للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاسْتِحْقَاقِ حِرْمَانِ الشَّفَاعَةِ (وَأَمَّا فِيهَا) فِي الشَّهَوَاتِ الْمُبَاحَاتِ (فَبَعْدَ كَوْنِهِ) أَيْ الْهَوَى (صِفَةً بَهِيمِيَّةً) مِنْ صِفَاتِ الْبَهَائِمِ مِنْ الرَّتْعِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْغَفْلَةِ عَنْ الشُّكْرِ (وَرُكُونًا) مَيْلًا (إلَى الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ) الْخَسِيسَةِ حَتَّى لَا تَعْدِلَ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى (وَشُغْلًا شَاغِلًا عَنْ الطَّاعَةِ وَزَادِ الْآخِرَةِ) كَالتَّقْوَى فَإِنَّهَا خَيْرُ الزَّادِ (مُفْضٍ إلَى الْمَحْظُورِ) الْمَمْنُوعِ كَالْمُحَرَّمَاتِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ إذَا شَبِعَتْ بِالْمُبَاحَاتِ تُشَجِّعُ عَلَى الْمَمْنُوعَاتِ (وَجَارٌّ) بِالتَّشْدِيدِ مِنْ الْجَرِّ بِمَعْنَى الْجَذْبِ (إلَى الشُّرُورِ وَمُؤَدٍّ إلَى الْفُجُورِ) مِنْ الْفِسْقِ وَالْعِصْيَانِ (وَحِمًى) مِنْ حَمَيْته حِمَايَةً أَيْ دَفَعْت عَنْهُ وَهَذَا شَيْءٌ حِمًى عَلَى فَعَلٌ أَيْ مَحْظُورٌ لَا يُقْرَبُ وَأَحْمَيْت الْمَكَانَ جَعَلْته حِمًى وَفِي الْحَدِيثِ «لَا حِمَى إلَّا اللَّهُ وَرَسُولُهُ» نَقَلَ عَنْ الصِّحَاحِ (لِلْحَرَامِ) كَمَا فِي الْمُحَرَّمَاتِ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِهَا بِبَعْضٍ كَمَا قَالَ الْقَاضِي فِي قَوْله تَعَالَى {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} [البقرة: ٨١]

وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا وَلَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ اسْتَجَرَّهُ إلَى مُعَاوَدَةِ مِثْلِهِ وَالِانْهِمَاكِ فِيهِ وَارْتِكَابِ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ حَتَّى تَسْتَوْلِيَ عَلَيْهِ الذُّنُوبُ وَتَأْخُذَ بِمَجَامِعِ قَلْبِهِ فَيَصِيرَ بِطَبْعِهِ مَائِلًا إلَى الْمَعَاصِي مُسْتَحْسِنًا إيَّاهَا مُعْتَقِدًا أَنْ لَا لَذَّةَ سِوَاهَا مُبْغِضًا لِمَنْ يَمْنَعُهُ عَنْهَا مُكَذِّبًا لِمَنْ يَنْصَحُهُ فِيهَا (وَمَأْوًى) مَرْجِعًا (لِلْآلَامِ) مِنْ الْأَلَمِ (وَالْآثَامِ) مِنْ الْإِثْمِ (وَصَاحِبُهُ) صَاحِبُ هَوَى النَّفْسِ فِي الْمُبَاحَاتِ (خَسِيسٌ دَنِيءٌ) أَيْ خَبِيثُ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ مَاجِنٌ كَمَا نَقَلَ عَنْ الْقَامُوسِ (لَئِيمٌ) مِنْ اللُّؤْمِ ضِدُّ الْكَرَمِ (رَذِيلٌ بَلْ هُوَ خِنْزِيرُ الشَّهْوَةِ) أَيْ شَهْوَتُهُ الَّتِي هِيَ كَشَهْوَةِ الْخِنْزِيرِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ إلَى الْمُشَبَّهِ كَلُجَيْنِ الْمَاءِ أَوْ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ مِنْ قَبِيلِ زَيْدٌ أَسَدٌ (خَادِمٌ مُطِيعٌ وَعَبْدٌ ذَلِيلٌ وَأَنْشَدُوا) أَيْ الْعُلَمَاءُ (نُونُ الْهَوَانِ) بِمَعْنَى الذُّلِّ وَالْحَقَارَةِ (مِنْ الْهَوَى مَسْرُوقَةٌ) أَيْ أَصْلُ الْهَوَى الْهَوَانُ فَأُخِذَتْ النُّونُ مِنْهُ وَوُضِعَتْ فِي الْهَوَانِ (فَصَرِيعُ كُلِّ هَوًى) أَيْ مَصْرُوعُ كُلِّ هَوَى النَّفْسِ (صَرِيعُ هَوَانٍ) مَصْرُوعُ ذِلَّةٍ وَحَقَارَةٍ فَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْهَوَى يَغْلِبْ عَلَيْهِ الْهَوَانُ وَالذِّلَّةُ فَيَصِيرُ مُسْتَقْبَحًا وَمُسْتَنْكَرًا؛ وَلِأَنَّهُ أَسِيرٌ وَشَأْنُ الْأَسِيرِ مُهَانٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَعَلَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ التَّعَمُّقِ وَعِنْدَ تَجَرُّدِهِ لِتَلَذُّذِ النَّفْسِ كَمَا يُقَالُ إنَّ الْإِصْرَارَ عَلَى الْمُبَاحَاتِ قَدْ يَنْقَلِبُ صَغِيرَةً وَإِلَّا فَبِالنِّيَّةِ الْحَمِيدَةِ يَكُونُ الْمُبَاحُ حَسَنَةً مُثَابًا بِهِ.

(وَمُقَابِلُهُ) أَيْ خِلَافُ اتِّبَاعِ الْهَوَى وَضِدُّهُ (الْمُجَاهَدَةُ، وَهِيَ فَطْمُ النَّفْسِ) أَيْ قَطْعُهَا (عَنْ الْمَأْلُوفَاتِ) أَيْ مَا اعْتَادَتْ عَلَيْهِ وَاسْتَلَذَّتْ بِهِ مِنْ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ (وَحَمْلُهَا عَلَى خِلَافِ هَوَاهَا فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ فَهِيَ بِضَاعَةُ الْعُبَّادِ) بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ جَمْعُ عَابِدٍ يَعْنِي مَالَهُمْ الَّذِي يَتَّجِرُونَ بِهِ فَيَكْتَسِبُونَ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (وَرَأْسُ مَالِ الزُّهَّادِ) جَمْعُ زَاهِدٍ أَيْ الْمُعْرِضُ بِقَلْبِهِ عَنْ الدُّنْيَا (وَمَدَارُ

<<  <  ج: ص:  >  >>