خَوْفٍ وَمَعَ عَمَى الْعَاقِبَةِ لَا مَعَ بَصِيرَةٍ) قِيلَ مِنْ الْخَوَاطِرِ مَا يَعْرِضُ مِنْ جِهَةِ الْمِزَاجِ مُمِيلًا إلَى مَا يُوَافِقُ فَهَذَا إذَا تَمَكَّنَ سُمِّيَ شَهْوَةً وَضِدُّهُ نُفْرَةٌ وَمِنْهُ مَا يَعْرِضُ لِنَيْلِ رُتْبَةٍ فَإِذَا تَمَكَّنَ سُمِّيَ هِمَّةً وَمِنْهُ مَا يَعْرِضُ بَاعِثًا عَلَى الْفِعْلِ الْقَبِيحِ فَإِذَا تَمَكَّنَ سُمِّيَ سَيِّئَةً وَمِنْهُ مَا يَعْرِضُ بِاسْتِعْجَالِ اللِّقَاءِ فَإِذَا تَمَكَّنَ سُمِّيَ شَوْقًا وَمِنْهُ مَا يَعْرِضُ بِتَثْبِيتِ حُكْمٍ أَوْ شَيْءٍ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فَإِذَا تَمَكَّنَ سُمِّيَ عِلْمًا وَإِنْ مُتَرَدِّدًا سُمِّيَ شَكًّا فَإِنْ عَرَضَ بِذِكْرِ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الثَّبَاتِ سُمِّيَ جَهْلًا وَلِجَمِيعِ الْأَخْلَاقِ وَالْخِصَالِ خَوَاطِرُ مَتَى تَمَكَّنَتْ سُمِّيَتْ بِأَسْمَاءٍ تَخُصُّهَا
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مِنْ الْخَاطِرِ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَلَكِ وَمَا يَكُونُ مِنْ الشَّيْطَانِ مَا خَرَّجَ (س ت) النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ (عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «فِي الْقَلْبِ لَمَّتَانِ» تَثْنِيَةُ لَمَّةٍ بِالْفَتْحِ مِنْ الْإِلْمَامِ وَهُوَ الْقُرْبُ وَقِيلَ بِمَعْنَى الْمَسِّ «لَمَّةٌ مِنْ الْمَلَكِ بِإِيعَادٍ» عَلَى زِنَةِ إفْعَالٍ «بِالْخَيْرِ» فِي الْمُنَاوِيِّ عَنْ الْقَاضِي وَإِنْ اخْتَصَّ بِالشَّرِّ عُرْفًا يُقَالُ أَوْعَدَهُ إذَا وَعَدَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُشَاكَلَةِ لِمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِمَا قَبْلَهَا وَإِنْ كَثُرَ فِيهِ أَوْ لِلْأَمْنِ مِنْ الِاشْتِبَاهِ بِذِكْرِ الْخَيْرِ «وَتَصْدِيقٍ بِالْحَقِّ» فَإِنَّ الْمَلَكَ وَالشَّيْطَانَ يَتَعَاقَبَانِ عَلَى الْقَلْبِ تَعَاقُبَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ لَيْلُهُ أَطْوَلَ مِنْ نَهَارِهِ وَآخَرُ بِضِدِّهِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ زَمَنُهُ نَهَارًا كُلَّهُ وَآخَرُ بِضِدِّهِ «وَلَمَّةٌ مِنْ الْعَدُوِّ» أَيْ الشَّيْطَانِ «بِإِيعَادٍ بِالشَّرِّ» مِمَّا يُؤَدِّي إلَى كُلِّ مَا فِيهِ خَطَرٌ إلَى تَرْكِ الْفَاضِلِ بِإِرَاءَةِ الْمَفْضُولِ «وَتَكْذِيبٍ بِالْحَقِّ وَنَهْيٍ عَنْ الْخَيْرِ» كَعَقَائِدِ أَهْلِ الْبِدَعِ.
قَالَ فِي الْفَيْضِ الْمَلَكُ عِبَارَةٌ عَنْ خَلْقٍ خَلَقَهُ اللَّهُ شَأْنُهُ إفَاضَةُ الْخَيْرِ وَإِفَادَةُ الْعِلْمِ وَكَشْفُ الْحَقِّ وَالْوَعْدِ بِالْمَعْرُوفِ.
وَالشَّيْطَانُ عِبَارَةٌ عَنْ خَلْقٍ شَأْنُهُ الْوَعِيدُ بِالشَّرِّ وَالْأَمْرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْقَلْبُ مُتَجَاذَبٌ بَيْنَ الشَّيْطَانِ وَالْمَلَكِ فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً وَقَفَ عِنْدَ هَمِّهِ فَمَا كَانَ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - أَمْضَاهُ وَمَا كَانَ مِنْ عَدُوِّهِ جَاهَدَهُ وَالْقَلْبُ بِأَصْلِ الْفِطْرَةِ صَالِحٌ لِقَبُولِ آثَارِ الْمَلَائِكَةِ وَالشَّيَاطِينِ مُتَسَاوِيًا لَكِنْ يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا بِاتِّبَاعِ الْهَوَى وَالْإِكْبَابِ عَلَى الشَّهَوَاتِ أَوْ الْإِعْرَاضِ عَنْهَا وَمُخَالَفَتِهَا (دُنْيَا) ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا (عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) قِيلَ عَنْ التَّيْمِيِّ فِيهِ عَدِيُّ بْنُ عَمَّارٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ ضَعْفَهُ لَا يَضُرُّ بِاحْتِجَاجِنَا هُنَا (أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خُرْطُومَهُ» كَزُنْبُورِ الْأَنْفِ أَوْ مُقَدَّمِهِ أَوْ مَا ضَمَمْت عَلَيْهِ الْحَنَكَيْنِ، كَمَا نُقِلَ عَنْ الْقَامُوسِ لَكِنْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ هَذَا الْمَخْرَجِ وَاضِعٌ خَطْمَهُ وَفُسِّرَ أَيْ فَمُهُ وَأَنْفُهُ وَالْخَطْمُ مِنْ الطَّيْرِ مِنْقَارُهُ وَمِنْ الدَّابَّةِ مُقَدَّمُ أَنْفِهَا وَفَمِهَا «عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ فَإِنْ» وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَإِذَا ( «ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى خَنَسَ» تَأَخَّرَ وَانْقَبَضَ ( «وَإِنْ نَسِيَ اللَّهَ تَعَالَى الْتَقَمَ قَلْبَهُ» يَجْعَلُ قَلْبَهُ لُقْمَةً فِي فَمِهِ.
قَالَ فِي الْفَيْضِ فَبُعْدُ الشَّيْطَانِ مِنْ الْإِنْسَانِ عَلَى قَدْرِ ذِكْرِهِ وَالنَّاسُ فِيهِ يَتَفَاوَتُونَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخَرَّازُ رَأَيْت إبْلِيسَ فَأَخَذَ عَنِّي نَاحِيَةً، فَقُلْت تَعَالَ، فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَعْمَلُ بِكُمْ لَزِمْتُمْ الذِّكْرَ وَطَرَحْتُمْ مَا أُخَادِعُ بِهِ قُلْت مَا هُوَ قَالَ الدُّنْيَا فَوَلَّى ثُمَّ الْتَفَتَ وَقَالَ بَقِيَ لِي فِيكُمْ لَطِيفَةٌ هِيَ السَّمَاعُ وَصُحْبَةُ الْأَشْرَارِ
قَالَ الْغَزَالِيُّ مَهْمَا غَلَبَ عَلَى الْقَلْبِ ذِكْرُ الدُّنْيَا وَمُقْتَضَيَاتُ الْهَوَى وَجَدَ الشَّيْطَانُ مَجَالًا فَوَسْوَسَ وَمَهْمَا انْصَرَفَ الْقَلْبُ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ ارْتَحَلَ الشَّيْطَانُ وَضَاقَ مَجَالُهُ وَقَالَ الْحَكِيمُ قَدْ أُعْطِيَ الشَّيْطَانُ وَجُنْدُهُ السَّبِيلَ إلَى فِتْنَةِ الْآدَمِيِّ وَتَزْيِينِ مَا فِي الْأَرْضِ لَهُ طَمَعًا فِي غَوَايَةٍ فَهُوَ يُهَيِّجُ النُّفُوسَ إلَى تِلْكَ الزِّينَةِ تَهْيِيجًا يُزَعْزِعُ أَرْكَانَ الْبَدَنِ وَيَسْتَفِزُّ الْقَلْبَ حَتَّى يُزْعِجَهُ عَنْ مَقَرِّهِ وَلَا يَعْتَصِمُ بِشَيْءٍ أَوْثَقَ مِنْ الذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا هَاجَ الذِّكْرُ مِنْ الْقَلْبِ هَاجَتْ الْأَنْوَارُ فَاشْتَعَلَ الصَّدْرُ بِنَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute