للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِنَّمَا يَخَافُ أَنْ يُنْظَرَ إلَيْهِ لَا بِعَيْنِ التَّوْقِيرِ) فَيَسْقُطُ جَاهُهُ لَعَلَّ هَذَا وَنَحْوَهُ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَكَمْ مِنْ شَخْصٍ يَرَى بَعْضَ النَّاسِ كَالْأَبَاعِدِ وَالْأَشْرَافِ دُونَ بَعْضٍ كَخَدَمِ نَفْسِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَالْأَرَاذِلِ فَهُمْ يَسْتَحْيُونَ مِنْ النَّاسِ وَلَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ اللَّهِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِأَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ، وَهُوَ مَعَهُمْ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَعَالَى شَيْءٌ مِنْ سِرِّهِمْ وَنَجْوَاهُمْ قِيلَ إنَّ هَذَا أَيْضًا يُضَاعِفُ رِيَاءَهُ؛ لِأَنَّ خَوْفَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً رِيَاءٌ وَاسْتِغْفَارَهُ ذَلِكَ رِيَاءٌ آخَرُ لَا يَخْفَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْخَوْفِ بِلَا عَمَلٍ لَا يَكُونُ رِيَاءً (وَكَاَلَّذِي يَرَى جَمَاعَةً يَتَهَجَّدُونَ) فِي اللَّيْلِ (أَوْ يَصُومُونَ) النَّوَافِلَ (أَوْ يَتَصَدَّقُونَ) نَافِلَةً (فَيُوَافِقُهُمْ) فِي التَّهَجُّدِ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ (خِيفَةَ أَنْ يُنْسَبَ إلَى الْكَسَلِ وَيَلْحَقَ بِالْعَوَامِّ) فَيَذْهَبُ جَاهُهُ وَلَوْ وَافَقَهُمْ اقْتِدَاءً بِهِمْ فِي طَلَبِ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى تَذَكُّرًا مِنْ سُنَّتِهِمْ فَلَيْسَ بِرِيَاءٍ بَلْ مَمْدُوحٌ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ لَهُ تَعَالَى لَا لِغَيْرِهِ تَعَالَى (وَلَوْ خَلَا) عَنْ الْخَلْقِ (بِنَفْسِهِ لَكَانَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْهُ) لِانْتِفَاءِ بَاعِثِ عَمَلِهِ مِنْ اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ وَكَذَا فِي مُوَافَقَةِ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَصَوْمِ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ وَأَيَّامِ الْبِيضِ (وَكَاَلَّذِي يَعْطَشُ) أَيْ يُظْهِرُ الْعَطَشَ (يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ عَاشُورَاءَ) عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ مَعَ تَاسِعِهِ أَوْ حَادِي عَشَرَ مِنْهُ فَإِنَّ صَوْمَ الْعَاشِرِ فَقَطْ مَكْرُوهٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَعَشَرَةِ ذِي الْحَجَّةِ بَلْ عَشَرَةُ الْمُحَرَّمِ (فَلَا يَشْرَبُ) الْمَاءَ فِي الْمَلَأِ وَيَبْقَى ظَمْآنَ (خَوْفًا مِنْ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ) فَيَزُولُ مِلْكُ قُلُوبِهِمْ وَيَسْقُطُ مِنْ نَظَرِهِمْ (وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ) إلَى الشَّرَابِ لِاشْتِدَادِ عَطَشِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَكَانًا خَالِيًا فَيَشْرَبْ (ذَكَرَ لِنَفْسِهِ عُذْرًا) مِنْ عَدَمِ صَوْمِهِ (تَصْرِيحًا) بِكَوْنِهِ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا (أَوْ تَعْرِيضًا) عَلَى طَرِيقِ الْإِيمَاءِ وَالْكِنَايَةِ (بِأَنْ يَتَعَلَّلَ بِمَرَضٍ اقْتَضَى فَرْطَ الْعَطَشِ) الَّذِي يُوجِبُ وَيَضْطَرُّ إلَى الْمَاءِ أَوْ يَقُولُ إذَا صُمْت يَزِيدُ عَطَشِي (أَوْ يَقُولُ أَفْطَرْت تَطْيِيبًا لِقَلْبِ فُلَانٍ) لِكَوْنِهِ ضَيْفًا أَوْ مُضِيفًا هَذَانِ مِنْ الْعُذْرِ الصَّرِيحِ لَعَلَّ التَّعْرِيضَ قَوْلُهُ (وَقَدْ لَا يَذْكُرُ ذَلِكَ) الْعُذْرَ (مُتَّصِلًا بِشُرْبِهِ كَيْ لَا يَظُنَّ أَنَّهُ يَعْتَذِرُ) مِنْ الشُّرْبِ (رِيَاءً، وَلَكِنَّهُ يَصْبِرُ) عَنْ الِاعْتِذَارِ (ثُمَّ) بَعْدَ زَمَانٍ (يَذْكُرُ عُذْرَهُ فِي مَعْرِضِ) مُنَاسَبَةِ (حِكَايَةٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنَّ فُلَانًا) مِنْ نَحْوِ الْعُظَمَاءِ مَثَلًا (مُحِبٌّ لِلْإِخْوَانِ شَدِيدُ الرَّغْبَةِ فِي أَنْ يَأْكُلَ الْإِنْسَانُ مِنْ طَعَامِهِ) وَلَا يَرْضَى بِوَجْهٍ إلَّا بِالْأَكْلِ مِنْ طَعَامِهِ (وَقَدْ أَلَحَّ الْيَوْمَ عَلَيَّ) مِنْ الْإِلْحَاحِ وَالْإِقْدَامِ (وَلَمْ أَجِدْ بُدًّا) خَلَاصًا (مِنْ تَطْيِيبِ قَلْبِهِ) فَأَفْطَرْت (وَمِثْلُ أَنْ يَقُولَ) فِي اعْتِذَارِ إفْطَارِهِ (إنَّ أُمِّي ضَعِيفَةُ) رَقِيقَةُ (الْقَلْبِ مُشْفِقَةٌ عَلَيَّ تَظُنُّ أَنِّي لَوْ صُمْت يَوْمًا مَرِضْت فَلَا تَدَعُنِي) فَلَا تَتْرُكُنِي أَنْ (أَصُومَ) لِهَذَا أَفْطَرْت هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ حَالُ الْمُرَائِي (وَأَمَّا الْمُخْلِصُ) فِي ذَلِكَ (فَلَا يُبَالِي كَيْفَ نَظَرَ الْخَلْقُ إلَيْهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>