للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعَطِّلَهُ لِكَوْنِهِ مَطْبُوعًا فِي الْأَوْقَاتِ الْخَالِيَةِ بِالتَّرْكِ وَلَوْ سَلِمَ تَدَارُكُ هَذَا الْوَقْتِ بِالطَّاعَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَكُونُ فَقِيرًا مُفْلِسًا مَغْبُونًا.

قَالَ الْحَسَنُ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِعِبَادِهِ اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي وَاقْتَسِمُوهَا بِقَدْرِ أَعْمَالِكُمْ.

(ثُمَّ) إذَا أُفْحِمَ مِنْ هَذَا (يَأْمُرُهُ بِالْعَجَلَةِ فَيَقُولُ لَهُ عَجِّلْ) فِي طَاعَتِك بِتَخْفِيفِ أَرْكَانِهَا وَأَفْعَالِهَا (لِتَتَفَرَّغَ لِكَذَا وَكَذَا) مِنْ طَاعَةٍ أُخْرَى أَوْ لِنَحْوِ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَنْعِ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَرْضَى بِالْخَلَلِ فِي أَوْصَافِ الْعِبَادَةِ لِيُنْقِصَ أَجْرَهُ، أَوْ لَأَنْ يُؤَدِّيَ إلَى أَعْظَمَ مِنْهُ ثُمَّ وَثُمَّ إلَى التَّرْكِ بِالْكُلِّيَّةِ (فَإِنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَدَّهُ بِأَنْ قَالَ قَلِيلُ الْعَمَلِ مَعَ التَّمَامِ) فِي غَيْرِ الْوَاجِبَاتِ (خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِهِ مَعَ النُّقْصَانِ) إذْ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا التَّامَّ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ إتْيَانَ بَعْضِ الْفَرَائِضِ بِالتَّمَامِ مَعَ تَرْكِ الْآخَرِ خَيْرٌ مِنْ إتْيَانِ الْكُلِّ مَعَ النُّقْصَانِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ» أَيْ مُوَدِّعٍ لِهَوَاهُ مُوَدِّعٍ لِعُمُرِهِ وَسَائِرٍ إلَى مَوْلَاهُ.

(ثُمَّ) إذَا لَمْ يَنْتَفِعْ مِنْ ذَلِكَ (يَأْمُرُهُ بِإِتْمَامِ الْعَمَلِ) بِشَرَائِطِهِ وَآدَابِهِ مَعَ جَمِيعِ مُكَمِّلَاتِهِ وَلَكِنْ (مَعَ الْمُرَاءَاةِ فَإِنْ عَصَمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - رَدَّهُ بِأَنْ قَالَ النَّاسُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى نَفْعٍ وَضَرَرٍ) عَلَى أَنْفُسِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا} [الفرقان: ٣] فَلَأَنْ لَا يَمْلِكُوا لِغَيْرِهِمْ أَوْلَى يَعْنِي: أَنَّ الرِّيَاءَ إمَّا لِجَلْبِ نَفْعٍ مِنْ غَيْرِهِ - تَعَالَى - أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ عَنْهُ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا فَعَبَثٌ وَسَعْيٌ بَاطِلٌ (أَفَلَا يَكْفِينِي رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى النَّافِعِ الضَّارِّ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء: ٧٨] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا جَوَابُ تَحْقِيقٍ لَا إلْزَامِيٌّ إذْ حِيلَةُ الشَّيْطَانِ بِالرِّيَاءِ إنَّمَا هِيَ الْأَسْبَابُ الْعَادِيَّةُ وَالْجَوَابُ لَيْسَ بِهَا بَلْ بِمَا هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ مَقَامُ الْخَوَاصِّ فَتَأَمَّلْ.

(ثُمَّ) إذَا أَيِسَ مِنْ إيقَاعِ خَلَلٍ فِي طَاعَتِهِ (يُوقِعُهُ فِي الْعُجْبِ فَيَقُولُ مَا أَيْقَظَك) مَا قُوَّةَ يَقَظَتِك وَشِدَّةَ فَطَانَتِك (وَ) مَا (أَعْقَلَك) كَثْرَةَ عَقْلِك حَيْثُ (تَنَبَّهْت) مِنْ الْغَفْلَةِ (لِمَا لَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ غَيْرُك) وَارْتَقَيْت مَا لَمْ يَرْتَقُوا إلَيْهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الْمَرَضِيَّةِ وَالطَّاعَاتِ الْمَقْبُولَةِ (فَإِنْ عَصَمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - رَدَّهُ بِأَنْ قَالَ الْمِنَّةُ) النِّعْمَةُ (لِلَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ) التَّيَقُّظِ وَالتَّعَقُّلِ (دُونِي) أَيْ لَيْسَ مِنِّي إذْ هُوَ بِمَحْضِ خَلْقِهِ وَتَأْثِيرِهِ فَلَفْظُ دُونِي مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَةِ دُونَ وَيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ فَدُونَ بِمَعْنَى غَيْرٍ وَعَنْ الزَّمَخْشَرِيِّ مَعْنَاهُ أَدْنَى مَكَان مِنْ الشَّيْءِ وَيُسْتَعْمَلُ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْحَالِ نَحْوُ: زَيْدٌ دُونَ عَمْرٍو أَيْ فِي الشَّرَفِ وَاتَّسَعَ فِيهِ فَاسْتُعْمِلَ فِي تَجَاوُزِ حَدٍّ إلَى حَدٍّ نَحْوُ - {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ٢٨]- أَيْ لَا يَتَجَاوَزُوا وِلَايَةَ الْمُؤْمِنِينَ إلَى وِلَايَةِ الْكَافِرِينَ (فَهُوَ الَّذِي خَصَّنِي بِتَوْفِيقِهِ) فِي صَرْفٍ وَسَعْيٍ إلَى الْعَمَلِ بِإِخْطَارِ الْمُيُولَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَمَلِ وَخَلْقِهِ عِنْدَ صَرْفِ إرَادَتِي إلَيْهِ (وَجَعَلَ لِعَمَلِي قِيمَةً عَظِيمَةً) لَا اسْتِحْقَاقِيَّةً بَلْ (بِفَضْلِهِ) وَكَرَمِهِ (وَلَوْلَا فَضْلُهُ لَمَا كَانَ لَهُ) لِعَمَلِي (قِيمَةٌ فِي جَنْبِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى) كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: ١٨]

<<  <  ج: ص:  >  >>