(طكط هَقّ) الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيِّ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخُلُقُ الْحَسَنُ» لِغَايَةِ شَرَفِهِ «يُذِيبُ الْخَطَايَا كَمَا يُذِيبُ الْمَاءُ الْجَلِيدَ» أَيْ الْجَمَدَ، وَهُوَ مَا يَجْمُدُ مِنْ الْمَاءِ لِفَرْطِ الْيُبْسِ وَالْبَرْدِ لَعَلَّ ذَلِكَ إمَّا لِتَوْفِيقِ تَوْبَةٍ أَوْ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِشْهَادِ مَا ذُكِرَ فِيمَا بَعْدُ، وَأَمَّا مَا ذُكِرَ قَبْلُ فَلِئَلَّا يَقْطَعَ الْحَدِيثَ «وَالْخُلُقُ السُّوءُ» مَلَكَةٌ يَصْدُرُ عَنْهَا سَيِّئُ الْأَفْعَالِ بِسُهُولَةٍ «يُفْسِدُ الْأَعْمَالَ» الصَّالِحَةَ «كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ» بِإِذْهَابِ حَلَاوَتِهِ وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الذَّمِيمَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ شَرَعَ فِي الْمَحْمُودَةِ فَقَالَ (وَالْأَوْسَاطُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَالْأَطْرَافُ مُطْلَقًا وَالْأَوْسَاطُ الْمَشُوبَةُ إلَخْ قَدَّمَ التَّخْلِيَةَ عَلَى التَّحْلِيَةِ، وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ مِنْ الْحِكْمَةِ وَالْعِفَّةِ وَالشَّجَاعَةِ (الْخَالِيَةِ عَنْ الْغَرَضِ الْفَاسِدِ) كَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ (فَضَائِلُ) وَكِمَالَاتُ (فَكُلُّ خُلُقٍ مَحْمُودٍ نَاشِئٌ مِنْهَا) مِنْ الْأَوْسَاطِ الْمَوْصُوفَةِ (مُنْفَرِدَةً أَوْ مُجْتَمَعًا بَعْضُهَا) مَعَ آخَرَ (أَوْ) نَاشِئٌ (مِنْ مَجْمُوعِهَا الْمُسَمَّى بِالْعَدَالَةِ) وَكَمَالُ هَذِهِ الْأَوْسَاطِ خُصَّ بِأَشْرَفِ الْخُلُقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤] (فَمَنْ حَصَلَ لَهُ) شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَحْمُودِ (بِكَسْبٍ أَوْ طَبْعٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَنَا عَدَمُ الطَّبْعِ وَالْحَمْلُ عَلَى الْإِشَارَةِ لِلْمَذْهَبَيْنِ بَعِيدٌ لَعَلَّك قَدْ عَرَفْته قَبْلُ (فَلْيَحْفَظْهُ) وَلِبَعْضٍ لِئَلَّا يَتَحَوَّلَ (بِمُلَازَمَةِ أَهْلِهِ) مِنْ الصُّلَحَاءِ، فَإِنَّ الصَّاحِبَ يَقْتَدِي بِصَاحِبِهِ وَالْمُجَاوَرَةُ تُوجِبُ الْإِشْرَاكَ فِي الْمُجَاوِرِ، وَأَنَّ الصُّحْبَةَ سَارِيَةٌ وَالطَّبِيعَةُ سَارِقَةٌ (وَعَدَمُ صُحْبَةِ الْأَشْرَارِ) لِسُرْعَةِ انْسِلَاخِ التَّخَلُّقِ وَعَوْدِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْخُلُقِ، فَإِنَّ لِلْمُجَاوِرَاتِ تَأْثِيرًا عَجِيبًا سَرِيعًا كَمَا قِيلَ، وَمَنْ يَصْحَبُ الْأَشْرَارَ يُعَدُّ شِرِّيرًا وَقِيلَ:
عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ ... فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي
إذَا كَانَ ذَا شَرٍّ فَجَنِّبْهُ سُرْعَةً ... وَإِنْ كَانَ ذَا خَيْرٍ فَقَارِنْهُ تَهْتَدِي
، وَكَمَا قِيلَ:
لَا تَصْحَبْ الْكَسْلَانَ فِي حَالَاتِهِ ... كَمْ صَالِحٍ بِفَسَادِ آخَرَ يَفْسُدُ
عَدْوَى الْبَلِيدِ إلَى الْجَلِيدِ سَرِيعَةٌ ... كَالْجَمْرِ يُوضَعُ فِي الرَّمَادِ فَيَخْمُدُ
كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ» (وَإِيَّاهُ) لِيَحْذَرْ مَنْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ الْخُلُقُ الْمَحْمُودُ (وَالِاسْتِرْسَالُ) مِنْ إرْسَالِ نَفْسِهِ حَيْثُ تَشْتَهِي وَتَهْوَى (فِي الْمَلَاهِي) مِنْ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ (وَالْمِزَاحِ) الْمَذْمُومِ مِنْهُ مَا كَثُرَ أَوْ مَا يُؤْذِي أَوْ يُبْطِلُ، وَأَمَّا الْمِزَاحُ الْحَقُّ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ مِمَّا لَا يُؤْذِي بِنِيَّةٍ صَحِيحَةٍ فَيَجُوزُ وَسَيَجِيءُ (وَالْمِرَاءُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مَمْدُودًا الْمُجَادَلَةُ (وَلْيَرُضْ) مِنْ الرِّيَاضَةِ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَضَمِّ الرَّاءِ (نَفْسَهُ بِوَظَائِفَ عِلْمِيَّةٍ وَعَمَلِيَّةٍ) كَالتَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ وَالْمُطَالَعَةِ وَكَالِاشْتِغَالِ بِالْفَضَائِلِ وَالنَّوَافِلِ وَزِيَارَةِ الصَّالِحِينَ (فَلْيَذْكُرْ جَلَالَتَهُ) أَيْ الْخُلُقَ الْمَحْمُودَ فَإِنَّهُ فَضْلٌ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى (وَدَوَامَهُ وَصَفَاءَهُ) لَهُ مِنْ كَدُورَاتِ أَضْدَادِهِ (وَ) لِيَذْكُرَ (حَقَارَةَ الدُّنْيَا) عِنْدَ اللَّهِ عَلَى وَجْهٍ لَا تَعْدِلُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ.
قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute