للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَنْوَارِ وَهَيَّجَ الْعَدُوُّ نَارَ الشَّهَوَاتِ وَإِذَا رَأَى الْعَدُوُّ هَيَجَانَ الذِّكْرِ مِنْ الْقَلْبِ وَلَّى هَارِبًا وَخَمَدَتْ نَارُ الشَّهَوَاتِ وَامْتَلَأَ الصَّدْرُ نُورًا فَبَطَلَ كَيْدُهُ وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ مَوْضِعَ الشَّيْطَانِ مِنْ قَلْبِ الْآدَمِيِّ فَرَأَى فِي الْمَنَامِ جَسَدَ رَجُلٍ يُشْبِهُ الْبَلُّورَ يُرَى دَاخِلُهُ مِنْ خَارِجِهِ وَالشَّيْطَانُ بِصُورَةِ ضِفْدِعٍ قَاعِدٍ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ لَهُ خُرْطُومٌ طَوِيلٌ أَدْخَلَهُ فِي مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ إلَى قَلْبِهِ يُوَسْوِسُ إلَيْهِ فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ وَمِثْلُ هَذَا قَدْ يُشَاهَدُ فِي الْيَقَظَةِ وَقَدْ رَآهُ بَعْضُ الْمُكَاشِفِينَ بِصُورَةِ كَلْبٍ جَاثِمٍ عَلَى جِيفَةٍ يَدْعُو النَّاسَ إلَيْهَا وَالْقَصْدُ أَنْ يُصَدَّقَ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْكَشِفُ لِأَرْبَابِ الْقُلُوبِ وَكَذَا الْمَلَكُ انْتَهَى.

(وَ) أَمَّا (عَلَامَةُ خَاطِرِ الشَّرِّ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ مِنْ اللَّهِ أَوْ الشَّيْطَانِ أَوْ النَّفْسِ (وَعَلَامَةُ خَاطِرِ الْخَيْرِ كَذَلِكَ) مُطْلَقًا سِوَى النَّفْسِ (فَلِمُعْرِفَتِهِمَا أَرْبَعَةُ مَوَازِينَ) جَمْعُ مِيزَانٍ (مَرْتَبَةٌ) لَا يَعْدِلُ إلَى ثَانِيهَا بِدُونِ تَعَثُّرٍ أَوَّلُهَا فِي الْكُلِّ (الْأَوَّلُ عَرْضُهُ عَلَى الشَّرْعِ فَإِنْ وَافَقَ) الْخَاطِرُ (جِنْسَهُ) فِعْلًا أَوْ تَرْكًا يَعْنِي لَا يَلْزَمُ مُوَافَقَةُ شَخْصِهِ إذْ رُبَّمَا لَا يُوجَدُ نَصٌّ عَلَى أَعْيَانِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ بَلْ يُوجَدُ تَحْتَ الْعُمُومَاتِ، وَكَذَا الْأَحْكَامُ الْمُسْتَخْرَجَةُ مِنْ الْمُجْتَهِدِ بِالنَّظَرِ إلَيْنَا بَلْ تَحْتَ قَوَاعِدِهِمْ الْكُلِّيَّةِ (فَخُيِّرَ وَإِنْ) وَافَقَ (ضِدُّهُ) ضِدَّ جِنْسِ ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَكُونَ عَيْنُهُ ثَابِتًا بِنَصٍّ وَلَا دَاخِلًا تَحْتَ عُمُومِ شَرْعٍ وَلَا يَكُونُ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ الْكُلِّيَّاتِ (فَشَرٌّ) قِيلَ فَإِنْ كَانَ نَفْلًا أَوْ فَرْضًا يُمْضِيهِ وَإِنْ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا يَنْفِيهِ وَإِنْ اسْتَوَى الْخَاطِرُ أَنْ يَنْفُذَ أَقَرَّ بِهِمَا إلَى خِلَافِ هَوَى النَّفْسِ وَهَذَا الْمِيزَانُ لِلْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ لَا لِكُلِّ، أَحَدٍ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا لَا يُوجَدُ فِيهِ نَصٌّ فَلَيْسَ بِخَيْرٍ وَلَا شَرٍّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ دُخُولَ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ تَحْتَ ذَلِكَ الْجِنْسِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ هُوَ الْإِبَاحَةُ فَتَأَمَّلْ.

(وَ) الْمِيزَانُ (الثَّانِي عَرْضُهُ) أَيْ الْخَاطِرِ (عَلَى عَالِمٍ) لَا مُطْلَقًا بَلْ (مِنْ عُلَمَاءِ الْآخِرَةِ) الْمُتَشَرِّعَةِ وَالْمُتَسَنِّنَةِ وَالْمُتَوَرِّعَةِ احْتِرَازٌ عَنْ عُلَمَاءِ الدُّنْيَا الَّذِينَ يَجْعَلُونَ عُلُومَهُمْ آلَةً لِجَمْعِ الدُّنْيَا وَجَلْبِ الْأَمْوَالِ وَوُصُولِ الْمَنَاصِبِ وَالتَّرَفُّعِ وَلَا يَعْمَلُونَ بِمُقْتَضَى عُلُومِهِمْ وَلَا يَحْتَاطُونَ فِي أَعْمَالِهِمْ وَلَا يَجْتَنِبُونَ عَنْ الشُّبُهَاتِ، بَلْ يَرْتَكِبُونَ الْمَكْرُوهَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ فَكُلَّمَا ازْدَادُوا عِلْمًا ازْدَادُوا مَقْتًا وَسُخْطًا وَإِنَّ عَمَلَهُمْ رِيَاءٌ وَعُجْبٌ وَنَحْوُهُمَا، فَهُمْ أَظْلَمُ خَلْقِ اللَّهِ لَا يَصْلُحُونَ لِلِاقْتِدَاءِ بَلْ الْإِعْرَاضُ عَنْهُمْ وَالْفِرَارُ مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: ٢٨] (وَ) عَلَى (مُرْشِدٍ كَامِلٍ) فِي صِفَةِ الْإِرْشَادِ بِأَنْ يَكُونَ مُعْرِضًا عَنْ حُبِّ الدُّنْيَا وَحُبِّ الْجَاهِ وَقَدْ كَانَ تَابِعٌ لِشَخْصٍ بَصِيرٍ تَتَسَلْسَلُ مُتَابَعَتُهُ إلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ مُحْسِنًا لِرِيَاضَةِ نَفْسِهِ مِنْ قِلَّةِ الْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَكَثْرَةِ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالصَّوْمِ وَكَانَ بِمُتَابَعَةِ الشَّيْخِ الْبَصِيرِ جَاعِلًا مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ لَهُ سِيرَةً كَالصَّبْرِ وَالشُّكْرِ وَالتَّوَكُّلِ وَالْيَقِينِ وَالْخَسَارَةِ وَالْقَنَاعَةِ وَطُمَأْنِينَةِ النَّفْسِ وَالْحِلْمِ وَالتَّوَاضُعِ وَالْعِلْمِ وَالصِّدْقِ وَالْحَيَاءِ وَالْوَفَاءِ وَالْوَقَارِ وَالتَّأَنِّي وَأَمْثَالِهَا، فَهُوَ إذَنْ نُورٌ مِنْ أَنْوَارِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَصْلُحُ لِلِاقْتِدَاءِ لَكِنْ وُجُودُ مِثْلِهِ نَادِرٌ أَعَزُّ مِنْ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ إلَى آخِرِ مَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي نَصَائِحِهِ الْوَلَدِيَّةِ (إنْ وُجِدَ قِيلَ) أَيْ إنْ ظَفِرَ وَإِلَّا فَهُوَ مَوْجُودٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا تَخْلُو الْبِلَادُ عَنْهُ.

(فَإِنْ قَالَ) هُوَ (خَيْرٌ فَخَيْرٌ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَإِنْ) قَالَ هُوَ (شَرٌّ فَشَرٌّ) عِنْدَ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَمَانَةٍ فَإِنَّهُ صَاحِبُ تَصَرُّفٍ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ (وَالثَّالِثُ عَرْضُهُ عَلَى الصَّالِحِينَ) الْقَائِمِينَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ الْمُنْتَهِينَ عَنْ جَمِيعِ مَا نَهَى اللَّهُ الَّذِينَ صَرَفُوا رَيْعَانَ أَعْمَارِهِمْ بِمُجَاهَدَةِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَتَفَرَّغُوا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ سِوَى اللَّهِ وَجَعَلُوا عَزَائِمَ الْأَعْمَالِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ كَالْوَاجِبِ وَرُخَصَهَا كَالْمُحَرَّمِ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يَسْكُتَ عَنْ قَوْلِهِ وَمُرْشِدٌ كَامِلٌ فِي السَّابِقِ وَيَزِيدُ هُنَا أَوْ يَسْكُتُ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَمَّا الْغَزَالِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ فَقَدْ ثَلَّثَ الْأَقْسَامَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَرْضَ عَلَى الْعَالِمِ لَعَلَّهُ أَرَادَ بِالصَّالِحِينَ مَا يَشْمَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>