كَفَّارَاتٌ وَثَلَاثٌ دَرَجَاتٌ (أَمَّا الْمُهْلِكَاتُ فَشُحٌّ) » بُخْلٌ «مُطَاعٌ» يُطِيعُهُ النَّاسُ أَوْ هُوَ يُطِيعُ بُخْلَهُ «وَهَوًى مُتَّبَعٌ» يَتْبَعُ كُلُّ أَحَدٍ لِمَا أَمَرَهُ هَوَاهُ أَوْ هُوَ نَفْسُهُ يَتْبَعُ فِي كُلِّ مَا يَهْوَاهُ «وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ» يَجِدُ نَفْسَهُ حَسَنًا بِمَعْنَى رُؤْيَةِ نَفْسِهِ كَامِلًا مَعَ نِسْيَانِ عُيُوبِهِ
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَمِنْ آفَاتِ الْعُجْبِ أَنَّهُ يَحْجُبَ عَنْ التَّوْفِيقِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ أَسْرَعُ مِنْهُ إلَى الْهَلَاكِ قَالَ عِيسَى - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ كَمْ مِنْ سِرَاجٍ قَدْ أَطْفَأَتْهُ الرِّيحُ وَكَمْ مِنْ عَابِدٍ أَفْسَدَهُ الْعُجْبُ، وَأَمَّا الْمُنْجِيَاتُ فَالْعَدْلُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا وَالْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَالْكَفَّارَاتُ فَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي السَّبَرَاتِ فِي شَدَائِدِ الْبَرْدِ وَنَقْلُ الْأَقْدَامِ إلَى الْجَمَاعَاتِ، وَأَمَّا الدَّرَجَاتُ فَإِطْعَامُ الطَّعَامِ وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ بَيْنَ النَّاسِ مَنْ عَرَفْته أَوْ لَمْ تَعْرِفْهُ وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ صَلَاةُ التَّهَجُّدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ حَالَ غَفْلَةِ النَّاسِ وَاسْتِغْرَاقِهِمْ فِي لَذَّةِ النَّوْمِ وَذَلِكَ وَقْتَ الصَّفَاءِ وَتَنَزُّلَاتِ غَيْثِ الرَّحْمَةِ وَإِشْرَاقِ الْأَنْوَارِ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى هَذَا الْبَيَانِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَرْمُوزٌ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ رِوَايَةً عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَتَرْتِيبُ الْبَزَّارِ عَلَى رِوَايَةِ الْمُغَايَرَةِ لَكِنْ قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ الْعَلَائِيِّ سَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَعَدَّهُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ الْمَنَاكِيرِ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَنْ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا وَمَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِنْ لَمْ تَسْلَمْ أَفْرَادُ الْأَسَانِيدِ عَنْ الْمَقَالِ لَكِنَّ مَجْمُوعَهَا حَسَنٌ.
(أَقُولُ) وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ الْمَلَأَ الْأَعْلَى اخْتَصَمُوا أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَلَمْ يَنْكَشِفْ لَهُمْ فَعَرَضُوا إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى اصْبِرُوا حَتَّى يَأْتِيَ حَلَّالُ الْمُشْكِلَاتِ فَعِنْدَ بَعْثِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَبُوا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى حَلَّهُ عَلَى وَعْدِهِ فَأَرْسَلَ جَبْرَائِيلَ فَأُسْرِيَ بِهِ إلَى الْمِعْرَاجِ إلَى أَنْ وَصَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى مَقَامِ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى فِيهِ إلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ثُمَّ بَعْدَ الْعَوْدَةِ سَأَلُوا فَأَجَابَ بِمَضْمُونِ هَذَا الْحَدِيثِ (وَخَرَّجَ دُنْيَا) ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا (عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ أَشَدَّ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ خَصْلَتَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى» الِانْقِيَادُ لِحُظُوظِ النَّفْسِ «وَطُولُ الْأَمَلِ» مَأْمُولِيَّةُ طُولِ الْبَقَاءِ وَنِسْيَانُ الْمَوْتِ «فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَإِنَّهُ يَعْدِلُ» يَمِيلُ «بِك عَنْ» اتِّبَاعِ «الْحَقِّ» الشَّرِيعَةِ الْحَقَّةِ «، وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَإِنَّهُ يُحَبِّبُ» أَيْ يَجْعَلُ «إلَيْك الدُّنْيَا» مَحْبُوبَةً.
(وَخَرَّجَ ت) التِّرْمِذِيُّ (عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْكَيِّسُ» خِلَافُ الْأَحْمَقِ أَيْ الْعَاقِلُ الذَّكِيُّ الْفَطِنُ وَقِيلَ الرِّفْقُ فِي الْأُمُورِ وَعَنْ الرَّاغِبِ الْقُدْرَةِ عَلَى جَوْدَةِ اسْتِنْبَاطِ مَا هُوَ أَصْلَحُ فِي بُلُوغِ الْخَيْرِ «مَنْ دَانَ نَفْسَهُ» غَلَبَ وَقَهَرَ وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِحَاسَبَهَا وَأَذَلَّهَا يَعْنِي جَعَلَ نَفْسَهُ مُطِيعَةً لِأَوَامِرِ رَبِّهَا وَقِيلَ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَى الْعِبَادَةِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ كَانَ مَشَايِخُنَا يُحَاسِبُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى أَفْعَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَيُقَيِّدُونَ فِي دَفْتَرٍ فَإِذَا كَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ حَاسَبُوا نُفُوسَهُمْ وَأَحْضَرُوا دَفْتَرَهمْ فَإِنْ اسْتَحَقَّ اسْتِغْفَارًا اسْتَغْفَرُوا، وَإِنْ شُكْرًا فَشَكَرُوا ثُمَّ يَنَامُونَ فَزِدْنَا عَلَيْهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ الْخَوَاطِرَ فَكُنَّا نُقَيِّدُ مَا تُحَدِّثُ بِهِ نُفُوسُنَا وَنَهْتَمُّ بِهِ وَنُحَاسِبُهَا عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا «وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ» قَبْلَ نُزُولِهِ لِيَصِيرَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَالْمَوْتُ عَاقِبَةُ أُمُورِ الدُّنْيَا فَالْكَيِّسُ مَنْ أَبْصَرَ الْعَاقِبَةَ وَالْأَحْمَقُ مَنْ عَمِيَ عَنْهَا وَحَجَبَتْهُ الشَّهَوَاتُ وَالْغَفَلَاتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute