للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهُوَ يَلْهَثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ قِيلَ كُلُّ حَيَوَانٍ يَلْهَثُ مِنْ تَعَبٍ أَوْ عَطَشٍ سِوَى الْكَلْبِ فَإِنَّهُ يَلْهَثُ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ الرَّاحَةِ وَالشِّدَّةِ وَكَذَا مُتَّبِعُ هَوَاهُ يَلْهَثُ عَلَى غَرَضِ نَفْسِهِ أَيْ يَتَعَطَّشُ إلَى الدُّنْيَا وَإِلَى الْحَظِّ الْعَاجِلِ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى الْوَعْظِ وَالنَّصَائِحِ وَلَا إلَى غَيْرِهِمَا قِيلَ هُوَ أَحَدُ عُلَمَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ أَوْ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَوْ بَلْعَامُ بْنُ بَاعُورَاءَ وَقَدْ سَمِعْت بَعْضَ أَحْوَالِهِ قَرِيبًا

وَرُوِيَ أَنَّ قَوْمَهُ سَأَلُوهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ كَيْفَ أَدْعُو عَلَى كَلِيمِ اللَّهِ وَمَعَهُ الْمَلَائِكَةُ فَأَلَحُّوا وَعَرَضُوا لَهُ شَيْئًا وَتَوَسَّلُوا بِالْغَيْرِ وَاسْتَشْفَعُوا فَمَالَ إلَى هَوَى نَفْسِهِ حَتَّى دَعَا عَلَيْهِ فَبَقِيَ مُوسَى مَعَ جُنْدِهِ فِي التِّيهِ فَجَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ الْمَطْرُودِ فَأَوْقَعَهُ فِي بَحْرِ الضَّلَالِ إلَى الْأَبَدِ فَسَلَبَ عَنْهُ مَعْرِفَتُهُ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَنَّفَ كِتَابًا فِي نَفْيِ صَانِعِ الْعَالَمِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ سَخَطِهِ وَقَالَ فِي الْمِنْهَاجِ: فَانْظُرْ شُؤْمَ حُبِّ الدُّنْيَا مَا يَفْعَلُ بِالْعُلَمَاءِ خَاصَّةً فَتَنَبَّهْ، فَإِنَّ الْأَمْرَ خَطِيرٌ وَالْعُمُرُ قَصِيرٌ، وَفِي الْعَمَلِ تَقْصِيرٌ وَالنَّاقِدُ بَصِيرٌ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف: ٢٨] غَرَضَ نَفْسِهِ مِنْ شَهْوَتِهِ الْعَاجِلَةِ {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: ٢٨] ضَيَاعًا وَهَلَاكًا لِإِهْمَالِهِ نَفْسَهُ فِي كُلِّ مَا تَمَنَّاهُ وَلِإِرْسَالِهِ فِي كُلِّ مُيُولَاتِهِ وَإِفْنَاءِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي أُعْطِيت لَهُ لِاكْتِسَابِ الْبَاقِيَاتِ فَتَبَعِيَّةُ الْهَوَى أَفَضْت إلَى الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ

قَالَ الْجُنَيْدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - النَّفْسُ هِيَ الدَّاعِيَةُ إلَى الْمَهَالِكِ الْمُعِينَةُ لِلْأَعْدَاءِ الْمُتَّبِعَةُ لِلْهَوَى الْمُتَّهَمَةُ بِأَصْنَافِ الْأَسْوَاءِ، وَفِي الْقُشَيْرِيِّ كَيْفَ يَصِحُّ لِلْعَاقِلِ الرِّضَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْكَرِيمُ بْنُ الْكَرِيمِ بْنِ الْكَرِيمِ بْنِ الْكَرِيمِ يَقُولُ - {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: ٥٣]- {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الروم: ٢٩] بِالْكُفْرِ أَوْ الْفِسْقِ {أَهْوَاءَهُمْ} [الروم: ٢٩] مُقْتَضَيَاتِ نُفُوسِهِمْ فِي حُظُوظِهِمْ الْعَاجِلَةِ {بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الروم: ٢٩] مَعَ جَهْلٍ {وَمَنْ أَضَلُّ} [القصص: ٥٠] أَكْثَرُ ضَلَالًا {مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ} [القصص: ٥٠] وَلَا مُسَاوِيَ لَهُ فِي الضَّلَالَةِ فَضْلًا عَنْ السَّبْقَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الطَّمَسْتَانِيِّ النِّعْمَةُ الْعُظْمَى الْخُرُوجُ عَنْ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ أَعْظَمُ حِجَابًا بَيْنَك وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ سَهْلٍ مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِثْلَ مُخَالَفَةِ النَّفْسِ وَالْهَوَى حُكِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ شَيْبَانَ أَنَّهُ قَالَ مَا بِتُّ تَحْتَ سَقْفٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَكُنْت أَشْتَهِي عَدْسًا وَلَمْ يُتَّفَقْ لِي فَوَقْتًا حُمِلَ إلَيَّ عَدَسٌ فَتَنَاوَلْت فَخَرَجْت فَرَأَيْت قَوَارِيرَ فَظَنَنْته خَلًّا فَقِيلَ خَمْرٌ وَهَذِهِ الدِّنَانُ أَيْضًا خَمْرٌ فَأَصَبْت وَالْحِمَارُ يَتَوَهَّمُ أَنَّ فِعْلِي بِأَمْرِ السُّلْطَانِ فَعِنْدَ مَعْرِفَتِهِ حَالِي حَمَلَنِي إلَى ابْنِ طُولُونَ فَضَرَبَنِي مِائَتَيْ خَشَبَةٍ وَطَرَحَنِي فِي السِّجْنِ فَبَعْدَ مُدَّةٍ شَفَعَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَغْرِبِيُّ فَلَمَّا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيَّ قَالَ إيشْ فَعَلْت بِشِبْعَةِ عَدْسٍ وَمِائَتَيْ خَشَبَةٍ فَقَالَ نَجَوْت مَجَّانًا

وَعَنْ السَّرِيِّ إنَّ نَفْسِي تُطَالِبُنِي ثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ أَرْبَعِينَ أَنْ أَغْمِسَ جَزَرَةً فِي دِبْسٍ فَمَا أَطْعَمْتهَا وَقِيلَ وَجَّهَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ الْبَلْخِيّ شَيْئًا إلَى حَاتِمٍ الْأَصَمِّ فَقِبَلَهُ فَقِيلَ لَهُ لِمَ قَبِلْته قَالَ وَجَدْت فِي أَخْذِهِ ذُلِّي وَعِزَّهُ وَفِي رَدِّهِ عِزِّي وَذُلَّهُ وَالتَّفْصِيلُ فِي الْقُشَيْرِيَّةِ (وَخَرَّجَ ز) الْبَزَّارُ (عَنْ أَنَسٍ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ) هُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ وَثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ وَثَلَاثٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>