(رَدَّهُ بِأَنْ قَالَ) قَوْلًا مَعْقُولًا لَا مَلْفُوظًا وَإِنْ جَازَ ذَلِكَ أَيْضًا لِلشَّيْطَانِ (إنِّي مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ) الطَّاعَةِ وَلَوْ اسْتِحْبَابًا (جِدًّا) احْتِيَاجًا قَطْعِيًّا إذْ الْفَرَائِضُ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا لِلتَّخَلُّصِ مِنْ وِزْرِ تُرُوكِهَا وَلِثَوَابِهَا أَيْضًا، وَنَحْوُ الِاسْتِحْبَابِ لِثَوَابِهِ كَمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - طَلَبُ الْجَنَّةِ بِلَا عَمَلٍ ذَنْبٌ مِنْ الذُّنُوبِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْأَحْمَقُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ» أَيْ الرَّحْمَةَ وَالْمَغْفِرَةَ (إذْ لَا بُدَّ مِنْ التَّزَوُّدِ) أَخْذِ الزَّادِ سِيَّمَا بِخَيْرِ الزَّادِ الَّذِي هُوَ التَّقْوَى فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِكُلِّ مُسَافِرٍ سِيَّمَا إلَى سَفَرٍ بَعِيدٍ مِنْ الزَّادِ، وَزَادُ الْمُسَافِرِ لِلسَّيْرِ إلَى اللَّهِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم: ٤٢] وَ {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق: ٨] كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ) السَّرِيعَةِ الزَّوَالِ (لِلْآخِرَةِ الَّتِي لَا انْقِضَاءَ لَهَا) وَلَا انْقِطَاعَ.
قَالَ فِي النَّصَائِحِ الْوَلَدِيَّةِ لِلْغَزَالِيِّ إنَّ رَجُلًا فِي بَنِي إسْرَائِيلَ عَبَدَ اللَّهَ سَبْعِينَ سَنَةً فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ مَلَكًا يُخْبِرُهُ أَنَّهُ مَعَ تِلْكَ الْعِبَادَةِ لَا يَلِيقُ بِهِ فَلَمَّا بَلَغَهُ قَالَ الْعَابِدُ نَحْنُ خُلِقْنَا لِلْعِبَادَةِ فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعْبُدَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ الْمَلَكُ قَالَ إلَهِي أَنْتَ أَعْلَمُ بِمَا قَالَ فَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - إذًا هُوَ لَمْ يُعْرِضْ عَنْ عِبَادَتِنَا فَنَحْنُ مَعَ الْكَرَمِ لَا نُعْرِضُ عَنْهُ اشْهَدُوا يَا مَلَائِكَتِي أَنِّي قَدْ غَفَرْت لَهُ وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ بِدُونِ الْجَهْدِ يُحَصِّلُ فَهُوَ مُتَمَنٍّ وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ بِبَذْلِ الْجَهْدِ يَصِلُ فَهُوَ مُتَعَنٍّ، وَأَمَّا إذَا عَادَ الشَّيْطَانُ وَقَالَ لَوْ أَوْجَبَ الْعَمَلُ النَّفْعَ لَا تَنْفَعُ نَحْوُ بِرْصِيصَ وَبَلْعَامَ وَلَوْ أَخَّرَ تَرْكَ الْعَمَلِ لَتَضَرَّرَ نَحْوُ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ فَسَنَدْفَعُ مِنْ جَوَابِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ انْدَفَعَ أَيْضًا بِمَا ذُكِرَ آنِفًا.
(ثُمَّ) إذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَيَنْتَقِلُ إلَى آخَرَ (يَأْمُرُهُ) أَيْ يَأْمُرُ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ (بِالتَّسْوِيفِ) أَيْ بِتَأْخِيرِ الْعَمَلِ إمَّا أَوَانَ الشَّيْبِ أَوْ إلَى فَرَاغِ عَمَلٍ مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا أَوْ إلَى وَقْتٍ مُبَارَكٍ أَوْ مَكَان مُبَارَكٍ (فَإِنْ) لِلشَّرْطِ (عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَدَّهُ) أَرَادَ عِصْمَتَهُ، الْمَفْهُومُ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ أَنَّ أَجْوِبَةَ ذَلِكَ كُلِّهِ إنَّمَا هِيَ بِعِصْمَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَقَطْ وَلَا دَخْلَ لِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ وَذَلِكَ جَبْرٌ مَحْضٌ مُخِلٌّ لِقَاعِدَةِ التَّكْلِيفِ وَسَتَعْلَمُ مِنْ قَاعِدَةِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ كَمَا سَبَقَ أَنَّهُ مَا مِنْ مَذْهَبٍ إلَّا وَفِيهِ قَدَمٌ رَاسِخٌ مِنْ الْجَبْرِ، كَمَا نُقِلَ عَنْ السَّلَفِ أَنَّهُ لَا جَبْرَ وَلَا تَفْوِيضَ وَلَكِنْ أَمْرٌ بَيْنَهُمَا (بِأَنْ قَالَ لَيْسَ أَجَلِي بِيَدِي) بَلْ بِيَدِ اللَّهِ فَلَا يُمْكِنُ إطَالَتُهُ وَلَا أَعْلَمُ وَقْتَهُ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ فِي كُلِّ نَفَسٍ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَقْتٍ وَظِيفَةُ طَاعَةٍ وَلَوْ أَخَّرْت طَاعَةَ هَذَا الْوَقْتِ إلَى وَقْتٍ آخَرَ فَمَا أَفْعَلُ بِوَظِيفَةِ ذَلِكَ الْوَقْتِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ (عَلَى أَنِّي إنْ سَوَّفْت) مِنْ سَوْفَ بِمَعْنَى التَّأْخِيرِ (عَمَلَ الْيَوْمِ إلَى غَدٍ فَعَمَلُ الْغَدِ مَتَى أَعْمَلُهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلًا) مَخْصُوصًا بِهِ لَا يُتَدَارَكُ بَعْدَ هَذَا الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ مَشْغُولٍ بِوَظِيفَتِهِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَلَكَ الْمُسَوِّفُونَ» وَلَوْ فُرِضَ وِصَالَهُ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي سَوَّفَهُ لَا قَاطِعَ لَهُ بِتَدَارُكِهِ بَلْ أَوْلَى أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute