إلَى السُّفْلِيَّةِ (وَلَا تَكُونُ) تِلْكَ الدَّعْوَةُ (إلَّا إلَى الشَّرِّ) وَلَا يُتَصَوَّرُ رُجُوعُهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا مِنْ حِزْبِ الشَّيْطَانِ وَمُبْعِدَةٌ عَنْ الرَّحْمَنِ وَقَدْ عَرَفْت مَاهِيَّتَهَا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعْدَى عَدُوِّك نَفْسُك الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْك» (وَعَلَامَتُهُ) أَيْ مِنْ النَّفْسِ (كَوْنُهُ مُصَمَّمًا رَاتِبًا) ثَابِتًا وَقِيلَ مُتَكَرِّرًا بِالْأَمْثَالِ (عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ) فَإِنَّهَا لَا تَزُولُ عَنْ الْإِقْدَامِ إلَى أَنْ تَصِلَ إلَى مُرَادِهَا وَتُحَصِّلَ مَقْصُودَهَا (وَأَنْ لَا يَضْعُفَ وَلَا يَقِلَّ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى) وَلَا يَزُولُ قِيلَ إلَّا بِصِدْقِ الْمُجَاهَدَةِ وَعَنْ بَعْضِ الْعَارِفِينَ الْهَوَى كَالنَّمِرِ إذَا حَارَبَ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا بِقَمْعٍ بَالِغٍ وَقَهْرٍ ظَاهِرٍ أَوْ مِثْلُ الْخَارِجِيِّ الَّذِي يُقَاتِلُ تَدَيُّنًا لَا يَكَادُ يَرْجِعُ حَتَّى يُقْتَلَ، وَمَثَلُ الشَّيْطَانِ كَالذِّئْبِ إذَا طَرَدْته مِنْ جَانِبٍ دَخَلَ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ أَوْ إطْلَاقٌ مَجَازِيٌّ نَزَّلَ مَا يَصْعُبُ زَوَالُهُ مَنْزِلَةَ مَا لَا يَزُولُ وَبِالْجُمْلَةِ الْخَاطِرُ الشَّرُّ مِنْ قِبَلِ النَّفْسِ يُعْرَفُ بِأَمْرَيْنِ التَّصْمِيمِ عَلَى وَاحِدَةٍ وَعَدَمِ الزَّوَالِ بِذِكْرِهِ، هَذَا وَإِنْ طَابَقَ لِمَأْخَذِهِ مِنْهَاجَ الْعَابِدِينَ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ أَوَّلَهُمَا مُسْتَلْزِمٌ لِآخِرِهِمَا (أَوْ بِوَاسِطَةِ) أَيْ وَإِمَّا بِوَاسِطَةِ (شَيْطَانٍ مُسَلَّطٍ) مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - لِحِكْمَةٍ كَالِاخْتِيَارِ وَتَكْثِيرِ الْأَجْرِ بِمُجَاهَدَتِهِ (عَلَى ابْنِ آدَمَ جَاثِمٍ عَلَى أُذُنِ قَلْبِهِ الْيُسْرَى) صِفَةُ أُذُنٍ (يُقَالُ لَهُ الْوَسْوَاسُ) الْمُوَسْوِسُ فَالتَّسْمِيَةُ لِلْمُبَالَغَةِ؛ لِأَنَّهَا دَأْبُهُ وَعَادَتُهُ (الْخَنَّاسُ) الَّذِي عَادَتُهُ أَنْ يَخْنِسَ أَيْ يَتَأَخَّرَ إذَا ذَكَرَ الْإِنْسَانُ رَبَّهُ؛ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ بِهِ (وَلِدَعْوَتِهِ الْوَسْوَسَةَ وَعَلَامَتُهُ) أَيْ مِنْ الشَّيْطَانِ (كَوْنُهُ مُتَرَدِّدًا أَوْ مُضْطَرِبًا) إذْ لَا يُصِرُّ عَلَى شَيْءٍ فَإِنْ لَمْ يُجِبْ الْعَبْدُ دَعْوَتَهُ لِشَيْءٍ يَنْقُلُهُ إلَى آخَرَ إذْ لَا غَرَضَ لَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ الْخَاصَّةِ بَلْ مُرَادُهُ الْإِضْلَالُ كَيْفَ مَا كَانَ.
(وَبِلَا سَبْقِ ذَنْبٍ) مِنْهُ (فِي الْأَكْثَرِ) أَيْ أَكْثَرِ الْأَشْخَاصِ أَوْ أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ أَوْ أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَوْلَى فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ بِدَعْوَةِ الشَّرِّ وَيَطْلُبُ الْإِغْوَاءَ بِكُلِّ حَالٍ (وَأَنْ يَقِلَّ وَيَضْعُفَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى) لِأَنَّ عَادَتَهُ أَنْ يَخْنِسَ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ كَمَا قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى - {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [الناس: ٤]- فَافْهَمْ، فَالْأَوْفَقُ أَنْ يُقَالَ كَوْنُهُ ضَعِيفًا أَوْ زَائِلًا بِذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَلِهَذِهِ الْعَلَامَةِ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ التَّرَدُّدُ وَعَدَمُ السَّبْقِ وَالضَّعْفُ عِنْدَ الذِّكْرِ، فَالْأَوَّلُ مَعَ الثَّالِثِ كَالْمُتَقَارِبِ لَكِنَّهُ قَصَدَ زِيَادَةَ تَوْضِيحٍ وَأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْغَزَالِيِّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
(وَيَكُونُ) خَاطِرُ الشَّيْطَانِ (شَرًّا فِي الْأَغْلَبِ وَقَدْ يَكُونُ) خَاطِرُ الشَّيْطَانِ (خَيْرًا مَفْضُولًا) لَا لِذَاتِهِ بَلْ (لَأَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ) الْخَيْرِ (الْفَاضِلِ) فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَنْعِ بِالْكُلِّيَّةِ فَبِالْآخِرَةِ يَرْضَى عَلَى ذَلِكَ (أَوْ يَجُرُّهُ) أَيْ الْعَبْدُ بِذَلِكَ الْخَيْرِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ الْمَفْضُولُ لَكِنْ الْمُنَاسِبُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى هُوَ الْخَيْرُ مُطْلَقًا وَلَوْ فَاضِلًا وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْمِنْهَاجِ الشَّيْطَانُ رُبَّمَا يَدْعُو إلَى الْخَيْرِ لِقَصْدِ الشَّرِّ كَالدَّعْوَةِ إلَى الْمَفْضُولِ لِلْمَنْعِ عَنْ الْفَاضِلِ أَوْ الدَّعْوَةِ إلَى الْخَيْرِ لِيَجُرَّهُ إلَى ذَنْبٍ عَظِيمٍ لَا يَفِي خَيْرُهُ بِذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ عَجَبٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَ (إلَى ذَنْبٍ عَظِيمٍ) ضَرَرًا مِنْ نَفْعِ الْخَيْرِ كَالنَّفْعِ الْجُزْئِيِّ لِلضَّرَرِ الْكُلِّيِّ، وَالْحَظْرُ رَاجِحٌ عَلَى مُطْلَقِ الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَالْحُرْمَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ (وَعَلَامَتُهُ) مِنْ الشَّيْطَانِ لِلْمَنْعِ وَالْإِفْضَاءِ الْمَذْكُورَيْنِ (أَنْ يَكُونَ قَلْبُك فِيهِ) فِي ذَلِكَ الْخَيْرِ (مَعَ نَشَاطٍ) وَسُرُورٍ (لَا مَعَ خَشْيَةٍ) وَخُضُوعٍ (وَمَعَ عَجَلَةٍ لَا مَعَ تَأَنٍّ) لِأَنَّ الْعَجَلَةَ مِنْ الشَّيْطَانِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ وَالتَّأَنِّي مِنْ الرَّحْمَنِ وَفِي الْمِنْهَاجِ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ إلَّا فِي خَمْسَةٍ تَزْوِيجِ الْبِكْرِ إذَا أَدْرَكَتْ، وَقَضَاءِ الدَّيْنِ إذَا وَجَبَ، وَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ إذَا مَاتَ، وَقِرَى الضَّيْفِ إذَا نَزَلَ، وَالتَّوْبَةِ مِنْ ذَنْبٍ إذَا أَذْنَبَ»
(وَمَعَ أَمْنٍ لَا مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute