{لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: ٦٩] طُرُقَنَا الْمُوَصِّلَةَ إلَيْنَا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا} [محمد: ١٧] بِإِتْيَانِ الْعِبَادَاتِ {زَادَهُمْ} [محمد: ١٧] اللَّهُ {هُدًى} [محمد: ١٧] بِخَوَاطِرَ تَدُلُّهُمْ عَلَى كَيْفِيَّةِ الْوُصُولِ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (أَوْ) أَنْ يَكُونَ (شَرًّا عَقِيبَ ذَنْبٍ) كَبِيرَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ (إهَانَةً) لِذَلِكَ الْعَبْدِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِشُؤْمِ ذَلِكَ الذَّنْبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: ١٤] فَيُؤَدِّي الذَّنْبُ إلَى قَسْوَةِ الْقَلْبِ أَوَّلُهَا خَاطِرٌ ثُمَّ يُؤَدِّي إلَى الْقَسْوَةِ وَالرَّيْنِ (وَعُقُوبَةً) عَاجِلَةٌ فِي الدُّنْيَا (فَيُسَمَّى) الْخَاطِرُ (خِذْلَانًا) هُوَ تَرْكُ الْعَوْنِ وَضِدُّ التَّوْفِيقِ (وَإِضْلَالًا) قِيلَ أَيْ إضَاعَةً وَتَحْيِيرًا وَقِيلَ هَذَا إذَا أَبْقَى لِلْعَبْدِ فِي الْجُمْلَةِ اخْتِيَارًا.
وَأَمَّا إذَا اشْتَدَّ حَتَّى سَلَبَ الِاخْتِيَارَ مِنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَيُسَمَّى خَتْمًا وَطَبْعًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُتَصَوَّرُ الْعِلَاجُ (وَإِمَّا بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إمَّا ابْتِدَاءً (مُوَكَّلٍ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى ابْنِ آدَمَ جَاثِمٍ) مُكِبٍّ وَمُلَازِمٍ (عَلَى أُذُنِ قَلْبِهِ الْيُمْنَى) يُلْهِمُهُ (يُقَالُ لَهُ الْمُلْهِمُ وَلِدَعْوَتِهِ الْإِلْهَامَ وَلَا تَكُونُ) هَذِهِ الدَّعْوَةُ (إلَّا إلَى خَيْرٍ) قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةٌ بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةٌ» يَعْنِي نَزْلَةٌ بِالدَّعْوَةِ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ.
وَزَادَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ هَذِهِ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهَا مِنْ اللَّهِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ» .
قَالَ عَبْدُ الرَّءُوفِ الْمُنَاوِيُّ الْإِيعَادُ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ وَالْخَيْرِ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ الْفَرْقُ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ اللَّمَّتَيْنِ لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ وَالْخَوَاطِرُ بِمَنْزِلَةِ الْبَذْرِ فَمِنْهَا مَا هُوَ بَذْرُ السَّعَادَةِ وَمِنْهَا مَا هُوَ بَذْرُ الشَّقَاوَةِ.
وَسَبَبُ اشْتِبَاهِ الْخَوَاطِرِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ لَا خَامِسَ لَهَا ضَعْفُ الْيَقِينِ أَوْ قِلَّةُ الْعِلْمِ بِمَعْرِفَةِ صِفَاتِ النَّفْسِ وَأَخْلَاقِهَا أَوْ مُتَابَعَةُ الْهَوَى بِخَرْمِ قَوَاعِدِ التَّقْوَى أَوْ مَحَبَّةُ الدُّنْيَا مَالِهَا وَجَاهِهَا، وَطَلَبُ الْمَنْزِلَةِ وَالرِّفْعَةِ عِنْدَ النَّاسِ فَمَنْ عُصِمَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فَرَّقَ بَيْنَ لَمَّةِ الْمَلَكِ وَلَمَّةِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ اُبْتُلِيَ بِهَا لَمْ يُفَرِّقْ، وَانْكِشَافُ بَعْضِ الْخَوَاطِرِ دُونَ بَعْضٍ لِوُجُودِ بَعْضِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ دُونَ بَعْضٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ أَكَلَ الْحَرَامَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْوَسْوَسَةِ وَالْإِلْهَامِ.
(وَعَلَامَتُهُ) أَيْ خَاطِرِ الْمَلَكِ (كَوْنُهُ مُتَرَدِّدًا) إذْ الْمَلَكُ بِمَنْزِلَةِ نَاصِحٍ يَدْخُلُ مَعَك مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيَعْرِضُ عَلَيْك كُلَّ نُصْحٍ رَجَاءَ إجَابَتِك وَرَغْبَتِك فِي الْخَيْرِ (وَفِي الْفُرُوعِ وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ) فِي الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْمَلَكَ لَا يَطَّلِعُ عَلَى الْعَقَائِدِ وَالْأَعْمَالِ الْبَاطِلَةِ فِي أَكْثَرِهِمْ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ فَالْإِطْلَاقُ لَيْسَ بِحَسَنٍ (وَبِلَا سَبْقِ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ فِي الْأَغْلَبِ) هَذَا مُخَالِفٌ أَيْضًا لِمَا فِي الْمِنْهَاجِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ أَيْ خَاطِرُ الْخَيْرِ مُبْتَدَأً فَمِنْ الْمَلَكِ فِي الْأَغْلَبِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ أَيْضًا مَعْرِفَةُ خَاطِرِ الْخَيْرِ مِنْ اللَّهِ أَوْ مِنْ الْمَلَكِ بِثَلَاثَةٍ إنْ قَوِيَا فَمِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - وَإِنْ مُتَرَدِّدًا فَمِنْ الْمَلَكِ وَإِنْ عَقِيبَ اجْتِهَادٍ وَطَاعَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَإِنْ ابْتِدَاءً فَمِنْ الْمَلَكِ فِي الْأَغْلَبِ وَإِنْ فِي الْأُصُولِ فَمِنْ اللَّهِ وَإِنْ فِي الْفُرُوعِ وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ فَمِنْ الْمَلَكِ فِي الْأَكْثَرِ فَقَدْ عَرَفْت زِيَادَةَ قَوْلِهِ أَوْ مَعْصِيَةٌ فَافْهَمْ (أَوْ بِوَاسِطَةِ) الظَّاهِرُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَأَمَّا بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ إمَّا ابْتِدَاءً فَالْأَوْلَى وَإِمَّا بِوَاسِطَةِ (طَبِيعَةٍ مَائِلَةٍ إلَى الشَّهَوَاتِ) وَنَيْلِ اللَّذَّاتِ كَيْفَ كَانَتْ مِنْ حُسْنٍ أَوْ قُبْحٍ (يُقَالُ لَهَا النَّفْسُ) لَعَلَّ هِيَ النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ الَّتِي تَمِيلُ إلَى الطَّبِيعَةِ الْبَدَنِيَّةِ وَتَأْمُرُ بِاللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ الْحِسِّيَّةِ وَتَجْذِبُ الْقَلْبَ إلَى الْجِهَةِ السُّفْلِيَّةِ فَهِيَ مَأْوَى الشَّرِّ وَمَنْبَعُ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ وَالْأَفْعَالِ السَّيِّئَةِ (وَ) يُقَالُ أَيْ يُسَمَّى (لِدَعْوَتِهَا هَوًى) .
وَفُسِّرَ أَيْضًا بِمَيْلِ النَّفْسِ إلَى مُقْتَضَيَاتِ الطَّبْعِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْجِهَةِ الْعُلْوِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute