وَالْقَضَايَا مُنْقَلِبَةٌ فَنُودِيَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ
- فَقِيلَ {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: ٢٢]- فَنَقُولُ - {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: ١٢]- فَنُجَابُ - {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر: ٣٧]- فَنَقُولُ رَبَّنَا مَا عَلِمْت حَقِيقَةَ الْحَالِ مِنْ أَنَّ مَا يُرَى مَوْجُودٌ ظَاهِرًا وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْحَقِيقَةِ فَيُقَالُ فِي جَوَابِهِ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ تَعَالَى {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} [النور: ٣٩] وَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ تَرْكِ التَّدَبُّرِ الَّذِي هُوَ رَأْسُ الشَّقَاوَةِ كَمَا أَنَّ التَّدَبُّرَ وَالتَّفَكُّرَ رَأْسُ كُلِّ السَّعَادَةِ كَمَا قِيلَ إذَا كَانَ لِلْمَرْءِ فِكْرَةٌ فَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ عِبْرَةٌ فَصَاحِبُ الْفِكْرَةِ كُلُّ ذَرَّةٍ مِنْ ذَرَّاتِ الْأَكْوَانِ لَهُ شَيْخٌ مُرْشِدٌ
وَالثَّالِثُ مِنْ مَعَانِي الْحِكْمَةِ مَا سَمَّاهُ الَّذِينَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ حِكْمَةٌ مِنْ عِلْمِ الْفَلَاسِفَةِ وَهَذَا كَتَسْمِيَةِ الْأَعْمَى بِالْبَصِيرِ وَالْبَرِّيَّةِ الْمُهْلِكَةِ بِالْمَفَازَةِ كَيْفَ وَمِنْ أُصُولِ مَسَائِلِهِمْ قِدَمُ الْعَالَمِ وَكَوْنُهُ تَعَالَى مُوجِبًا بِالذَّاتِ بِلَا اخْتِيَارٍ لَهُ أَصْلًا وَامْتِنَاعُ الْخَرْقِ وَالِالْتِئَامِ لِلسَّمَاءِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْفُحْشِيَّاتِ كَمَا سَبَقَ وَالْعَجَبُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يَقْتَفُونَ أَثَرَهُمْ وَيُرَوِّجُونَ أَقْوَالَهُمْ وَيُشْهِرُونَ مَذَاهِبَهُمْ وَيَفْتَخِرُونَ بِعُلُومِهِمْ وَيَتْرُكُونَ عُلُومَ رَبِّهِمْ وَيُرَجِّحُونَهَا عَلَى عُلُومِ سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ نَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا (وَإِفْرَاطُهُ الْجَرْبَزَةَ) بِالْجِيمِ فَالرَّاءِ فَالْبَاءِ فَالزَّايِ فِي الصِّحَاحِ رَجُلٌ جُرْبُزٌ بِالضَّمِّ بَيِّنُ الْجَرْبَزَةِ بِالْفَتْحِ أَيْ خَبٌّ، وَهُوَ الْقُرْبُزُ أَيْضًا.
وَعَنْ مُخْتَصَرِ الْقَامُوسِ جَرْبَزَ الرَّجُلُ ذَهَبَ أَوْ انْقَبَضَ أَوْ سَقَطَ، وَهُوَ مُعَرَّبٌ (وَهِيَ مَلَكَةُ إدْرَاكٍ تَدْعُو) صَاحِبَهَا (إلَى اطِّلَاعِ مَا لَا يُمْكِنُ إدْرَاكُهُ) لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ تَعَالَى أَوْ لِمَنْ شَاءَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِحِكْمَةٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ تَعَالَى يَعْنِي إلَى إرَادَةِ الِاطِّلَاعِ فَإِنَّ نَفْسَهُ مُمْتَنِعٌ (كَالْمُتَشَابِهَاتِ) فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ فَإِنَّ غَيْرَهُمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْمُتَشَابِهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ إدْرَاكُهُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ (وَبَحْثُ الْقَدَرِ) أَيْ تَقْدِيرُهُ تَعَالَى وَقَضَاؤُهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ إذْ هَذَا الْبَحْثُ أَيْضًا مِنْ الْمُتَشَابِهَاتِ فَإِنَّهَا مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ.
