بِمَضْمُونِهِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى أَحْكَامِهِ وَالْإِتْعَابِ وَالتَّكَلُّفِ فِي اسْتِحْصَالِ مُوَاجَبِهِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى عِلَّتِهِ أَوْ فَائِدَتِهِ لِزِيَادَةِ اهْتِمَامِهِ وَكَمَالِ قُوَّةِ إحْكَامِ أَحْكَامِهِ فَقَالَ «فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا وَلَنْ تَهْلَكُوا» يَعْنِي إنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَمْ تَكُونُوا فِي خَطَأٍ وَحِيرَةٍ فِي الدُّنْيَا وَلَنْ تَكُونُوا فِي عُقُوبَةٍ وَحَسْرَةٍ فِي الْآخِرَةِ بَلْ تَكُونُوا فِي تَوْفِيقٍ وَهِدَايَةٍ وَثَوَابٍ وَنِعْمَةٍ، وَجْهُ التَّأْكِيدَيْنِ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمُسَارَعَةِ فِي أَمْرِ التَّمَسُّكِ «بَعْدَهُ» أَيْ بَعْدَ التَّمَسُّكِ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ كَافٍ فِي الْوُصُولِ إلَى كُلِّ الْمَآرِبِ وَالْخَلَاصِ عَنْ كُلِّ الْمَهَالِكِ «أَبَدًا» فِي أَزْمِنَةٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ أَوْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ جَامِعٌ مَجَامِعَ أَحْكَامِ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ.
قِيلَ وَفِي ذِكْرِ الْيَدِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُشَاكَلَةُ نَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة: ١٩٤]- وَلَمْ يَقُلْ فَجَازُوهُ لَكِنْ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا جَازَتْ الْمُشَاكَلَةُ مِنْ الْأَوَّلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّانِي وَالظَّاهِرُ فِي مَوَاقِعِ أَمْثِلَتِهِمْ مِنْ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ نَعَمْ عُدَّ فِي الْإِتْقَانِ قَوْله تَعَالَى {الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ} [الجاثية: ٣٤]- مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُشَاكَلَةِ وَأَنَّ ظَاهِرَ مَفْهُومِ الْمُشَاكَلَةِ مِنْ ذِكْرِ الشَّيْءِ بِلَفْظِ غَيْرِهِ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ هُوَ الْإِطْلَاقُ ثُمَّ الْأَحْسَنُ أَنَّ هُنَا اسْتِعَارَةً تَمْثِيلِيَّةً تَشْبِيهَ هَيْئَةٍ مُنْتَزَعَةٍ مِنْ مُتَعَدِّدٍ بِالْأُخْرَى كَذَلِكَ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ بَعْضِ الْمُفْرَدَاتِ بَلْ كُلِّهَا مَجَازًا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُشَبَّهَ الْقُرْآنُ بِالْحَبْلِ الْمَمْدُودِ مِنْهُ تَعَالَى إلَى الْعِبَادِ، اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ وَذِكْرُ الطَّرَفِ لَهُ اسْتِعَارَةٌ تَخَيُّلِيَّةٌ قَرِينَةٌ لِلْمَكْنِيَّةِ حَاصِلُهُ أَنَّ مَقْصُودَ الْكُلِّ هُوَ الْوَصْلَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْخَلْقُ فِي طَرِيقِهِ كَالْعُمْيَانِ فَإِنْ أَخَذُوا وَتَمَسَّكُوا بِالْحَبْلِ يَصِلُوا إلَيْهِ وَإِنْ تَرَكُوا ضَلُّوا عَنْ طَرِيقِهِ وَسَقَطُوا فِي مَهَاوِي الْمَهَالِكِ فَإِنْ قِيلَ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ بِالْكِتَابِ قُلْنَا قَالُوا السُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ فِي الْحَقِيقَةِ رَاجِعَانِ إلَى الْكِتَابِ كَمَا سَبَقَ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فَاعْلَمْهُ ثُمَّ إنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَشَارَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ التَّمَسُّكُ وَالرَّبْطُ بِحَسَبِ تِلَاوَتِهِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي (حب) .
رَوَى ابْنُ حِبَّانَ بِإِسْنَادِهِ (عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) هُوَ ابْنُ مَسْعُود وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَاتَ فِي الْكُوفَةِ (عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْقُرْآنُ شَافِعٌ» لِصَاحِبِ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَرَافِعُ الدَّرَجَاتِ وَالتَّخْصِيصُ بِمُذْنِبٍ بِلَا تَوْبَةٍ تَقْصِيرٌ.
«مُشَفَّعٌ» مَقْبُولُ الشَّفَاعَةِ فَإِنْ قِيلَ إنْ أُرِيدَ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فَهُوَ قَائِمٌ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَلَيْسَ أَمْرًا مُغَايِرًا لَهُ وَكَوْنُهُ شَافِعًا إلَيْهِ تَعَالَى يَقْتَضِي كَوْنَهُ مُغَايِرًا لَهُ تَعَالَى وَإِنْ أُرِيدَ الْكَلَامُ اللَّفْظِيُّ فَهُوَ كَالْعَرَضِ فِي عَدَمِ الْبَقَاءِ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا يُمْكِنُ انْقِلَابُهُ جَوْهَرًا لِامْتِنَاعِ انْقِلَابِ الْحَقَائِقِ قُلْنَا أُجِيبَ عَنْهُ أَنَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُ الْقُرْآنَ عَلَى صُورَةٍ يَرَاهُ النَّاسُ كَالْأَعْمَالِ عِنْدَ الْمِيزَانِ، ثُمَّ قِيلَ فَلْيَعْتَقِدْ بِإِيمَانِهِ لِأَنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهِ أَقُولُ أَوَّلُ كَلَامِهِ صَرِيحٌ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّتِهِ وَآخِرُهُ فِي امْتِنَاعِهِ وَظَاهِرُهُ يُشْعِرُ فِي كَوْنِهِ مِنْ الْمُتَشَابِهَاتِ وَالْمُتَشَابِهُ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لَا يَثْبُتُ بِالْآحَادِ إلَّا أَنْ يُمْنَعَ كَوْنُهُ مِنْ الْآحَادِ عَلَى الْإِطْلَاقِ إذْ هُوَ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا لَفْظًا لَكِنْ لَا يَبْعُدُ تَوَاتُرُهُ مَعْنًى وَلَوْ سَلِمَ فَلَا شُبْهَةَ فِي كَوْنِهِ مَشْهُورَ الْمَعْنَى بِالنِّسْبَةِ إلَى مُطْلَقِ الْأَعْمَالِ لَعَلَّ الْحَقَّ أَنَّهُ تَنْظِيرٌ وَتَمْثِيلٌ لِقَبُولِ الْعَمَلِ وَإِنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِنْ الْعَرَضِ جَوْهَرًا بِقَلْبِهِ إلَيْهِ لِتَجَانُسِهِمَا فِي أَصْلِ الْإِمْكَانِ الَّذِي بِمَنْزِلَةِ جِنْسِهِمَا فَامْتِنَاعُ الِانْقِلَابِ إنْ أُرِيدَ الِانْقِلَابُ الذَّاتِيُّ فَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ وَإِنْ بِالْغَيْرِ فَلَيْسَ بِمُضِرٍّ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ثَوَابِهِ شَخْصًا آخَرَ وَيَشْفَعُ وَيَكُونُ الْإِسْنَادُ مَجَازِيًّا لِكَوْنِ قَبُولِ الْقُرْآنِ سَبَبًا لِخِلْقَتِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ نَظِيرُهُ مِثْلُ شَفَاعَةِ سُورَةِ الْمُلْكِ وَآلَم السَّجْدَةِ وَالْبَقَرَةِ وَرَمَضَانَ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَسَائِرِ عُمُومِ الْقُرْآنِ وَخُصُوصِهِ وَنَحْوِهَا «وَمَاحِلٌ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute