(وَأَيْضًا قَدْ يُشْتَبَهُ عَلَيْنَا خَاطِرٌ لَا نَدْرِي أَنَّهُ شَرٌّ مِنْ الشَّيْطَانِ) فَنَجْتَنِبُهُ (أَوْ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ) كَاَللَّهِ سُبْحَانِهِ وَتَعَالَى أَوْ الْمَلَكِ فَنَتَسَارَعَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْخَوَاطِرِ لِيُتَصَوَّرَ نَفْيُ مَا كَانَ شَرًّا وَإِثْبَاتُ مَا كَانَ خَيْرًا (فَعَلَيْنَا الْمُحَارَبَةُ) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَفِيمَا ذُكِرَ قَبْلَهَا (وَالْقَهْرُ) بِنَحْوِ عَدَمِ الِالْتِفَاتِ وَالشُّغْلِ (وَالدَّوَامُ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى) فَلَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ ذِكْرَ اللَّهَ تَعَالَى فِي جَنْبِ الشَّيْطَانِ كَالْآكِلَةِ فِي جَنْبِ ابْنِ آدَمَ» ، وَفِي الْحِصْنِ فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ «مَا مِنْ آدَمِيٍّ إلَّا لِقَلْبِهِ بَيْتَانِ فِي أَحَدِهِمَا الْمَلَكُ وَفِي الْآخَرِ الشَّيْطَانُ فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ - تَعَالَى - وَضَعَ الشَّيْطَانُ مِنْقَارَهُ فِي قَلْبِهِ وَوَسْوَسَ لَهُ» وَفِيهِ أَيْضًا «وَإِنْ خَافَ شَيْطَانًا أَوْ غَيْرَهُ قَالَ أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ اللَّاتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ» . وَأَيْضًا فِيهِ «لِهَرَبِ الشَّيْطَانِ آيَةُ الْكُرْسِيِّ وَكَذَا الْأَذَانُ» .
(بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ) يَعْنِي بِمُوَاطَأَةِ الْقَلْبِ اللِّسَانَ عِنْدَ الذِّكْرِ بِاللِّسَانِ لَا بِاللِّسَانِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ لَهُ أَصْلًا سِيَّمَا فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ قَالَ أَحْمَدُ الْغَزَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ التَّجْرِيدِ عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَاَللَّهِ إنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُ ذَرَّةً وَلَا يَعْدِلُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَأَنَّ الْأَصَحَّ الْمُوَافِقَ لِمَا فِي الْفَتَاوَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ مِنْ السُّكُوتِ وَالِاشْتِغَالِ بِشَيْءٍ آخَرَ سِيَّمَا عِنْدَ كَوْنِ نِيَّتِهِ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَمَّا بِالْقَلْبِ فَقَطْ فَهُوَ مُخْتَارُ بَعْضِ السَّادَةِ الصُّوفِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ تَرْجِيحَ اجْتِمَاعِهِمَا لِتَكْثِيرِ الْعَمَلِ وَلِجَمْعِ الْعَزِيمَتَيْنِ لَكِنْ هَذَا عَسِرٌ وَوُجُودُهُ صَعْبٌ إذْ عِنْدَ شُغْلِ اللِّسَانِ قَلَّمَا يَخْلُو الْقَلْبُ عَنْ الْغَيْرِ وَيَتَجَرَّدُ لِلذِّكْرِ وَأَمَّا عِنْدَ تَمَحُّضِهِ بِالذِّكْرِ يَسْهُلُ تَجَرُّدُهُ لَهُ كَمَا تَشْهَدُ بِهِ التَّجْرِبَةُ وَالْوِجْدَانُ فَافْهَمْ (وَ) عَلَيْنَا (مَعْرِفَةُ وَسَاوِسِهِ وَمَكَائِدِهِ) جَمْعُ كَيْدٍ حَتَّى نَحْتَرِزَ عَنْهَا وَأَنَّهُ عِنْدَ الْمَعْرِفَةِ لَا يَتَجَاسَرُ كَاللِّصِّ إذَا عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ أَحَسَّ بِهِ فَرَّ
فَلَا بُدَّ أَوَّلًا مِنْ (مَعْرِفَةِ مَنْشَأِ الْخَوَاطِرِ) مِنْ أَيْنَ تَنْشَأُ وَتَتَحَصَّلُ، قِيلَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ مِنْ مَعْرِفَةِ الْخَوَاطِرِ وَمَنْشَئِهَا (وَ) مِنْ (تَمَيُّزِ خَيْرِهَا مِنْ شَرِّهَا فَهِيَ) أَيْ الْخَوَاطِرُ (آثَارٌ) اخْتِلَاجَاتٌ وَدَوَاعٍ (يُحْدِثُهَا اللَّهُ - تَعَالَى - فِي قَلْبِ الْعَبْدِ تَبْعَثُهُ) تَكُونُ بَاعِثَةً لِلْعَبْدِ (عَلَى الْأَفْعَالِ وَالتُّرُوكِ) قِيلَ هُنَا فَمَبْدَأُهُمَا الْخَوَاطِرُ ثُمَّ الْخَوَاطِرُ تُحَرِّكُ الرَّغْبَةَ وَالرَّغْبَةُ تُحَرِّكُ الْعَزْمَ وَالنِّيَّةُ تُحَرِّكُ الْأَعْضَاءَ (إمَّا ابْتِدَاءً) خَلْقًا ابْتِدَائِيًّا بِلَا وَاسِطَةِ شَيْءٍ (فَيُقَالُ لَهُ الْخَاطِرُ فَقَطْ) لَيْسَ لَهُ اسْمٌ غَيْرُهُ مِنْ خَطَرَ إذَا مَرَّ بِسُرْعَةٍ وَانْقَضَى (وَعَلَامَتُهُ) أَيْ عَلَامَةُ كَوْنِ الْخَاطِرِ مُحْدَثًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (كَوْنُهُ قَوِيًّا مُصَمَّمًا) مُحْكَمًا بِلَا تَرَدُّدٍ.
(وَ) فِي (الْأُصُولِ) مُطْلَقُ الِاعْتِقَادِيَّاتِ أَوْ أُمَّهَاتِهَا كَحُدُوثِ الْعَالَمِ وَالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الشَّرْعِيِّ (وَ) فِي (الْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ) مِنْ نَحْوِ الْمَلَكَاتِ الرَّدِيئَةِ وَالْحَمِيدَةِ (وَأَنْ يَكُونَ خَيْرًا عَقِيبَ اجْتِهَادٍ) بَذْلُ جُهْدٍ وَصَرْفُ طَاقَةٍ (وَطَاعَةٍ إكْرَامًا) مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (فَيُسَمَّى) الْخَاطِرُ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ (هِدَايَةً وَتَوْفِيقًا وَلُطْفًا وَعِنَايَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} [العنكبوت: ٦٩] بَذَلُوا جَهْدَهُمْ فِي امْتِثَالِ أَوَامِرِنَا وَاجْتِنَابِ نَوَاهِينَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute