وُصُولُكُمْ إلَيْهَا عَادَةً لِعَظَمَتِهَا أَوْ كَثْرَتِهَا أَوْ لِعَدَمِ نِهَايَةِ مَا أَمَّلْتُمْ إذْ كُلُّ أَحَدٍ إذَا وَصَلَ إلَى مَقَامٍ مِنْ مُشْتَهَيَاتِهِ يَأْمُلُ مَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ «وَتَبْنُونَ» مِنْ الْبُنْيَانِ كَالدُّورِ وَالْبُيُوتِ «مَا لَا تَسْكُنُونَ» لِكَوْنِهِ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ الْحَاجَاتِ الضَّرُورِيَّةِ أَوْ يُشَيِّدُونَهُ عَلَى وَجْهٍ يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهِمْ فَلَا يَسْكُنُونَ بَلْ السُّكْنَى لِلْغَيْرِ، لَعَلَّ هَذَا فِيمَا هُوَ مِنْ الْحَلَالِ، وَأَمَّا الْحَرَامُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اتَّقُوا الْحَجَرَ الْحَرَامَ فِي الْبُنْيَانِ فَإِنَّهُ أَسَاسُ الْخَرَابِ» .
قَالَ الْمُنَاوِيُّ خَرَابُ الدِّينِ أَوْ الدُّنْيَا بِقِلَّةِ الْبَرَكَةِ وَشُؤْمِ الْبَيْتِ، أَوْ أَسَاسُ خَرَابِ الْبِنَاءِ نَفْسِهِ بِأَنْ يُسْرِعَ إلَيْهِ الْخَرَابُ فِي أَمَدٍ قَرِيبٍ وَلَوْ لَمْ يَبْنِ بِهِ لَمْ يَخْرَبْ سَرِيعًا بَلْ يَطُولُ بَقَاؤُهُ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ مَكْتُوبٌ فِي الْإِنْجِيلِ: الْحَجَرُ الْوَاحِدُ فِي الْحَائِطِ مِنْ الْحَرَامِ عُرْبُونُ الْخَرَابِ وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَجَدْت فِي بَعْضِ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ اسْتَغْنَى بِأَمْوَالِ الْفُقَرَاءِ جُعِلَتْ عَاقِبَتُهُ الْفَقْرَ وَأَيُّ دَارٍ بُنِيَتْ بِالضُّعَفَاءِ جُعِلَتْ عَاقِبَتُهَا الْخَرَابَ وَوَرَدَ أَيْضًا: أَنَّ الْبِنَاءَ إنْ كَانَ مِنْ حَرَامٍ لَمْ يَطُلْ تَمَتُّعُ صَاحِبِهِ بِهِ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «إنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِقَاعًا تُسَمَّى الْمُنْتَقِمَاتِ فَإِذَا كَسَبَ الرَّجُلُ الْمَالَ مِنْ حَرَامٍ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَالطِّينَ ثُمَّ لَا يُمَتِّعُهُ بِهِ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَا انْتَفَعْت بِكَلَامِ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِكِتَابٍ كَتَبَهُ إلَيَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْمَرْءَ يَسُوءُهُ فَوْتُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيُدْرِكَهُ وَيَسُرُّهُ دَرْكُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ فَلْيَكُنْ سُرُورُك بِمَا نِلْت مِنْ أَمْرِ آخِرَتِك وَلْيَكُنْ أَسَفُك عَلَى مَا فَاتَك مِنْهَا وَمَا نِلْت مِنْ دُنْيَاك فَلَا تُكْثِرَنَّ بِهِ فَرَحًا وَمَا فَاتَك مِنْهَا فَلَا تَأْسَ عَلَيْهِ جَزَعًا وَلْيَكُنْ هَمُّك فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ. وَعَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَيْضًا: إنَّ لِلَّهِ - تَعَالَى - مَلَكًا يُنَادِي فِي كُلِّ يَوْمٍ لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ وَاجْمَعُوا لِلْفَنَاءِ
(دُنْيَا) ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا (طب) الطَّبَرَانِيُّ (نَعَمْ) أَبُو نُعَيْمٍ (هق) الْبَيْهَقِيُّ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) الْخُدْرِيِّ (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّهُ اشْتَرَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -) هُوَ مَوْلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنُ مَوْلَاهُ وَحِبُّهُ وَابْنُ حِبِّهِ اسْتَعْمَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً» (عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَاتِبِ الْوَحْيِ وَأَمَرَهُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يَجْمَعَ الْقُرْآنَ وَأَمَرَهُ عُثْمَانُ فَكَتَبَ الْمُصْحَفَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يُمْلِي عَلَيْهِ وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا لِصِغَرِهِ وَشَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا مِنْ الْمَشَاهِدِ وَكَانَ أَحَدَ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ وَالْقَيِّمَ فِي الْفَرَائِضِ وَأَحَدَ مَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفْتَى فِي حَيَاتِهِ ( «وَلِيدَةً» أَيْ جَارِيَةً «بِمِائَةِ دِينَارٍ» مُؤَجَّلَةٍ «إلَى» مُضِيِّ «شَهْرٍ قَالَ» أَبُو سَعِيدٍ «فَسَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: أَلَا تَعْجَبُونَ» مِنْ الْعَجَبِ قِيلَ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ بِالتَّعَجُّبِ «مِنْ أُسَامَةَ الْمُشْتَرِي إلَى شَهْرٍ إنَّ أُسَامَةَ لَطَوِيلُ الْأَمَلِ» فَإِنْ قِيلَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّهْيِ الْمُؤَكَّدِ بِالْعِلَّةِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَقْتَضِيَ الْكَرَاهَةَ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ نَسِيئَةً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ شِرَاءَهُ لِضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ قُلْنَا: هَذَا لِلْعَوَامِّ وَأُسَامَةُ مِنْ الْخَوَاصِّ وَأَنَّهُ يَجُوزُ فَهْمُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute