للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِكَوْنِ نَظَرِهِ إلَى الْخَالِقِ لَكِنْ لَوْ فَعَلَ مِثْلَ الْمَذْكُورَاتِ قَائِلًا لِئَلَّا يُقْتَدَى بِي فَأَكُونَ سَبَبًا إلَى فِعْلِهِمْ الْقَبِيحِ فَإِنَّ مَنْ خَافَ الْوِزْرَ وَالْوَبَالَ خَوْفًا مِنْ اللَّهِ فَلَيْسَ بِرِيَاءٍ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي الصَّوْمِ وَ) الْحَالُ (قَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ) عَدَمَ الرَّغْبَةِ (مِنْهُ) مِنْ الْمُخْلِصِ (فَلَا يُرِيدُ) هُوَ (أَنْ يَعْتَقِدَ غَيْرُهُ) تَعَالَى مِنْ خَلْقِهِ (مَا يُخَالِفُ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونَ) بِتِلْكَ الْإِرَادَةِ (مُلْتَبِسًا) خَالِطًا عَمَلَهُ بِالرِّيَاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُلْبِسًا أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ.

(وَإِنْ كَانَ لَهُ) لِلْإِنْسَانِ (رَغْبَةٌ فِي الصَّوْمِ) طَمَعًا فِي ثَوَابِهِ تَعَالَى (قَنِعَ) بِكَسْرِ النُّونِ أَيْ اكْتَفَى (بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى) عَنْهُ (وَلَمْ يُشْرِكْ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ (غَيْرَهُ) وَلَمْ يَرْضَ بِعِلْمِ الْغَيْرِ فَضْلًا عَنْ الْإِظْهَارِ (إلَّا أَنْ يَخْطِرَ لَهُ) بِبَالِهِ (أَنَّ فِي إظْهَارِهِ) أَيْ فِي نَحْوِ الصَّوْمِ وَبِاطِّلَاعِ غَيْرِهِ تَعَالَى (اقْتِدَاءَ غَيْرِهِ بِهِ) عَلَى طَرِيقِ حَدِيثِ «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً» (فَيَظْهَرُ) حِينَئِذٍ بِنِيَّةِ اقْتِدَاءِ الْغَيْرِ بِهِ لِيَكُونَ لَهُ مِثْلُ ثَوَابِ ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى ثَوَابِهِ، ثُمَّ أَقُولُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَلْحَقَ بِذَلِكَ الْإِظْهَارِ لِأَجْلِ كَوْنِهِ مَحْبُوبًا فِي نَظَرِ الْمُؤْمِنِينَ سِيَّمَا الصَّالِحِينَ عَلَى مُلَاحَظَةِ مَضْمُونِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» وَلِيَكُونُوا شُهَدَاءَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلِأَنَّ الْمَرْءَ يَكُونُ مَغْفُورًا بِشَهَادَةِ الصُّلَحَاءِ بِحُسْنِ حَالِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَغْرَاضِ الْحَمِيدَةِ الرَّاجِعَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا إلَى النَّاسِ، ثُمَّ إلَى هُنَا كُلِّهِ مِثَالٌ لِوُقُوعِ الرِّيَاءِ لِأَهْلِ الدِّينِ لِأَجْلِ الْجَاهِ نَفْسِهِ مُشِيرًا إلَى أَقْسَامِهِ وَمَرَاتِبِهِ (وَ) أَمَّا لِوُقُوعِ أَهْلِ الدُّنْيَا لِأَجْلِهِ (كَمَنْ يُرِيدُ بِإِظْهَارِ الشَّجَاعَةِ) كَالْإِقْدَامِ فِي الْحُرُوبِ وَالْمَخَاوِفِ (وَحُسْنِ التَّدْبِيرِ) فِي السِّيَاسَةِ الْمَدَنِيَّةِ وَتَدْبِيرِ أُمُورِ الْعَوَامّ وَالْخَوَاصِّ وَنِظَامِ مَهَامِّ الْمُسْلِمِينَ وَبِالْجُمْلَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِنِظَامِ الدَّوْلَةِ وَاسْتِقْرَارِ الْمُلْكِ وَالسَّلْطَنَةِ فِي أَحْوَالِ (الْإِمَارَةِ) بِالْكَسْرِ الْوِلَايَةُ (وَالْوِزَارَةِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ الثِّقَلِ لِأَنَّهُ تَحَمَّلَ عَنْ الْمَلِكِ ثِقَلَ التَّدْبِيرِ (وَنَحْوِهِمَا) مِنْ الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ.

(وَأَمَّا الثَّانِي) مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ وُقُوعُ الرِّيَاءِ لِأَجْلِ الْجَاهِ لَا لِنَفْسِهِ بَلْ لِلتَّوَسُّلِ إلَى مَعْصِيَةٍ (فَكَمَنْ يُرَائِي بِعِبَادَتِهِ) مِنْ نَحْوِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ (وَيُظْهِرُ التَّقْوَى) الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمَعَاصِي حَتَّى الشُّبُهَاتِ (وَالْوَرَعَ) أَيْ التَّدْقِيقَ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَاجْتِنَابِ النَّهْيِ (وَالِامْتِنَاعَ مِنْ أَكْلِ الشُّبُهَاتِ) وَتَخْصِيصُ الْأَكْلِ لِكَوْنِهِ أَغْلَبَ (لِيُعْرَفَ بِالْأَمَانَةِ) وَالِاسْتِقَامَةِ بِمُرَاعَاةِ الْحُقُوقِ بِلَا إضَاعَةٍ (فَيُوَلَّى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (الْقَضَاءَ) أَيْ يُقَلِّدُ لَهُ الْإِمَامُ الْقَضَاءَ (أَوْ الْأَوْقَافَ) أَيْ يَجْعَلُهُ الْإِمَامُ مُتَوَلِّيًا لِلْأَوْقَافِ لَمَّا رَأَى مِنْهُ الْأَمَانَةَ وَأَمَارَةَ عَدَمِ الْإِضَاعَةِ وَالِاحْتِيَاطِ (أَوْ مَالَ الْأَيْتَامِ) أَيْ يَجْعَلُهُ وَصِيًّا لِلْأَيْتَامِ (أَوْ يُودَعُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (الْوَدَائِعَ) مِنْ طَرَفِ النَّاسِ (فَيَأْخُذُهَا وَيَجْحَدُهَا) أَوْ يُسَلِّمُ إلَيْهِ مَالَ الزَّكَاةِ لِيَقْسِمَ عَلَى الْمَحَاوِيجِ أَوْ صَدَقَةَ إسْقَاطِ الصَّلَاةِ فَيَأْكُلُهَا كُلًّا أَوْ بَعْضًا (وَكَمَنْ يُظْهِرُ زِيَّ التَّصَوُّفِ) أَيْ هَيْئَةَ الصُّوفِيَّةِ مِنْ الْكِسْوَةِ وَالسِّيرَةِ أَوْ الْأَخْلَاقِ (وَهَيْئَةِ الْخُشُوعِ) كَإِخْفَاءِ الصَّوْتِ وَغَضِّ الْبَصَرِ.

(وَكَلَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>