وَإِنْ قِيلَ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْلَمُهَا لَعَلَّهُ إنْ صَحَّ فَعَلَى طَرِيقِ الْخَوَارِقِ وَالْكَلَامُ فِي الْإِمْكَانِ الْعَادِيِّ وَإِلَّا فَقَالُوا بِإِمْكَانِ عِلْمِهَا فِي النَّشْأَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ وَلِهَذَا نَرَى بَعْضَ الْأُصُولِيِّينَ فِي تَعْرِيفِ الْمُتَشَابِهِ يَقُولُ مَا يَنْقَطِعُ رَجَاءَ مَعْرِفَتِهِ فِي هَذِهِ النَّشْأَةِ (أَوْ) مَلَكَةٌ (تَصْدُرُ بِهَا أَفْعَالٌ يَتَضَرَّرُ الْغَيْرُ بِهَا) كَالْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ وَقِيلَ أَوْ لَا يَتَضَرَّرُ الْغَيْرُ بِهَا، وَلَكِنْ تَخْلُو عَنْ نَفْعٍ أُخْرَوِيٍّ فَيَدْخُلُ الْخَبُّ، وَهُوَ كَيْفِيَّةٌ يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى اسْتِعْمَالِ الدَّهَاءِ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَبُلُوغِ غَايَاتِهَا (وَتَفْرِيطُهُ) أَيْ اعْتِدَالُ الْحِكْمَةِ أَوْ النُّطْقِ (الْبَلَادَةُ) ضِدُّ الذَّكَاءِ كَالْحَمَاقَةِ وَالِانْخِدَاعِ (وَهِيَ مَلَكَةٌ بِهَا يَقْصُرُ صَاحِبُهَا عَنْ إدْرَاكِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ) وَالنَّفْعِ وَالضُّرِّ دِينِيًّا أَوْ دُنْيَوِيًّا.
(وَ) الثَّانِيَةُ (الْغَضَبُ، وَهُوَ حَرَكَةُ النَّفْسِ) الْحَيَوَانِيَّةِ (دَفْعًا لِلْمُنَافِرِ) حَالًا أَوْ مَآلًا وَذَلِكَ بِغَلَيَانِ دَمِ الْقَلْبِ عِنْدَ إدْرَاكِ مَا لَا يُلَائِمُهُ مِنْ الْأَذَى وَالْأَلَمَ، ثُمَّ قِيلَ هَذِهِ الْحَرَكَةُ جَزَعٌ إنْ لَمْ يَكُنْ الِانْتِقَامُ لِكَوْنِهِ أَعْلَى مِنْهُ فَيَنْقَبِضُ ذَلِكَ الدَّمُ وَحِقْدٌ إنْ وَقَعَ تَرَدُّدٌ فِي الِانْتِقَامِ لِكَوْنِهِ مُسَاوِيًا لَهُ وَغَضَبٌ إنْ أَمْكَنَ الِانْتِقَامُ (فَاعْتِدَالُهُ الشَّجَاعَةُ، وَهِيَ مَلَكَةٌ بِهَا يُقْدِمُ عَلَى أُمُورٍ يَنْبَغِي أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهَا) كَالْمُحَارَبَةِ مَعَ الْكُفَّارِ مَا لَمْ يَزِيدُوا عَلَى ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ وَتَخْلِيصِ الْمَظْلُومِ مِنْ يَدِ الظَّالِمِ، وَإِنْ حَصَلَ الْإِقْدَامُ مِنْ غَيْرِ تَرَوٍّ فَجُرْأَةٌ (وَإِفْرَاطُهُ التَّهَوُّرُ) ، وَهُوَ الْوُقُوعُ فِي الشَّيْءِ بِقِلَّةِ مُبَالَاةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute