للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وَالْعَاجِزُ» الْمُقَصِّرُ فِي الْأُمُورِ «مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا» فَلَمْ يَكُفَّهَا عَنْ الشَّهَوَاتِ وَلَمْ يَمْنَعْهَا عَنْ الْحُرُمَاتِ وَاللَّذَّاتِ «وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ الْأَمَانِيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمْعُ أُمْنِيَّةٍ يَعْنِي مَعَ تَقْصِيرِهِ فِي طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ شَهَوَاتِهِ لَا يَسْتَعِدُّ وَلَا يَعْتَذِرُ وَلَا يَرْجِعُ بَلْ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْعَفْوَ وَالْجَنَّةَ مَعَ الْإِصْرَارِ وَتَرْكِ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ

قَالَ الطِّيبِيُّ الْعَاجِزُ مَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فَأَعْطَاهَا مَا تَشْتَهِيهِ قَالَ الْحَسَنُ إنَّ قَوْمًا أَلْهَتْهُمْ الْأَمَانِيُّ حَتَّى خَرَجُوا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا لَهُمْ حَسَنَةً وَيَقُولُ: أَحَدُهُمْ إنِّي أُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّي وَكَذَبَ فَإِنَّهُ لَوْ أَحْسَنَ الظَّنَّ لَعَمِلَ الْحَسَنَ {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [فصلت: ٢٣] وَقَدْ أَفَادَ الْخَبَرُ أَنَّ التَّمَنِّي مَذْمُومٌ، وَأَمَّا الرَّجَاءُ فَمَحْمُودٌ فَإِنَّ التَّمَنِّي يُفْضِي بِصَاحِبِهِ إلَى الْكَسَلِ بِخِلَافِ الرَّجَاءِ فَإِنَّهُ تَعْلِيقُ الْقَلْبِ بِمَحْبُوبٍ يَحْصُلُ حَالًا قَالَ الْغَزَالِيُّ: الرَّجَاءُ يَكُونُ لَهُ أَصْلٌ دُونَ التَّمَنِّي (فَالْهَوَى مَصْدَرُ هَوِيَهُ يَهْوَاهُ مِنْ بَابِ عَلِمَ أَيْ أَحَبَّهُ وَاشْتَهَاهُ) وَفِي الْقَامُوسِ الْهَوَى بِالْقَصْرِ الْعِشْقُ فِي الْخَيْرِ أَوْ الشَّرِّ وَإِرَادَةُ النَّفْسِ وَفِي الصِّحَاحِ هُوَ بِالْقَصْرِ هَوَى النَّفْسِ وَالْجَمْعُ الْأَهْوَاءُ وَهَوِيَ بِالْكَسْرِ يَهْوِي هَوًى إذَا أَحَبَّ (وَالنَّفْسُ بِالطَّبْعِ) يَعْنِي إذَا خُلِّيَتْ عَنْ الْمَوَانِعِ الْخَارِجَةِ وَطَبْعِهَا (مَيَّالَةٌ إلَى الشَّرِّ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) بِمَا يَضُرُّ صَاحِبَهَا مِنْ تَشَهِّي مَا لَا يَرْضَى بِهِ اللَّهُ تَعَالَى اقْتِبَاسٌ وَإِشَارَةٌ إلَى دَلِيلِ الْحُكْمِ

قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ: عَنْ بَعْضٍ إذَا هَمَّتْ النَّفْسُ بِمَعْصِيَةٍ أَوْ انْبَعَثَتْ لِشَهْوَةٍ لَوْ تَشَفَّعْت إلَيْهَا بِاَللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ بِرَسُولِهِ وَبِجَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ وَبِكِتَابِهِ وَبِجَمِيعِ السَّلَفِ وَتُعْرِضُ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَالْقَبْرَ وَالْقِيَامَةَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ لَا تُعْطِي الِانْقِيَادَ وَلَا تَتْرُكُ الشَّهْوَةَ ثُمَّ اسْتَقْبَلْتهَا بِمَنْعِ رَغِيفٍ تَسْكُنُ وَتَتْرُكُ شَهْوَتَهَا (فَاتِّبَاعُ هَوَاهَا يُرْدِي) مِنْ الرَّدَى (وَيُهْلِكُ) فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (لَا مَحَالَةَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ أَلْبَتَّةَ فَالْعَاقِلُ يُتَّهَمُ عَلَى مُخَالَفَةِ كُلِّ مَا تَمِيلُ إلَيْهِ كَمَا قَالَ الْبُوصِيرِيُّ فِي قَصِيدَتِهِ

وَخَالِفْ النَّفْسَ وَالشَّيْطَانَ وَاعْصِهِمَا ... وَإِنْ هُمَا مَحَضَاكَ النُّصْحَ فَاتَّهِمْ

وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى يَدُورُ مَا فِي الْمِنْهَاجِ عَنْ بَعْضٍ يُقَالُ لَهُ أَحْمَدُ بْنُ أَرْقَمَ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ قَالَ نَازَعَتْنِي نَفْسِي بِالْخُرُوجِ إلَى الْغَزْوِ فَقُلْت سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ - {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: ٥٣]- وَهَذِهِ تَأْمُرُنِي بِالْخَيْرَاتِ

قُلْت مُرَادُهَا الْخَلَاصُ مِنْ حَبْسِ الْوَحْدَةِ فَتَصِلُ إلَى الْخُلْطَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ بِالْأُلْفَةِ وَإِكْرَامِ الْخَلْقِ فَقُلْت لَهَا لَا أُنْزِلُك الْعُمْرَانَ أَبَدًا وَلَا عَلَى مَعْرِفَةِ أَحَدٍ فَأَجَابَتْ أَسَأْت الظَّنَّ وَقُلْت اللَّهُ أَصْدَقُ فَقُلْت أُقَاتِلُ الْعَدُوَّ مُقَدَّمًا عَلَى الْكُلِّ فَتُقْتَلُ فَأَجَابَتْ ثُمَّ عَدَّدْت أَشْيَاءَ فَأَجَابَتْ لِكُلٍّ ثُمَّ قُلْت يَا رَبِّ نَبِّهْنِي بِهَا، فَإِنِّي مُتَّهِمٌ لَهَا فَكُوشِفْت كَأَنَّ النَّفْسَ تَقُولُ يَا أَحْمَدُ أَنْتَ تَقْتُلُنِي كُلَّ يَوْمٍ مَرَّاتٍ بِمَنْعِ شَهَوَاتِي وَبِمُخَالَفَةِ مُيُولَاتِي فَإِنْ قَاتَلْت قُتِلَتْ أَنَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَنَجَوْت مِنْ قَتَلَاتِكَ وَيَتَسَامَعُ النَّاسُ شَهَادَتِي فَيَكُونُ لِي ذِكْرًا وَشَرَفًا قَالَ فَقَعَدْت وَلَمْ أَخْرُجْ إلَى الْغَزْوِ فَانْظُرْ إلَى خِدَاعِهَا تَرْضَى إيقَاعَ نَفْسِهَا فِي التَّهْلُكَةِ بِمُجَرَّدِ رِيَاءٍ بَعْدَ مَوْتِهَا وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ

تَوَقَّ نَفْسَك لَا تَأْمَنْ غَوَائِلَهَا ... فَالنَّفْسُ أَخْبَثُ مِنْ سَبْعِينَ شَيْطَانَا

(أَمَّا فِي غَيْرِ الْمُبَاحَاتِ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ (فَظَاهِرٌ) إرْدَاؤُهُ وَإِهْلَاكُهُ مِنْ الْعِقَابِ وَالْعِتَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>