صَلَاحِ النُّفُوسِ وَتَذْلِيلِهَا) جَعْلِهَا ذَلِيلَةً وَحَقِيرَةً (وَمَلَاكُ) أَيْ مَا يَقُومُ بِهِ (تَقْوِيَةِ الْأَرْوَاحِ) ؛ لِأَنَّ الْمُجَاهَدَةَ شَيْءٌ تَتَقَوَّى بِهِ الْأَرْوَاحُ فَتَسْتَعِدُّ لِلْأَنْوَارِ الْقُدْسِيَّةِ بِالتَّخَلُّصِ عَنْ ظُلُمَاتِ الْأَشْبَاحِ (وَتَصْفِيَتِهَا) مِنْ أَكْدَارِ الطَّبِيعَةِ الْهَيُولَانِيَّةِ وَأَوْسَاخِ الْمَوَادِّ الْجُسْمَانِيَّةِ وَعَوَائِقِ الْمَلَكَاتِ الرَّدِيَّةِ (وَوُصُولِهَا) إلَى الْمُكَاشَفَاتِ اللَّاهُوتِيَّةِ وَالْأَنْوَارِ الْقُدْسِيَّةِ أَوْ إلَى لِقَائِهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: ٦٩] عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ مَنْ زَيَّنَ ظَاهِرَهُ بِالْمُجَاهَدَةِ حَسَّنَ اللَّهُ تَعَالَى سَرَائِرَهُ بِالْمُشَاهَدَةِ
وَعَنْ السَّرِيِّ يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ جِدُّوا قَبْلَ أَنْ تَبْلُغُوا مَبْلَغِي فَتَضْعُفُوا وَتُقَصِّرُوا كَمَا قَصَّرْت وَقَدْ كَانَ لَا يَلْحَقُهُ أَحَدٌ مِنْ الشَّبَابِ فِي الْعِبَادَةِ وَالْمُجَاهَدَةِ بِأَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا بِالْفَاقَةِ وَلَا يَنَامَ إلَّا عِنْدَ الْغَلَبَةِ وَلَا يَتَكَلَّمَ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ لَنْ يَنَالَ الرَّجُلُ دَرَجَةَ الصَّالِحِينَ حَتَّى يَجُوزَ سِتَّ عَقَبَاتٍ يُغْلِقُ بَابَ النِّعْمَةِ وَيَفْتَحُ بَابَ الشِّدَّةِ يُغْلِقُ بَابَ الْعِزِّ وَيَفْتَحُ بَابَ الذُّلِّ يُغْلِقُ بَابَ الرَّاحَةِ وَيَفْتَحُ بَابَ الْجَهْدِ يُغْلِقُ بَابَ النَّوْمِ وَيَفْتَحُ بَابَ السَّهَرِ وَيُغْلِقُ بَابَ الْغِنَى وَيَفْتَحُ بَابَ الْفَقْرِ يُغْلِقُ بَابَ الْأَمَلِ وَيَفْتَحُ بَابَ الِاسْتِعْدَادِ لِلْمَوْتِ
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلنَّفْسِ صِفَتَيْنِ انْهِمَاكٌ فِي الشَّهَوَاتِ وَامْتِنَاعٌ عَنْ الطَّاعَاتِ فَإِذَا جَمَحَتْ عِنْدَ رُكُوبِ الْهَوَى يَجِبُ كَبْحُهَا بِلِجَامِ التَّقْوَى وَإِذَا حَرَنَتْ عِنْدَ الْقِيَامِ بِالْمُوَافَقَاتِ يَجِبُ سَوْقُهَا بِسَوْطِ خِلَافِ الْهَوَى وَجَهْدُ الْعَوَامّ فِي تَوْفِيَةِ الْأَعْمَالِ وَقَصْدُ الْخَوَاصِّ إلَى تَصْفِيَةِ الْأَحْوَالِ وَعَنْ بَعْضٍ قَالَ حَجَجْت كَذَا كَذَا حَجَّةً فَبَانَ لِي أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مَشُوبٌ بِحَظِّي وَذَلِكَ أَنَّ وَالِدَتِي سَأَلَتْنِي يَوْمًا أَنْ أَسْتَقِيَ لَهَا جَرَّةَ مَاءٍ فَثَقُلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِي فَعَلِمْت أَنَّ مُطَاوَعَةَ نَفْسِي فِي الْحَجَّاتِ كَانَتْ لِحَظٍّ وَشَرَفٍ لِنَفْسِي إذْ لَوْ كَانَتْ نَفْسِي عَلَى خُلُوصٍ لَمْ يَصْعُبْ عَلَيْهَا مَا هُوَ حَقُّ الشَّرْعِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الرَّاحَةُ هِيَ الْخَلَاصُ مِنْ أَمَانِي النَّفْسِ وَعَنْ بَعْضٍ الْآفَةُ مِنْ ثَلَاثٍ سَقَمُ الطَّبِيعَةِ أَيْ أَكْلُ الْحَرَامِ وَمُلَازَمَةُ الْعَادَةِ أَيْ النَّظَرِ وَالِاسْتِمَاعِ لِلْحَرَامِ وَفَسَادُ الصُّحْبَةِ أَيْ تَبَعِيَّةُ كُلِّ شَهْوَةٍ لِلنَّفْسِ وَعَنْ بَعْضٍ لَا يَرَى أَحَدٌ عَيْبَ نَفْسِهِ، وَهُوَ مُسْتَحْسِنٌ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا يَرَى عُيُوبَ نَفْسِهِ مَنْ يَتَّهِمُهَا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَعَنْ السَّرِيِّ إيَّاكُمْ وَجِيرَانَ الْأَغْنِيَاءِ وَقُرَّاءَ الْأَسْوَاقِ وَعُلَمَاءَ الْأُمَرَاءِ وَعَنْ ذِي النُّونِ إنَّمَا دَخَلَ الْفَسَادُ عَلَى الْخَلْقِ مِنْ سِتَّةِ أَشْيَاءَ أَوَّلُهَا ضَعْفُ النِّيَّةِ بِعَمَلِ الْآخِرَةِ صَارَتْ أَبْدَانُهُمْ رَهِينَةً لِشَهَوَاتِهِمْ ثَانِيهَا غَلَبَ عَلَيْهِمْ طُولُ الْأَمَلِ مَعَ قُرْبِ الْأَجَلِ ثَالِثُهَا آثَرُوا رِضَا الْمَخْلُوقِينَ عَلَى رِضَا الْخَالِقِ رَابِعُهَا اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ خَامِسُهَا وَنَبَذُوا سُنَّةَ نَبِيِّهِمْ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ سَادِسُهَا جَعَلُوا زَلَّاتِ السَّلَفِ حُجَّةَ أَنْفُسِهِمْ وَدَفَنُوا كَثِيرَ مَنَاقِبِهِمْ الْكُلُّ مِنْ الْقُشَيْرِيَّةِ إذَا عَرَفْت حَالَ النَّفْسِ مِنْ أَنَّ الْخِزْيَ وَالْبُؤْسَ فِي مُوَافَقَتِهَا وَالْعِزَّ وَالشَّرَفَ وَالرِّفْعَةَ فِي مُخَالَفَتِهَا (فَعَلَيْك أَيُّهَا السَّالِكُ) مِنْ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ الْفَانِيَةِ إلَى الْآخِرَةِ الْفَاخِرَةِ الْبَاقِيَةِ أَوْ السَّالِكُ مِنْ كَدُورَاتِ عَالَمِ الرِّجْسِ وَالزُّورِ إلَى مَعَالِي عَيَالِمِ الْقُدْسِ وَالنُّورِ (بِالتَّشَمُّرِ) السَّعْيِ الْبَلِيغِ وَالْجَدِّ التَّامِّ (فِي مَنْعِ النَّفْسِ عَنْ الْهَوَى) وَلَوْ بِالْحِيَلِ وَالرِّيَاضَاتِ وَتَكْلِيفِ الْأَفْعَالِ الشَّاقَّةِ (وَحَمْلِهَا عَلَى الْمُجَاهَدَةِ) عَلَى مَا ذُكِرَ مَتْنًا وَشَرْحًا حَتَّى تَنْقَادَ لَك فِيمَا أَمَرْت بِهِ (إنْ شِئْت مِنْ اللَّهِ الْهُدَى) فَمَنْ كَانَ مُرَادُهُ الْهِدَايَةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا بُدَّ أَنْ يُحَصِّلَ الْمُجَاهَدَةَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُجَاهَدَةَ عِلَّةً عَادِيَةً لِهِدَايَتِهِ كَمَا (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: ٦٩] طُرُقَنَا الْمُوَصِّلَةَ إلَيْنَا، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي هُوَ صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَوْ سَبِيلِ السَّيْرِ إلَيْنَا وَالْوُصُولِ إلَى جَنَابِنَا أَوْ لَنَزِيدَنَّهُمْ هِدَايَةً إلَى سُبُلِ الْخَيْرِ وَتَوْفِيقًا إلَى سُلُوكِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: ٧٦] {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: ١٧] وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَرَّثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ جَاهَدَ} [العنكبوت: ٦] نَفْسَهُ عَنْ مِحَنِ الطَّاعَاتِ وَمَشَاقِّ الْعِبَادَاتِ وَالْكَفِّ عَنْ الْمُيُولَاتِ وَالشَّهَوَاتِ {فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} [العنكبوت: ٦] ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا لَهَا {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: ٦] لَا تَنْفَعُهُ الطَّاعَاتُ وَلَا تَضُرُّهُ الْمَعْصِيَةُ بِيَدِهِ مَلَكُوتِ الْقُلُوبِ وَالنَّوَاصِي وَلَمَّا أَفَادَ مَا تَقَدَّمَ مَذْمُومِيَّةَ الْمُبَاحَاتِ مُطْلَقًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute