ارْتَفَعَ مَا قَبْلَهُ بِالْأَوْلَى وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَوْ كَانَتْ فِي الْحَسَنَاتِ لَا يُؤْجَرُ لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَأَمَّا الْهَمُّ بِالْحَسَنَةِ يُكْتَبُ حَسَنَةً وَاحِدَةً وَبِالسَّيِّئَةِ لَا يُكْتَبُ، فَإِنْ تَرَكَ لِلَّهِ كُتِبَ حَسَنَةً وَإِنْ فَعَلَ فَسَيِّئَةٍ وَاحِدَةٍ، يَعْنِي يُكْتَبُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ وَحْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَمَّا الْعَزْمُ فَيُؤَاخَذُ بِهِ عَلَى التَّحْقِيقِ وَقِيلَ: الْهَمُّ مِنْ الْمَرْفُوعِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ هَمَّ بِمَعْصِيَةٍ لَا يَأْثَمُ إنْ لَمْ يُصَمِّمْ عَزْمَهُ وَإِنْ عَزَمَ يَأْثَمُ إثْمَ الْعَزْمِ لَا الْعَمَلِ بِالْجَوَارِحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ كَالْكُفْرِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: كَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ هُوَ «أَنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ» قَالَ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ لِابْنِ مَالِكٍ: الْمُرَادُ مَا يُقْصَدُ إذْ الضَّرُورِيُّ مَعْفُوٌّ عَنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ إلَّا أَنْ يُصِرَّ، ثُمَّ قِيلَ حَدِيثُ النَّفْسِ لَيْسَ بِكَلَامٍ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَلَا تَطْلُقُ بِهِ الزَّوْجَةُ وَأَيْضًا فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «إذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَا تَكْتُبُوهَا سَيِّئَةً فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا وَإِذَا هَمَّ بِحَسَنَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا حَسَنَةً وَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا عَشْرًا» ، كَمَا فِي الْمَبَارِقِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ النَّوَوِيِّ الْمُرَادُ بِهِ الْخَوَاطِرُ الَّتِي لَا تَسْتَقِرُّ سَوَاءً كُفْرًا أَوْ غِيبَةً فَمَنْ خَطَرَ لَهُ الْكُفْرُ بِلَا تَعَمُّدٍ فَصَرَفَهُ فِي الْحَالِ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ، وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أَوْ يَعْمَلْ فَإِنْ تَكَلَّمَ بِمَا يَكُونُ مِنْ الْأَقْوَالِ أَوْ عَمِلَ بِمَا يَكُونُ مِنْ الْأَعْمَالِ فَيُؤَاخَذُ بِالْقَوْلِ فَقَطْ وَبِالْفِعْلِ فَقَطْ دُونَ حَدِيثِ النَّفْسِ أَوْ بِهِمَا مَعًا كَمَا اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَعَنْ الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ الْعَرَبِيِّ الْقُلُوبُ مَيَّالَةٌ إلَى كُلِّ طَارِئٍ عَلَيْهَا حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا مُحَالًا، أَوْ جَائِزًا، حَقًّا أَوْ بَاطِلًا، مَعْقُولًا أَوْ مُتَخَيَّلًا، وَلِلَّهِ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ وَالْحُجَّةُ الْغَالِبَةُ عَطَفَ بِفَضْلِهِ وَعَفَا عَنْ كُلِّهِ بَقِيَ أَنَّ الْمَوْلَى الْمُحَشِّيَ قَالَ هُنَا: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَعَدُّدِ النَّفْعِ وَالثَّوَابِ بِتَعَدُّدِ النِّيَّةِ كَمَنْ تَوَضَّأَ بِنِيَّةِ إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمُحَافَظَةِ الْوُضُوءِ وَسَجَدَ التِّلَاوَةِ الَّتِي عَلَيْهِ انْتَهَى أَقُولُ: تَفْصِيلُهُ إنْ كَانَ فِي الْوَسَائِلِ يَجُوزُ ذَلِكَ مُطْلَقًا كَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْجُمُعَةِ لَهُ ثَوَابُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ فِي الْمَقَاصِدِ فَإِنَّ نَافِلَتَيْنِ كَمَا فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ وَالتَّحِيَّةُ أَجْزَأَتْ عَنْهُمَا وَإِنْ فَرْضَيْنِ أَوْ فَرْضًا وَنَفْلًا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُطْلَبُ مِنْ الْأَشْبَاهِ (رَوَاهُ عُمَرُ) بْنُ الْخَطَّابِ (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) الْعَدَوِيُّ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ وَزِيرُ الْمُصْطَفَى ثَانِي الْخُلَفَاءِ (وَهَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ) وَهُوَ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ مَا لَهُ طُرُقٌ مَحْصُورَةٌ فَوْقَ الِاثْنَيْنِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مُطْلَقِ مَا يُشْتَهَرُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ فَيُطْلَقُ عَلَى مَا لَهُ إسْنَادٌ وَاحِدٌ بَلْ عَلَى مَا لَا إسْنَادَ لَهُ أَصْلًا، يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الثَّانِيَ فَلَا يُنَاسِبُ لِغَرَضِهِ وَإِنْ الْأَوَّلَ فَالرَّاوِي فِي اعْتِقَادِهِ لَيْسَ غَيْرَ عُمَرَ فَكَيْفَ يَكُونُ مَشْهُورًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ مِنْ الْمَشْهُورِ مَا هُوَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّ وَهُوَ مَا كَانَ وَاحِدًا فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ ثُمَّ اشْتَهَرَ بَعْدَهُ وَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَوَاهُ أَيْضًا فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ عَلَى تَخْرِيجِ أَبِي نُعَيْمٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى تَخْرِيجِ ابْنِ عَسَاكِرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى تَخْرِيجِ الرَّشِيدِ الْعَطَّارِ فَبَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِهِ مَشْهُورًا حِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ عَلَى نَظَرِ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّهُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ الْعِرَاقِيِّ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ عُمَرَ وَعَنْ الْغَيْرِ وَمَا عَدَا طَرِيقِ عُمَرَ ضَعِيفٌ إلَّا أَنْ يَعُمَّ إلَى مَا وَرَدَ فِي مُطْلَقِ النِّيَّةِ، وَلَوْ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ فَحِينَئِذٍ بَلَغَ الرَّاوِي إلَى ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ صَحَابِيًّا كَمَا فِي فَيْضِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ أَيْضًا: هَذَا حَدِيثٌ فَرْدٌ غَرِيبٌ بِاعْتِبَارٍ، مَشْهُورٌ بِاعْتِبَارٍ، وَفِيهِ أَيْضًا وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ الصَّحِيحِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا مِنْ عُمَرَ وَلَا عَنْ عُمَرَ إلَّا مِنْ عَلْقَمَةَ وَلَا عَنْ عَلْقَمَةَ إلَّا مِنْ التَّيْمِيِّ وَلَا عَنْ التَّيْمِيِّ إلَّا مِنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَمَدَارُهُ عَلَيْهِ وَإِنَّ مِنْ بَعْدِ يَحْيَى فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتَيْ إنْسَانٍ أَكْثَرُهُمْ أَئِمَّةٌ، بَلْ قِيلَ إلَى سَبْعِمِائَةِ رَجُلٍ فَمَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ التَّوَاتُرَ وَالشُّهْرَةَ فَبِالنِّسْبَةِ إلَى آخِرِ السَّنَدِ وَعَنْ النَّوَوِيِّ فِي إسْنَادِهِ شَيْءٌ يُسْتَحْسَنُ وَيُسْتَغْرَبُ وَهُوَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةٌ تَابِعُونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَالتَّيْمِيُّ وَعَلْقَمَةُ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُسْتَطْرَفًا لَكِنَّهُ وَقَعَ فِي نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ حَدِيثًا، قَالَ وَهُوَ حَدِيثٌ مُجْمَعٌ عَلَى عِظَمِهِ وَجَلَالَتِهِ وَهُوَ أَحَدُ قَوَاعِدِ الدِّينِ وَابْتِدَاءِ أَرْكَانِهِ وَهُوَ أَعْظَمُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْإِسْلَامِ (خَرَّجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ) الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute