السَّنَدُ لَا سَنَدُ الْبُخَارِيِّ.
(وَأَمَّا تَأْثِيرُهُ) أَيْ الرِّيَاءِ (فِي الطَّاعَةِ) بِإِبْطَالِهَا وَنَقْصِ أَجْرِهَا (فَالْمَغْلُوبُ) بِأَنْ يَكُونَ جَانِبُ الْخُلُوصِ غَالِبًا عَلَى جَانِبِ الرِّيَاءِ فِي رِيَاءِ التَّخْلِيطِ (يُنْقِصُ أَجْرَهَا) أَيْ أَجْرَ الْعِبَادَةِ (وَلَا يُبْطِلُهَا) حَتَّى لَا يَلْزَمَ الْقَضَاءُ فِي الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ - تَعَالَى - «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ فَمَنْ عَمِلَ لِي عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَإِنِّي مِنْهُ بَرِيءٌ وَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ» عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ فَالْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِ الشَّرِكَةِ هُوَ التَّسَاوِي عُرْفًا وَشَرْعًا عَلَى مَا حَكَى الْمُصَنِّفُ عَنْ الْغَزَالِيِّ، وَأَمَّا نَحْوُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَمَلًا فِيهِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ مِنْ رِيَاءٍ» . فَعَدَمُ الْقَبُولِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْجَوَازِ وَلَا عَدَمَ الثَّوَابِ أَصْلًا عَلَى مَا أَجَابَ بِهِ الْمُصَنِّفُ نَفْسُهُ، لَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالْقَبُولِ هُوَ الْقَبُولُ الْكَامِلُ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِنُقْصَانِ الْأَجْرِ، فَجَوَابُ الْمُصَنِّفِ مُحْتَاجٌ إلَى التَّأَمُّلِ بِمَا ذُكِرَ هُنَا؛ إذْ نُقْصَانُ الْأَجْرِ مُنَافٍ لِعَدَمِ الثَّوَابِ أَصْلًا (وَالْمُسَاوِي) لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا يَكُونُ شَامِلًا لِمَا يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا بِالْبَعْثِ عَلَى الْعَمَلِ وَلِمَا يَكُونُ مَجْمُوعُهُمَا بَاعِثًا عَلَيْهِ (وَالْغَالِبُ وَالْمَحْضُ يُبْطِلُهَا) أَيْ الطَّاعَةَ، قِيلَ: فَيَجِبُ إعَادَتُهَا، وَقِيلَ: قَضَاؤُهَا، لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ حَكَى عَنْ الْغَزَالِيِّ التَّرَدُّدَ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ الْمُسَاوِي لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَاخْتَارَ هُوَ نَفْسُهُ كَوْنَهُ مُسْقِطًا لِلْوَاجِبِ لِوُجُودِ النِّيَّةِ أَقُولُ: هُوَ إمَّا بَاطِلٌ فِي نَفْسِهِ لِكَوْنِ تَوَارُدِ الْعِلَّتَيْنِ الْمُسْتَقِلَّتَيْنِ أَوْ النِّيَّةُ لَيْسَتْ بِمُسْتَقِلَّةٍ فِي الْوُجُودِ، وَإِنْ شِئْت تَقُولُ: إنَّ النِّيَّةَ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ وَإِنْ فِي الْجُمْلَةِ فَفِي الْغَالِبِ سِيَّمَا الصُّورَةُ الْأُخْرَى لِلْمُسَاوِي أَيْضًا فَافْهَمْ (لِعَدَمِ النِّيَّةِ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، يَشْكُلُ أَيْضًا إنْ أُرِيدَ النِّيَّةُ الْخَالِصَةُ الْمُسْتَقِلَّةُ فَالْمَغْلُوبُ أَيْضًا كَذَلِكَ وَإِنْ فِي الْجُمْلَةِ فَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ فِي الْمُسَاوِي وَالْغَالِبُ إنْ سُلِّمَ فِي الْمَحْضِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي النِّيَّةِ كَوْنُهَا بَاعِثَةً وَنِيَّةُ التَّقَرُّبِ فِي الْمَغْلُوبِ بَاعِثَةٌ وَفِي الْمُسَاوِي لَيْسَتْ بِبَاعِثَةٍ وَجُزْءُ الْبَاعِثِ لَيْسَ بِبَاعِثٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يَذْهَبُ عَلَيْك وَأَنَّهُ جَارٍ فِي الْمَغْلُوبِ.
(وَهِيَ) أَيْ النِّيَّةُ (شَرْطٌ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عِبَادَةٌ) بَدَنِيَّةٌ أَوْ مَالِيَّةٌ أَوْ مُرَكَّبَةٌ، يَشْكُلُ بِمَا فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْعَيْنِيِّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ التِّلَاوَةَ وَالْأَذْكَارَ وَالْأَذَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَأَمَّا الْوُضُوءُ بِلَا نِيَّةٍ فَقِيلَ: لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَأَمَّا صِحَّةُ الصَّلَاةِ فَإِنَّ اللَّازِمَ فِي الشُّرُوطِ مُجَرَّدُ وُجُودِهَا كَالْغُسْلِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَسْلِ النَّجَاسَةِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ الْوُضُوءُ الْغَيْرُ الْمَنْوِيِّ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِهِ لَكِنَّهُ مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَسَاءَ وَأَخْطَأَ وَخَالَفَ السُّنَّةَ وَلَا يُثَابُ لِعَدَمِ إقَامَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَأَقُولُ: الْمُرَادُ مِنْ الْعِبَادَةِ مَا هُوَ مَقْصُودٌ بِالذَّاتِ وَأَمَّا الْوَسَائِلُ كَالْوُضُوءِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ لِصِحَّةِ الْعِبَادَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ الثَّوَابِ شَرْطًا (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ» الْعَمَلُ هُوَ حَرَكَةُ الْبَدَنِ فَيَشْمَلُ الْقَوْلَ وَقَدْ يُتَجَوَّزُ عَنْ حَرَكَةِ النَّفْسِ فَيَشْمَلُ نَحْوَ النِّيَّةِ، وَالْمُرَادُ هُنَا عَمَلُ الْجَوَارِحِ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ أَيْ الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَادِيَّ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى نِيَّةٍ «بِالنِّيَّاتِ» النِّيَّةُ هِيَ الْقَصْدُ وَهِيَ عَزِيمَةُ الْقَلْبِ وَرَدَّ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ عَزِيمَةً لِلْقَلْبِ لِقَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ: الْقَصْدُ مَا نَجِدُهُ مِنْ أَنْفُسِنَا حَالَ الْإِيجَادِ، وَالْعَزْمُ: قَدْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَيَقْبَلُ الشِّدَّةَ وَالضَّعْفَ فَفَرَّقُوا بِجِهَتَيْنِ فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِهِ وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ هِيَ انْبِعَاثُ الْقَلْبِ نَحْوَ مَا يَرَاهُ مُوَافِقًا لِغَرَضٍ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ، وَالشَّرْعُ خُصَّ بِالْإِرَادَةِ وَالتَّوَجُّهِ نَحْوَ الْفِعْلِ ابْتِغَاءً لِوَجْهِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَامْتِثَالًا لِحُكْمِهِ، كَذَا فِي فَيْضِ الْقَدِيرِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ شَارِحُ الْحَمَوِيِّ لِلْأَشْبَاهِ بِعَدَمِ صِدْقِهِ عَلَى الْمَنْهِيِّ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ عِقَابٌ، فَقَالَ: فَالصَّوَابُ هِيَ تَوَجُّهُ الْقَلْبِ نَحْوَ إيجَادِ فِعْلٍ أَوْ تَرْكِهِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ مِنْ الْفِعْلِ مَا يَعُمُّ الْإِتْيَانَ وَالتَّرْكَ فَإِنْ قِيلَ قَدْ كَثُرَ وُجُودُ الْأَعْمَالِ بِدُونِ نِيَّةٍ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلِذَلِكَ جَعَلُوا الْحَدِيثَ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ فِيهِ بِاقْتِضَاءِ النَّصِّ وَالْمُقْتَضِي هُوَ اللَّازِمُ الْمُتَقَدِّمُ الَّذِي اقْتَضَى النَّصُّ تَقْرِيرَهُ لِتَوَقُّفِ صِدْقِ الْمَنْطُوقِ عَلَيْهِ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا وَأَمَّا عِنْدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فَمِنْ بَابِ الْمُضْمَرِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ عِنْدَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْمَنْطُوقُ شَرْعًا فَقَطْ، وَالْمُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ هُنَا صِدْقُ الْمُتَكَلِّمِ هُوَ عَقْلِيٌّ لَا شَرْعِيٌّ كَمُضْمَرٍ لَا مُقْتَضًى، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُقْتَضِيَ ثَابِتٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute