شَرْعًا وَالْمُضْمَرُ لُغَةً أَوْ الْمُقْتَضِي لَا عُمُومَ لَهُ وَالْمُضْمَرُ لَهُ عُمُومٌ. فَمَعْنَى الْحَدِيثِ حُكْمُ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ أَوْ صِحَّةُ الْأَعْمَالِ كَمَا فِي فَيْضِ الْقَدِيرِ وَنُقِلَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَيْ كَمَالُ الْأَعْمَالِ لِحَدِيثِ عَدَمِ شَرْطِيَّةِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ عِنْدَهُمْ، وَأَوْرَدَ مَقَالًا لَا يَتَحَمَّلُهُ الْمَقَامُ ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي إزَالَةِ الْخُبْثِ لِكَوْنِهِ مِنْ قَبِيلِ التُّرُوكِ كَالزِّنَا مِنْ حَيْثُ إسْقَاطُ الْعِقَابِ لَا يَحْتَاجُهَا وَمِنْ حَيْثُ تَحْصِيلُ الثَّوَابِ يَحْتَاجُهَا كَإِزَالَةِ النَّجَسِ لَا يَحْتَاجُ تَطْهِيرًا وَتَحْتَاجُ ثَوَابًا عَلَى امْتِثَالِ الشَّارِعِ لَعَلَّ هَذَا رَاجِعٌ إلَى مَا يُقَالُ إنَّ تَرْكَ الْمَنَاهِي إنْ بَعْدَ التَّشَهِّي فَمُثَابٌ وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى مَا حَاصِلُهُ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ قَبِيلِ ظَنِّيِّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ وَهُوَ يُفِيدُ السُّنِّيَّةَ وَالِاسْتِحْبَابَ لَا الْوُجُوبَ وَالِافْتِرَاضَ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَعَ تَصْرِيحِهِ فِي الْأُصُولِ مِمَّنْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى شَرْطِيَّةِ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ أَقُولُ: فَاسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ حِينَئِذٍ مُشْكِلٌ فَتَأَمَّلْ وَأَقُولُ: أَيْضًا النِّيَّةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْإِسْلَامِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ إيمَانِ الْمُكْرَهِ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ: حَرْبِيًّا فَقَطْ وَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ، فَيَكُونُ عَامًّا خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ فَلَا يَكُونُ الْبَاقِي حُجَّةً قَطْعِيَّةً عَلَى الْمُخْتَارِ أَقُولُ: قَدْ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الْخَبَرِ الْمُؤَيَّدِ بِالنَّصِّ، فَالشَّرْطِيَّةُ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِآيَةِ - {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} [البينة: ٥]- «وَلِكُلِّ امْرِئٍ» أَيْ إنْسَانٍ وَلَا جَمْعَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ «مَا نَوَى» مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، فَحَظُّ الْعَامِلِ مَا نَوَاهُ لَا صُورَتُهُ يَعْنِي اعْتِبَارُ الْأَعْمَالِ عَلَى حَسَبِ النِّيَّةِ فَإِنْ كَانَ خَالِصًا فَلِلَّهِ وَإِنْ لِلدُّنْيَا فَلَهَا وَإِنْ لِنَظَرِ الْخَلْقِ فَلِذَلِكَ، فَمَنْ فَعَلَ غَافِلًا أَوْ نَائِمًا فَمُهْمَلٌ نَحْوُ أَفْعَالِ الْجَمَادِ وَمَنْ أَتَى بِطَاعَةٍ رِيَاءً وَسُمْعَةً أَوْ طَمْعَ عَطَاءٍ دُنْيَوِيٍّ، أَوْ تَوَقُّعَ ثَنَاءٍ عَاجِلٍ أَوْ تَخَلُّصًا مِنْ ذَمِّ النَّاسِ فَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ فِي الْمُنَاوِيِّ عَنْ الْقَاضِي وَهَاتَانِ قَاعِدَتَانِ عَظِيمَتَانِ: الْأُولَى تَضَمَّنَتْ أَنَّ الْعَمَلَ الِاخْتِيَارِيَّ لَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَالثَّانِيَةُ تَضَمَّنَتْ أَنَّهُ يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْ النَّفْعِ وَالضُّرِّ بِحَسَبِ الْمَنْوِيِّ، وَقِيلَ: الثَّانِيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ نَوَى شَيْئًا يَحْصُلُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ لِمَانِعٍ كَمَرِيضٍ تَخَلَّفَ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي الْإِخْلَاصِ وَمِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي لَا يَخْرُجُ عَنْهَا عَمَلٌ أَصْلًا وَلِهَذَا تَوَاتَرَ النَّقْلُ عَنْ الْأَعْلَامِ بِعُمُومِ نَفْعِهِ وَعِظَمِ وَقْعِهِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ» قِيلَ: مِنْ وُجُوهِهِ الْعَمَلُ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ شَوَائِبَ كَالرِّيَاءِ وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلَا تَتَكَدَّرُ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ الدَّيْلَمِيِّ «الْحَسَنَةُ تُدْخِلُ صَاحِبَهَا الْجَنَّةَ وَالْخُلُقُ الْحَسَنُ يُدْخِلُ صَاحِبَهُ الْجَنَّةَ، وَالْجِوَارُ الْحَسَنُ يُدْخِلُ صَاحِبَهُ الْجَنَّةَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ رَجُلَ سُوءٍ قَالَ: نَعَمْ عَلَى رَغْمِ أَنْفِك» . قِيلَ: هُنَا النِّيَّةُ نَوْعَانِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْبُودِ وَيَتَضَمَّنُ إفْرَادَ الْمَعْبُودِ فَيَشْمَلُ نَفْيَ الرِّيَاءِ فَإِنَّهُ نِيَّةُ الْإِخْلَاصِ وَبِهَا أُمِرَ الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَادِ فَهُوَ تَمْيِيزُ الْعِبَادَةِ مِنْ الْعَادَةِ وَمَرَاتِبِ الْعِبَادَةِ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى يَقْرُبُ أَيْضًا حَدِيثُ الْجَامِعِ «النِّيَّةُ الصَّادِقَةُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ فَإِذَا صَدَقَ الْعَبْدُ نِيَّتَهُ تَحَرَّكَ الْعَرْشُ فَيُغْفَرُ لَهُ» قِيلَ فِي شَرْحِهِ: فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ عَامِلٍ أَنْ يَقْصِدَ بِعَمَلِهِ وَجْهَ اللَّهِ لَا سِيَّمَا الْعِلْمُ فَلَا يُرِيدُ بِهِ كَمَالًا دُنْيَوِيًّا أَوْ جَاهًا أَوْ شُهْرَةً أَوْ سُمْعَةً عَنْ السَّمْهُودِيِّ إنَّهُ كُلَّمَا خَرَجَ إلَى الدَّرْسِ يَقِفُ بِدِهْلِيزِهِ حَتَّى يُحَصِّلَ النِّيَّةَ وَيُصَحِّحَهَا ثُمَّ يَحْضُرَ قَالَ عَلِيٌّ الْقَارِيّ فِي شَرْحِ الْحِصْنِ عَنْ ابْنِ أَبِي جَمْرَةَ: تَرْتِيبُ الْوَارِدِ عَلَى الْقَلْبِ مَرَاتِبُ: الْهِمَّةُ ثُمَّ اللَّمَّةُ ثُمَّ الْخَطْرَةُ ثُمَّ النِّيَّةُ ثُمَّ الْإِرَادَةُ ثُمَّ الْعَزِيمَةُ، فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ الْأُخَرِ. وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَأَمَّا حَدِيثُ النَّفْسِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَعْمَلْ بِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَحَاصِلُ مَا قَالُوهُ مَا فِي النَّفْسِ مِنْ قَصْدِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى خَمْسٍ الْهَاجِسُ هُوَ مَا يُلْقَى فِيهَا، ثُمَّ جَرَيَانُهُ فِيهَا وَهُوَ الْخَاطِرُ، ثُمَّ حَدِيثُ النَّفْسِ يَقَعُ فِيهَا مِنْ التَّرَدُّدِ هَلْ يَفْعَلُ أَوْ لَا، ثُمَّ الْهَمُّ وَهُوَ تَرْجِيحُ قَصْدِ الْفِعْلِ، ثُمَّ الْعَزْمُ هُوَ قُوَّةُ ذَلِكَ الْقَصْدِ، وَلَا يُجْزَمُ بِهِ فَالْهَاجِسُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ وَالْخَاطِرُ الَّذِي بَعْدَهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى دَفْعِهِ بِصَرْفِ الْهَاجِسِ أَوَّلَ وُرُودِهِ، وَلَكِنَّهُ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ مَرْفُوعَانِ بِالْحَدِيثِ وَإِذَا ارْتَفَعَ حَدِيثُ النَّفْسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute