للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى وَزْنِ فَاعِلٍ أَيْ سَاعٍ بَلِيغٍ كَمَا نُقِلَ عَنْ الزَّمَخْشَرِيِّ وَيُقَرُّ بِهِ مَا قِيلَ أَيْ خَصْمٌ مُجَادِلٌ.

وَعَنْ الْقَامُوسِ مَحَلٌّ بِهِ مُثَلَّثَةُ الْحَاءِ قَادَهُ بِسِعَايَةٍ إلَى السُّلْطَانِ «مُصَدَّقٌ» بِالْبِنَاءِ عَلَى الْمَجْهُولِ يَعْنِي يُصَدِّقُ تَعَالَى الْقُرْآنَ فِي مُخَاصَمَتِهِ فِي شَفَاعَتِهِ لِقَارِئِهِ وَعَامِلِهِ وَأَيْضًا مُصَدَّقٌ فِي شِكَايَتِهِ لِمَنْ يُضَيِّعُ حَقَّهُ بِعَدَمِ الْعَمَلِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ التَّرْتِيلِ فَيُقْبَلُ شَفَاعَتُهُ بِالْعَفْوِ أَوْ الرِّفْعَةِ.

وَكَذَا شِكَايَتُهُ فِي الْمُنَاوِيِّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ بِالتَّقْصِيرِ فَهُوَ فِي النَّارِ «مَنْ جَعَلَهُ أَمَامَهُ» بِأَنْ يُقْتَدَى بِهِ بِأَنْ يَعْمَلَ بِأَحْكَامِهِ وَيَتَّعِظَ بِمَوَاعِظِهِ وَيَعْتَبِرَ بِقَصَصِهِ وَأَخْبَارِهِ «قَادَهُ» مِنْ الْقَوْدِ أَيْ أَوْصَلَهُ «إلَى الْجَنَّةِ وَمَنْ جَعَلَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ سَاقَهُ إلَى النَّارِ» بِأَنْ تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ خَلْفَهُ لِأَنَّهُ الْقَانُونُ الَّذِي يَسْتَنِدُ إلَيْهِ السُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ فَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ أَمَامَهُ فَقَدْ بَنَى عَلَى غَيْرِ أَسَاسٍ لَا يَخْفَى مِنْ الْحُسْنِ مَا فِي اسْتِعْمَالِ الْقَوْدِ فِي الْأَوَّلِ وَالسَّوْقِ فِي الثَّانِي لِأَنَّ فِي الْقَوْدِ رِفْقًا وَتَلْطِيفًا وَفِي السَّوْقِ زَجْرًا وَتَشْدِيدًا ثُمَّ الْقَوْدُ يُنَاسِبُ الشَّفَاعَةَ فَمَنْ قُبِلَ فِي حَقِّهِ شَفَاعَتُهُ يَقُودُهُ إلَى الْجَنَّةِ وَالسَّوْقِ إلَى الْخُصُومَةِ فَمَنْ قُبِلَ فِي حَقِّهِ شِكَايَتُهُ يَسُوقُهُ إلَى النَّارِ فَجُمْلَتَا مَنْ جَعَلَهُ اسْتِئْنَافٌ أَوْ تَعْلِيلٌ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَا بَيَانِيَّتَيْنِ فَشَفَاعَتُهُ كِنَايَةٌ عَنْ قَوْدِهِ وَشِكَايَتُهُ كِنَايَةٌ عَنْ سَوْقِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَلِفَا بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ أَوْ إحْدَاهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّالِي وَالْأُخْرَى إلَى الْعَامِلِ وَعَدَمِهِمَا

(دحك) . رَوَى أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادِهِمَا (عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِهِ» مِنْ الْأَحْكَامِ وَالِاتِّعَاظِ وَالِاعْتِبَارِ فَالْأَجْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالْعَمَلِ فَمَنْ عَمِلَ بِالْقُرْآنِ لَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ أَخْذُهُ مِنْ تِلَاوَتِهِ فَلَا يُؤْجَرُ بِهَذَا الْأَجْرِ وَإِنْ أُوجِرَ بِمُطْلَقِ الْأَجْرِ كَمَنْ قَرَأَ بِلَا عَمَلٍ مُطْلَقًا فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ اخْتِصَاصُ هَذَا الْأَجْرِ بِالْعَالِمِ بِمَعْنَاهُ بَلْ بِالْمُجْتَهِدِ إذْ لَا يَعْرِفُ مَعَانِي جَمِيعِهِ إلَّا الْمُجْتَهِدُ فَلَا يُؤْجَرُ غَيْرُ الْعَالِمِ أَوْ الْعَالِمُ الْغَيْرُ الْمُجْتَهِدِ قُلْت لَعَلَّ الْمَقْصُودَ مُطْلَقُ الْجَمْعِ وَلَا دَلَالَةَ لِكَوْنِ الْقِرَاءَةِ لِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ وَالْعَمَلُ يُشْتَرَطُ أَخْذُهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَلَوْ سَلِمَ ذَلِكَ لَا يَبْعُدُ اخْتِصَاصُ هَذَا الْحُكْمِ بِالْعُلَمَاءِ وَلَا يُنَافِي مَأْجُورِيَّةَ الْغَيْرِ بِمُطْلَقِهِ كَمَا يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ «رَكْعَتَانِ مِنْ عَالِمٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ رَكْعَةً مِنْ غَيْرِ عَالِمٍ» .

وَفِي رِوَايَةٍ «رَكْعَةٌ مِنْ عَالِمٍ بِاَللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ رَكْعَةٍ مِنْ مُتَجَاهِلٍ بِاَللَّهِ» مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي فَضْلِ صَلَاةِ غَيْرِ الْعَالِمِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ إمَّا لِمُجَرَّدِ التِّلَاوَةِ وَإِمَّا لِلِاطِّلَاعِ بِمَضْمُونِهِ وَالْعَمَلِ بِأَحْكَامِهِ وَلَا شُبْهَةَ فِي مَزِيَّةِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ «أُلْبِسَ» بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مِنْ الْإِلْبَاسِ بِمَعْنَى الْإِكْسَاءِ «وَالِدَاهُ تَاجًا» ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ سَوَاءً كَانَ لَهُمَا دَخْلٌ فِي تَعْلِيمِهِ الْقُرْآنَ وَتَرْبِيَتِهِ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ لَا.

وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى انْتِفَاعِ الْوَالِدِ بِعِبَادَةِ الْمَوْلُودِ سَوَاءً دَعَا لَهُ أَوْ وَهَبَ ثَوَابَ عَمَلِهِ أَوْ لَا وَإِنْ كَانَ فِي الدُّعَاءِ وَالْهِبَةِ مَزِيَّةٌ «يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فِي الْجَنَّةِ أَوْ قَبْلَهَا الظَّاهِرُ عَدَمُ عُمُومِهِ لِلْجَدِّ وَالْجَدَّةِ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَا لَهُ «ضَوْءُهُ» أَيْ التَّاجِ «أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا» الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِضِيَاءِ الشَّمْسِ لَعَلَّهُ يُرَادُ بِهِ مُجَرَّدُ كَمَالِ الْحُسْنِ وَالْبَهْجَةِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ مَا فِي الْبَيْتِ وَيُرَى مِنْ لَطَافَتِهِ كَالشَّمْسِ فَبِهِ يُعْلَمُ وَجْهُ التَّقْيِيدِ بِبَيْتِ الدُّنْيَا فَإِذَا كَانَ هَذَا الْفَضْلُ لِوَالِدَيْهِ تَكْرِمَةً لِلْوَلَدِ وَلِكَوْنِهِمَا سَبَبًا لَهُ.

«فَمَا ظَنُّكُمْ بِاَلَّذِي عَمِلَ بِهَذَا» يَعْنِي لَا يَقْدِرُ ظَنُّكُمْ عَلَى إدْرَاكِ إحْسَانِهِ تَعَالَى عَلَى نَفْسِ هَذَا الْعَامِلِ بِالْقُرْآنِ لِغَايَةِ عَظَمَتِهِ وَنِهَايَةِ جَلَالَتِهِ وَالسَّوْقُ يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ بِاَلَّذِي قَرَأَ وَعَمِلَ اكْتَفَى بِهِ إمَّا لِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ هُوَ الْعَمَلُ أَوْ الْعَمَلُ مِنْ حَيْثُ أَصْلِهِ وَنَفْسِهِ لَا يَكُونُ بِلَا قِرَاءَةٍ سِيَّمَا عَادَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>