حِكَايَةً عَنْ الصَّالِحِينَ {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: ٧٤] وَنَحْوُ قَوْلِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: ٣٥]- وَمِنْ الْأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا إذَا قَصَّهُ اللَّهُ أَوْ أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ بِلَا نَكِيرٍ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «لَأَنْ أَقْضِيَ يَوْمًا بِحَقٍّ وَعَدْلٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ سَنَةٍ أَغْزُوهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَأَيْضًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ «عَدْلُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «إنَّ مَا يَزَعُ السُّلْطَانُ أَكْثَرُ مِمَّا يَزَعُ الْقُرْآنُ» (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَخْلُ عَنْ الْمَحْظُورِ (فَلَا) يَجُوزُ فَضْلًا عَنْ الِاسْتِحْبَابِ يَعْنِي إذَا كَانَ نِيَّتُهُ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ حُبِّ الرِّيَاسَةِ الْعِبَادَةَ وَالطَّاعَةَ، وَلَكِنْ لَمْ يَخْلُ عَنْ الْحَظْرِ نَحْوَ الرِّيَاءِ وَمَا ذَكَرَ بَعْدَهُ (لِأَنَّ النِّيَّةَ) الصَّحِيحَةَ (لَا تُؤَثِّرُ فِي) حِلِّ تِلْكَ (الْمُحَرَّمَاتِ وَ) كَذَا إبَاحَةُ (الْمَكْرُوهَاتِ) فَلَا يَحِلُّ تَعَاطِيهَا بِنِيَّةِ الْحِلِّ وَلَا تُبَاحُ بَلْ رُبَّمَا يَغْلُظُ حُكْمُ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ بِضَمِّ نِيَّةِ الْحِلِّ وَالْإِبَاحَةِ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي الطَّاعَاتِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ عَمَلًا وَاحِدًا قَدْ يَكُونُ مَشْرُوعًا بِنِيَّةٍ وَغَيْرَ مَشْرُوعٍ بِأُخْرَى وَدَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِمَا يَكُونُ مُبَاحًا فِي أَصْلِهِ وَالْكَلَامُ فِيمَا يَكُونُ حَرَامًا فِي أَصْلِهِ تَحَكُّمٌ (وَثَالِثُهَا التَّلَذُّذُ بِهِ) بِالْجَاهِ (نَفْسِهِ) تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ وَقِيلَ لِلتَّلَذُّذِ احْتِرَازًا عَنْ التَّلَذُّذِ بِعَوَارِضِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ مِنْ قَضَاءِ الْأَغْرَاضِ وَالْمَقَاصِدِ النَّفْسَانِيَّةِ (وَظَنُّهُ كَمَالًا وَهَذَا كَحُبِّ الْمَالِ لِلتَّنَعُّمِ) فِي أَنْوَاعِ الْأَغْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ (وَالتَّلَذُّذِ بِهِ) لِمُجَرَّدِ هَوَى النَّفْسِ (فَإِنْ خَلَا عَنْ الْمَحْظُورِ) أَيْ الْمَمْنُوعِ نَحْوَ قَصْدِ مُحَرَّمٍ (فَلَيْسَ بِحَرَامٍ، وَلَكِنَّهُ مَذْمُومٌ) فِي رُتْبَةِ الْكَمَالِ لِإِخْلَالِهِ بِهَا (لِكَوْنِ صَاحِبِهِ مَقْصُورًا لَهُمْ) أَيْ الْعَزْمِ وَالْهِمَّةِ (عَلَى مُرَاعَاةِ الْخَلْقِ) يَعْنِي يَقْصُرُ قَصْدَهُ عَلَى مُرَاعَاةِ الْخَلْقِ لِئَلَّا يَتَفَرَّقُوا عَنْهُ وَلِئَلَّا يَذُمُّوهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يُحِبُّ ثَنَاءَهُمْ وَيَكْرَهُ ذَمَّهُمْ (وَ) لِخَوْفِ (تَأْدِيَتِهِ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْجَاهِ يَخَافُ أَنْ يُؤَدِّيَ صَاحِبَهُ (إلَى الْمُرَاءَاةِ) مِنْ الرِّيَاءِ وَالْمُدَاهَنَاتِ وَالتَّصَنُّعَاتِ (لِأَجْلِهِمْ) لِأَجْلِ جَلْبِهِمْ وَثَنَائِهِمْ وَلِأَجْلِ نَيْلِهِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ (وَ) لِخَوْفِ (النِّفَاقِ) أَيْ وَلِخَوْفِ تَأْدِيَتِهِ إلَى النِّفَاقِ لِلْخَلْقِ (بِإِظْهَارِ مَا لَيْسَ فِيهِ) أَيْ فِيمَنْ يُحِبُّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْجَاهِ (مِنْ الْكِمَالَاتِ) يَعْنِي يُظْهِرُ هَذَا الرَّجُلُ كَمَالًا، وَهُوَ لَيْسَ فِيهِ (لِاقْتِنَاصِ قُلُوبِهِمْ) أَيْ صَيْدِ قُلُوبِهِمْ وَجَلْبِهِمْ (وَالتَّلْبِيسِ) أَيْ وَلِخَوْفِ تَأْدِيَتِهِ إلَى التَّلْبِيسِ أَيْ تَلْبِيسِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا (وَالْخُدْعَةِ) فُسِّرَ بِإِظْهَارِ خِلَافِ مَا فِي الْبَاطِنِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ هُوَ الْحِيلَةُ وَالْمَكْرُ (وَالْكَذِبِ وَالْعُجْبِ) أَيْ النَّظَرِ لِلنَّفْسِ (وَنَحْوِهَا) مِنْ الْمَحْظُورَاتِ الَّتِي تَصْدُرُ فِيمَنْ يَكُونُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَا يَخْفَى أَنَّ اللَّازِمَ مِمَّا ذَكَرَ هُوَ الْحُرْمَةُ وَمَطْلُوبُ عَدَمِ الْحُرْمَةِ، فَإِنَّهُ لَا شَكَّ فِي كَوْنِ قَصْرِ الْقَصْدِ إلَى الْخَلْقِ مُعْرِضًا عَنْ الْحَقِّ أَوْ مُسْتَلْزِمًا إيَّاهُ وَمَا فِيهِ خَوْفُ الْحُرْمَةِ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْحُرُمَاتِ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ، وَأَنَّهُ مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ إلَّا وَيَغْلِبُ الْحَرَامُ وَقَدْ قُرِّرَ تَرْجِيحُ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَأَنَّهُ قَدْ يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ إلَّا أَنْ يُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ فِي مَطْلُوبٍ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ أَيْ قَطْعِيٍّ، وَيُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَكِنَّهُ مَذْمُومٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَلَوْ تَحْرِيمًا لَكِنَّ الْمُتَبَادِرَ دُخُولُهُ فِي الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ (وَعِلَاجُهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ هَذَا النَّوْعُ مَذْمُومًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ عِلَاجٍ فَعِلَاجُهُ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ عَدَمُ ذِكْرِ عِلَاجِ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّهُ أَهَمُّ مِنْ هَذَا، وَلَوْ أُرِيدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute