(الرِّيَاءُ) وَفِيهِ سَبْعَةُ مَبَاحِثَ تَعْرِيفُهُ وَمَا بِهِ الرِّيَاءُ وَمَا لَهُ الرِّيَاءُ وَالرِّيَاءُ الْخَفِيُّ وَعَلَامَاتُهُ وَأَحْكَامُ الرِّيَاءِ وَالْأُمُورُ الْمُتَرَدِّدَةُ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ وَعِلَاجُ الرِّيَاءِ (الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِهِ) لِيَمْتَازَ عَنْ الْآخَرِ لِكَمَالِ الْعِنَايَةِ بِهِ لِعِظَمِ خَطَرِهِ وَكَثْرَةِ وُقُوعِهِ (وَتَقْسِيمُهُ هُوَ) أَيْ الرِّيَاءُ لُغَةً إظْهَارُ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ مَصْدَرُ رَاءَى يُرَائِي مُرَاءَاةً وَرِيَاءً يُقَالُ رَاءَيْته أَظْهَرْت لَهُ خِلَافَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ وَقِيلَ هُوَ طَلَبُ الْمَنْزِلَةِ فِي الْقُلُوبِ بِإِرَادَةِ الْفَضَائِلِ مُطْلَقًا وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الرُّؤْيَةِ وَالْعُرْفُ هُوَ (إرَادَةُ نَفْعِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ أَوْ دَلِيلِهِ) أَيْ دَلِيلِ الْعَمَلِ نَحْوِ ذُبُولِ الشَّفَتَيْنِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى مَا يُقَالُ الرِّيَاءُ طَلَبُ الْمَنْزِلَةِ فِي الْقُلُوبِ بِإِظْهَارِ الْعِبَادَاتِ (أَوْ إعْلَامِهِ) أَيْ عَمَلِ الْآخِرَةِ (أَحَدًا مِنْ النَّاسِ) فَالرِّيَاءُ بِثَلَاثَتِهِ (مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ مُلْجِئٍ) مُضْطَرٍّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ هُوَ حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى مَا لَا يَرْضَاهُ وَلَا يَخْتَارُهُ إذَا خَلَى وَنَفْسُهُ فَإِمَّا كَامِلٌ إنْ أَفْسَدَ الِاخْتِيَارَ وَأُعْدِمَ الرِّضَا فَهُوَ مُلْجِئٌ أَيْ يُوجِبُ الِاضْطِرَارُ كَالتَّهْدِيدِ بِمَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَإِمَّا قَاصِرٌ بِعَدَمِ الرِّضَا لَا يُوجِبُ الْإِلْجَاءَ وَلَا يَقْصِدُ الِاخْتِيَارَ كَمَا بِنَحْوِ حَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ فَالْمَفْهُومُ مِنْ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ إبَاحَةِ الرِّيَاءِ بِمُجَرَّدِ الْإِكْرَاهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُلْجِئًا قَالَ فِي التَّلْوِيحِ عَنْ الْإِمَامِ الْبُرَغْرِيِّ إنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ مُبَاحٌ كَالْقَتْلِ وَالرِّيَاءِ وَفَرْضٌ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَمُرَخَّصٌ كَإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَالْإِفْطَارِ وَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ فَتَأَمَّلْ.
(الْبَاعِثِ) صِفَةُ الْإِعْلَامِ (عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ نَفْسِ الْعَمَلِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي قَصْدِهِ إعْلَامُ الْغَيْرِ لَمْ يَأْتِ بِهَذَا الْعَمَلِ أَوْ صِفَةٌ لِنَفْعِ الدُّنْيَا يَعْنِي الْبَاعِثَ عَلَى نَفْسِ عَمَلِ الْآخِرَةِ هُوَ نَفْعُ الدُّنْيَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَاعِثٍ عَلَى التَّنْكِيرِ أَيْ بَاعِثُ ذَلِكَ الْإِكْرَاهِ عَلَى نَفْسِ الْعَمَلِ يَعْنِي يَكُونُ الْإِكْرَاهُ دَاعِيًا إلَى الْعَمَلِ بِالرِّيَاءِ وَبِالْجُمْلَةِ لَعَلَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ خَفَاءٍ (وَضِدُّهُ الْإِخْلَاصُ، وَهُوَ تَجْرِيدُ قَصْدِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالطَّاعَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّقَرُّبِ (عَنْ نَفْعِ الدُّنْيَا) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّجْرِيدِ (وَ) عَنْ (الْإِعْلَامِ السَّابِقِ) ، وَأَمَّا لَوْ عَلِمُوا بِذَلِكَ مِنْهُ وَلَمْ يَقْصِدْ فَلَا يَضُرُّ فِي إخْلَاصِهِ فَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَاجِلِ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ وَهَذَا قَرِيبٌ إلَى مَا فِي الْقُشَيْرِيَّةِ الْإِخْلَاصُ إفْرَادُ الْحَقِّ فِي الطَّاعَةِ بِالْقَصْدِ، وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِطَاعَتِهِ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى دُونَ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ تَصَنُّعِ الْمَخْلُوقِ أَوْ اكْتِسَابِ مَحْمَدَةٍ عِنْدَ النَّاسِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْإِخْلَاصُ التَّوَقِّي عَنْ مُلَاحَظَةِ الْأَشْخَاصِ وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «الْإِخْلَاصُ سِرٌّ مِنْ سِرِّي اسْتَوْدَعَتْهُ قَلْبَ مَنْ أَحْبَبْته مِنْ عِبَادِي»
وَعَنْ ذِي النُّونِ ثَلَاثٌ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِخْلَاصِ اسْتِوَاءُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِنْ الْعَامَّةِ وَنِسْيَانُ رُؤْيَةِ الْأَعْمَالِ فِي الْأَعْمَالِ وَاقْتِضَاءُ ثَوَابِ الْعَمَلِ فِي الْآخِرَةِ وَقِيلَ الْإِخْلَاصُ لَا يَكُونُ لِلنَّفْسِ فِيهِ حَظٌّ بِحَالٍ (وَيُثْمِرُ) أَيْ الْإِخْلَاصُ يُنْتِجُ (الْإِحْسَانَ) أَيْ الْمَذْكُورَ فِي نَحْو - {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: ٢٦]- {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: ١٩٥]- {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ} [الرحمن: ٦٠]- فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ قِيلَ وَحَقِيقَتُهُ سَجِيَّةٌ فِي النَّفْسِ تَحْمِلُ عَلَى مُجَازَاةِ الْمُسِيءِ بِجَوَائِزِ الْمُحْسِنِ وَقِيلَ هُوَ مَعْرِفَةُ الْعُبُودِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ مَعًا
وَقِيلَ اتِّفَاقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute