّقْرِيبِ فِي بَعْضِهَا وَعَدَمَ التَّقْرِيبِ أَصْلًا فِي بَعْضِهَا نَعَمْ يُمْكِنُ التَّقْرِيبُ لَكِنْ بِتَأْوِيلٍ خَفِيٍّ يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ، وَأَمَّا مُنْكِرُ خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ فَمُبْتَدِعٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَعَنْ جَمِيعِ أَصْحَابِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(تَذْنِيبٌ)

لِلْمَسَائِلِ الْمُخْتَلِفَةِ بَيْنَ إمَامَيْ أَهْلِ السُّنَّةِ كَثَّرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَمِ الْهُدَى الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ، وَالشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى مَا جَمَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي رِسَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَبَعْضُ الْأَسَاتِذَةِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ مَعَ بَعْضٍ آخَرَ عَنْ بَعْضِ الْكُتُبِ.

قَالَ جُمْهُورُ الْمَاتُرِيدِيَّةِ: الْأَوَّلُ مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَاجِبٌ عَقْلًا لَا شَرْعًا.

الثَّانِي وَأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ لَمْ يَبْعَثْ لِلنَّاسِ رَسُولًا لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَتُهُ تَعَالَى.

الثَّالِثُ: وَأَنَّهُ يُعْرَفُ الصَّانِعُ بِصِفَاتِهِ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ.

الرَّابِعُ: وَأَنَّ الْوُجُودَ وَالْوَاجِبَ عَيْنُ الذَّاتِ فِي التَّحْقِيقِ.

الْخَامِسُ: وَأَنَّ حُسْنَ بَعْضِ الْأُمُورِ وَقُبْحَهُ يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ.

السَّادِسُ: وَأَنَّ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ كُلِّهَا رَاجِعَةٌ إلَى صِفَةٍ ذَاتِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ هِيَ التَّكْوِينُ وَهُوَ مَبْدَأُ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ فَالْفِعْلِيَّةُ كَالذَّاتِيَّةِ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ لَا اعْتِبَارِيَّةٌ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ تَعَالَى.

السَّابِعُ: وَكُلُّ صِفَةٍ ذَاتِيَّةٍ أَوْ فِعْلِيَّةٍ وَاجِبَةِ الْوُجُودِ لَيْسَتْ بِمُمْكِنَةٍ.

الثَّامِنُ: وَأَنَّ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ مِنْ نَحْوِ الْخَالِقِ الْبَارِئِ الرَّازِقِ لَهَا أَسْمَاءٌ غَيْرُ الْقُدْرَةِ بِلَا رُجُوعٍ إلَيْهَا بَلْ إلَى التَّكْوِينِ.

التَّاسِعُ: وَأَنَّ التَّكْوِينَ لَيْسَ عَيْنَ الْمُكَوَّنِ.

الْعَاشِرُ: وَأَنَّ الْبَقَاءَ لَيْسَ صِفَةً زَائِدَةً.

الْحَادِيَ عَشَرَ: وَالسَّمْعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>