للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَعْنَى عَلَى اتِّفَاقِ الْعِيَانِ وَالْإِحْسَانُ لِمَنْ أَسَاءَ كَائِنًا مَنْ كَانَ وَقِيلَ إتْقَانُ الْعِبَادَةِ بِإِيقَاعِهَا عَلَى وَجْهِهَا مَعَ رِعَايَةِ حَقِّ الْحَقِّ وَمُرَاقَبَتِهِ وَاسْتِحْضَارِ عَظَمَتِهِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا (وَهُوَ) نَحْوَ أَنَّ أَحَدَهُمَا غَالِبٌ عَلَيْهِ مُشَاهَدَةُ الْحَقِّ كَمَا قَالَ (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ) مَنْ عَبَدَ أَطَاعَ وَالتَّعَبُّدُ التَّنَسُّكُ وَالْعُبُودِيَّةُ الْخُضُوعُ وَالذِّلَّةُ (كَإِنَّك تَرَاهُ) بِأَنْ تَتَأَدَّبَ فِي عِبَادَتِهِ كَأَنَّك تَنْظُرُ إلَيْهِ فَجَمَعَ مَعَ الْإِيجَازِ بَيَانَ الْمُرَاقَبَةِ فِي كُلِّ حَالٍ وَالْإِخْلَاصَ فِي سَائِرِ الْأَعْمَالِ وَالْحَثَّ عَلَيْهِمَا بِحَيْثُ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ عَايَنَ رَبَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِنْ مُمْكِنِهِ وَالثَّانِي مَنْ لَا يَنْتَهِي إلَى هَذِهِ الْحَالِ لَكِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَقَّ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ وَمُشَاهِدٌ لَهُ، وَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْيَقِينُ وَالْحُضُورُ إلَى هَاتِيك الرُّؤْيَةِ فَإِلَى أَنْ تَحَقَّقَ أَنَّ نَفْسَك بِمَرْأَى مِنْهُ تَقَدَّسَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ مُشَاهِدٌ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ فِي حَرَكَتِهِ وَسُكُونِهِ فَكَمَا أَنَّهُ لَا يُقَصِّرُ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ وَلَا يُقَصِّرُ فِي الثَّانِي لِاسْتِوَائِهِمَا بِالنِّسْبَةِ لِاطِّلَاعِهِمَا إلَى اطِّلَاعِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا أُمِرَ بِمُرَاقَبَةِ اللَّهِ فِي عِبَادَتِهِ وَاسْتِحْضَارِ قُرْبِهِ مِنْهُ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَاهُ شَقَّ عَلَيْهِ فَيَسْتَعِينُ عَلَيْهِ بِإِيمَانِهِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ لَا يَخْفَى مِنْهُ شَيْءٌ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ إلَى ذَلِكَ الْمَقَامِ الْأَكْمَلِ الَّذِي هُوَ مَقَامُ الشُّهُودِ الْأَكْبَرِ وَذَلِكَ قَرِيبٌ إلَى مَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ الْمُرَاقَبَةَ عَلَى نَحْوِ حَالَيْنِ

أَحَدُهُمَا غَالِبٌ عَلَيْهِ مُشَاهَدَةُ الْحَقِّ فَكَأَنَّهُ يَرَاهُ وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي عِبَادَةِ رَبِّي» وَثَانِيهِمَا لَا يَنْتَهِي إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَكِنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَقَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ وَمُشَاهِدٌ لَهُ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْله تَعَالَى - {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [الشعراء: ٢١٨] {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: ٢١٩]- وَهَاتَانِ الْحَالَتَانِ ثَمَرَةُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَشْيَتِهِ (وَقَدْ يُطْلَقُ الرِّيَاءُ) شَرْعًا (عَلَى حُبِّ الْمَنْزِلَةِ) الْعَالِيَةِ (وَقَصْدِهَا فِي قُلُوبِ النَّاسِ) لِيَحْمَدُوهُ وَيُعَظِّمُوهُ (بِأَعْمَالِ الدُّنْيَا) مِثْلَ الْكِتَابَةِ وَالْخِيَاطَةِ (وَهَذَا رِيَاءُ أَهْلِ الدُّنْيَا) لِيَنَالَ بِهِ رُتْبَةَ الدُّنْيَا وَهَذَا أَيْضًا مَذْمُومٌ لِإِفْضَائِهِ إلَى الدِّينِ (وَالْأَوَّلُ بِقِسْمَيْهِ) الْأَوَّلُ إرَادَةُ النَّفْعِ الدُّنْيَوِيِّ بِعَمَلِ الْآخِرَةِ أَوْ دَلِيلِهِ وَالثَّانِي إعْلَامُهُ بِذَلِكَ وَيُسَمَّى هَذَا بِالسُّمْعَةِ (رِيَاءُ أَهْلِ الدِّينِ) الْمُحْبِطُ لِلْعَمَلِ (فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ إنْ لَمْ يُقَارِنْهُ إرَادَةُ نَفْعِ الْآخِرَةِ) أَصْلًا بَلْ مُرَادُهُ نَفْعُ الدُّنْيَا كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِجَلْبِ الْأَمْوَالِ (فَهُوَ رِيَاءٌ مَحْضٌ، وَإِنْ قَارَنَتْهُ) أَيْ قَارَنَتْ إرَادَةُ نَفْعِ الْآخِرَةِ إلَى الْأَوَّلِ (فَرِيَاءُ تَخْلِيطٍ) لِاخْتِلَاطِ الْإِرَادَتَيْنِ وَهَذَا ثَلَاثَةٌ (إمَّا) نَفْعُ الدُّنْيَا (غَالِبٌ) عَلَى نَفْعِ الْآخِرَةِ وَقِيلَ عَلَى الْعَكْسِ فَتَدَبَّرْ (أَوْ مُسَاوٍ أَوْ مَغْلُوبٌ فَالْجُمْلَةُ خَمْسَةٌ) دِينِيٌّ مَحْضٌ وَتَخْلِيطٌ تَحْتَهُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ وَالْإِعْلَامُ يَعْنِي لَمَّا كَانَ أَوَّلُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ فَإِذَا ضُمَّ إلَيْهَا ثَانِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَصِيرُ خَمْسَةً (وَالْمُرَادُ مِنْهُ نَفْعُ الدُّنْيَا) ، وَهُوَ أَوَّلُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَعْنِي الَّذِي يُرَادُ مِنْهُ نَفْعُ الدُّنْيَا (أَمَّا خَالِقٌ) إذْ يُرَادُ ذَلِكَ النَّفْعُ وَيُطْلَبُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ هِيَ عَمَلُ الْآخِرَةِ يُقْصَدُ بِهَا اسْتِكْشَافُ الْأَمْرِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ مَخْلُوقٌ) كَإِظْهَارِ الصَّلَاحِ لِجَلْبِ الدُّنْيَا مِنْ بَعْضِ الْمَخْلُوقِ

وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ نَفْعَ الدُّنْيَا أَيْ أَوَّلَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةٌ فَإِذَا ضُرِبَ هَذَانِ الِاثْنَانِ فِيهَا يَكُونُ ثَمَانِيَةً وَإِذَا وُضِعَ بِجَنْبِهَا ثَانِي الْأَوَّلِ يَعْنِي الْإِعْلَامَ فَتِسْعَةٌ (وَنَفْعُ الدُّنْيَا) أَيْضًا (إمَّا جَاهٌ) رِيَاسَةٌ كُلِّيَّةٌ أَوْ إضَافِيَّةٌ أَوْ جُزْئِيَّةٌ كَمَنْ يَطْلُبُ بِالْعِلْمِ الَّذِي هُوَ عَمَلُ الْآخِرَةِ الْمَنَازِلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>