للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْمُبَاحِ لَكِنْ هَذَا لَا أَقَلَّ مِنْ كَوْنِهِ سُوءَ أَدَبٍ وَلَوْ تَعْرِيضًا وَإِشَارَةً وَالسُّؤَالُ حَرَامٌ وَالْقَوْلُ إنَّ الْإِبَاحَةَ إنَّمَا هِيَ فِي اعْتِقَادِهِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يُلَائِمُ السِّيَاقَ وَيَشْكُلُ بِمَا فِي الْفَتَاوَى مِنْ تَجْوِيزِ خُرُوجِ طَلَبَةِ الْعُلُومِ فِي الْمَوَاسِمِ لِنَحْوِ الْوَعْظِ وَالنَّصِيحَةِ لِيَجْمَعُوا لَهُ شَيْئًا يَدَّخِرُونَهُ فِي أَوَانِ التَّحْصِيلِ نَعَمْ الضَّرُورَةُ قَاضِيَةٌ هُنَا وَإِلَّا يَتَعَطَّلَ الْعِلْمُ وَلَا يَتَحَصَّلُ، وَأَمَّا نَحْوُ الْإِمَامَةِ وَالتَّأْذِينِ وَتَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ بِالْأُجْرَةِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَكَالْمِثَالِ الْأَخِيرِ لِلثَّانِي) ، وَهُوَ أَنْ يُظْهِرَ الشَّجَاعَةَ وَحُسْنَ السِّيَاسَةِ وَالضَّبْطَ لِيَصِلَ إلَى وِلَايَةٍ وَوِصَايَةٍ (لِيَصِلَ) بِالْمَذْكُورَاتِ (إلَى الْمُشْتَهَيَاتِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ) وَهَذَا مِثَالُ الرِّيَاءِ لِأَجْلِ الْمُبَاحِ نَفْسِهِ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَهَذَا الْمِثَالُ مُبَاحٌ فِي اعْتِقَادِهِ أَيْضًا، وَلَكِنَّهُ حَرَامٌ قَطْعًا.

(وَأَمَّا الرَّابِعُ) ، وَهُوَ الرِّيَاءُ لِأَجْلِ الْجَاهِ لِلتَّوَسُّلِ بِهِ إلَى طَاعَةٍ فِي اعْتِقَادِهِ أَوْ لِنَفْسِهَا (فَكَالْمِثَالِ الثَّانِي لِلثَّالِثِ) ، وَهُوَ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ وَتَرْكُ التَّعْدِيلِ أَوْ الْأَدَبِ فِي الْخَلْوَةِ وَإِطَالَتُهَا وَرِعَايَةُ التَّعْدِيلِ وَالْآدَابِ فِي الْمَلَأِ (إذَا كَانَ غَرَضُهُ صِيَانَةَ النَّاسِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ بِالْغِيبَةِ وَالذَّمِّ) فَيُحْسِنُهَا بَيْنَهُمْ لِيُسَلِّمَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا مَحْظُورٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاعِثُهُ الدِّينَ لَكَانَ شَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَكْثَرَ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْسِنَ وَيُخْلِصَ، وَإِنْ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى تَحْسِينِ عِبَادَتِهِ فِي الْخَلْوَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الذَّمَّ بِالْمُرَاءَةِ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ ذَلِكَ اسْتِهْزَاءٌ.

(وَكَالْمُتَعَلِّمِ) الرِّيَاءُ فِي هَذَا الْمِثَالِ لِأَجْلِ مِلْكِ قَلْبِ الْمُعَلِّمِ لِيَتَوَسَّلَ بِهِ إلَى تَعْلِيمِ عِلْمٍ نَافِعٍ، وَهُوَ طَاعَةٌ (يُرَائِي) مُعَلِّمَهُ (بِطَاعَتِهِ) لِعِلْمِهِ وَغَيْرِهِ (لِيَنَالَ عِنْدَ الْمُعَلِّمِ رُتْبَةً) مَزِيَّةً عَظِيمَةً بِاعْتِقَادِ صَلَاحِهِ وَتَقْوَاهُ (فَيَتَعَلَّمُ مِنْهُ عِلْمًا نَافِعًا) يَعْنِي يُرَائِي الْمُتَعَلِّمُ لِأَجْلِ مِلْكِ قَلْبِ الْمُعَلِّمِ لِيَتَوَسَّلَ بِهِ إلَى تَعَلُّمِ عِلْمٍ نَافِعٍ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ لَكِنْ رُبَّمَا كَانَ مُضِرًّا لَهُ فِي اعْتِقَادِ مُعَلِّمِهِ لِعَدَمِ اسْتِعْدَادِهِ لَهُ بِالتَّقْوَى كَمَا قِيلَ (وَكَالْوَلَدِ يُرَائِي بِعَمَلِهِ) مِنْ الطَّاعَاتِ (لِيُمِيلَ إلَيْهِ قَلْبَ أَبَوَيْهِ) بِالْمَحَبَّةِ وَالْكَرْمِ قِيلَ فِيهِ تَغْلِيبٌ تَأَمَّلْ لَعَلَّ الظَّاهِرَ قَلْبُ أَبَوَيْهِ وَلَوْ أُرِيدَ مِنْ الْإِضَافَةِ الْعَهْدُ وَالْمَعْهُودُ قَلْبَاهُمَا وَالِاسْتِغْرَاقُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّغْلِيبِ (فَيَكُونُ بَارًّا لَهُمَا وَكَمَنْ يُرَائِي) بِعِبَادَتِهِ (عِنْدَ الْأَغْنِيَاءِ لِيَنَالَ مِنْهُمْ مَالًا يَتَّخِذُ عُدَّةً) أَيْ وَسِيلَةً بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الثَّانِيَةِ مَا أَعْدَدْته مِنْ مَالٍ أَوْ سِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ وَجَمَعَهُ عَدَدٌ كَغُرْفَةٍ وَغُرَفٍ (لِلْعِبَادَةِ) يَسْتَعِينُ بِهِ فِيهَا (أَوْ يُرَائِي) بِعِبَادَتِهِ (عِنْدَ الْأُمَرَاءِ) الظَّاهِرُ السَّلَاطِينُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ (وَالْوُزَرَاءِ وَالْقُضَاةِ) وَكَذَا مُطْلَقُ مَنْ لَهُ رِيَاسَةٌ فِي الْحَلِّ وَالْعَقْدِ (لِيَنَالَ مِنْهُمْ جَاهًا أَوْ مَنْصِبًا) عَالِيًا (لِيَتَفَرَّغَ بِهِ لِلْعِبَادَةِ) لِحُصُولِ الدُّنْيَا مِنْ ذَلِكَ الْجَاهِ (وَدَفْعِ الشَّوَاغِلِ) الدُّنْيَوِيَّةِ (وَ) دَفْعِ (الظُّلْمِ) عَنْ نَفْسِهِ وَكِلَاهُمَا مَانِعَا الْعِبَادَةِ أَوْ عَنْ الْعِبَادَةِ بِالشَّفَاعَةِ وَالنُّصْحِ أَوْ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ بِجَاهِهِ (أَوْ لِيَنْفُذَ بِهِ) بِجَاهِهِ، وَمَنْصِبِهِ مِنْ التَّنْفِيذِ أَوْ الْإِنْفَاذِ (قَوْلُهُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ) ؛ لِأَنَّ لِلْجَاهِ تَأْثِيرًا بَلِيغًا فِي تَأْثِيرِ الْأَقْوَالِ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مَا يَزِعُ السُّلْطَانُ أَكْثَرُ مِمَّا يَزِعُ الْقُرْآنُ»

<<  <  ج: ص:  >  >>