للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَجَنْبِ مَعْصِيَتِي لَهُ) وَلَا يُكَافِئُ عَمَلِي أَقَلَّ قَلِيلٍ مِنْ نِعَمِهِ فَكَيْفَ أُعْجَبُ وَأَيْضًا رَدُّهُ بِأَنْ يَتَذَكَّرَ طَاعَاتِ الْمُتَوَرِّعِينَ وَعِبَادَاتِ الْمُتَّقِينَ وَكَيْفِيَّةَ وَرَعِهِمْ فَيَسْتَحْقِرَ طَاعَتَهُ، ثُمَّ إنْ رَجَعَ الشَّيْطَانُ وَقَالَ الْأَعْقَلِيَّةُ بِاعْتِبَارِ مَدْخَلِيَّةِ كَسْبِ الْعَبْدِ فَإِنَّ عَادَتَهُ - تَعَالَى - فِي خَلْقِ الطَّاعَةِ إنَّمَا هِيَ بِصَرْفِ الْعَبْدِ إرَادَتَهُ الْجُزْئِيَّةَ سِيَّمَا عَلَى مَذْهَبِ الْمَاتُرِيدِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ بِمَجْمُوعِ قُدْرَتَيْ الْعَبْدِ وَالرَّبِّ عَلَى أَنْ تُؤَثِّرَا فِي أَصْلِ الْفِعْلِ كَمَذْهَبِ الْأُسْتَاذِ وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فَلَعَلَّ الْجَوَابَ وَالرَّدَّ بَعْدَ عَمَلِهِ حَقِيرًا لِمُقَارَنَتِهِ بِالْعُيُوبِ وَالْقُصُورِ فِي الْجِنَانِ وَالْأَرْكَانِ لِعَدَمِ الْخُضُوعِ وَحُضُورِ الْقَلْبِ وَالْخَشْيَةِ وَعَدَمِ وُقُوعِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ وَأَيْضًا بُعْدُهُ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَعْمَالِ الْأَسْلَافِ وَالْمَشَايِخِ الْكَامِلِينَ، فَالْأَوْلَى لِلْمُصَنَّفِ أَنْ يَجْعَلَ الرَّدَّ بِنَحْوِهِ ابْتِدَاءً.

(ثُمَّ) إذَا أَيِسَ مِنْ ذَلِكَ يَأْتِيهِ مِنْ وَجْهٍ سَادِسٍ وَ (يَقُولُ اجْتَهِدْ أَنْتَ فِي السِّرِّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيُظْهِرُهُ) إلَى خَلْقِهِ (وَيَجْعَلُك شَرِيفًا خَطِيرًا) ذَا رِفْعَةٍ وَهَيْبَةٍ وَرِيَاسَةٍ (بَيْنَ النَّاسِ) بِسَبَبِ اجْتِهَادِك فِي السِّرِّ. أَقُولُ هَذِهِ الْحِيلَةُ مِنْ جَانِبِ الشَّيْطَانِ مُنْدَفِعَةٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى نَفْعٍ وَضُرٍّ إلَى آخِرِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَأَرَادَ بِذَلِكَ ضَرْبًا مِنْ الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ) فِي كَوْنِهِ مِنْ بَابِ الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ خَفَاءً إذْ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَمَلُهُ لِنَفْعٍ دُنْيَوِيٍّ مَحْضٍ فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِهِ أَمْرًا مُغَايِرًا لِمَا تَقَدَّمَ فَضْلًا عَنْ جَعْلِهِ أَمْرًا مُؤَخَّرًا مِنْهُ فَافْهَمْ لَكِنْ هَذَا الْمَقَامُ بِعَيْنِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمِنْهَاجِ فَكَأَنَّهُ تَبِعَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ جَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ مُغَايَرَةِ الْخَاصِّ لِلْعَامِّ مُغَايَرَةً مَا وَلَوْ اعْتِبَارًا فَتَأَمَّلْ (فَإِنْ عَصَمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - رَدَّهُ بِأَنْ قَالَ) يَا مَلْعُونُ إلَى الْآنَ كُنْت تَأْتِينِي مِنْ وَجْهِ إفْسَادِ عَمَلِي وَالْآنَ تَأْتِينِي مِنْ وَجْهِ إخْلَاصِهِ لِتُفْسِدَهُ (إنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ سَيِّدِي) صِحَّةُ إطْلَاقِ السَّيِّدِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى كَوْنِ أَسْمَائِهِ تَوْقِيفِيَّةً كَالْأَشَاعِرَةِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ إلَّا أَنْ يُبْنَى عَلَى قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ عَلَى طَرِيقِ الصِّفَةِ وَلَمْ يُوهِمْ شَيْئًا لُغَةً وَعُرْفًا وَشَرْعًا بَلْ أَشْعَرَ تَعْظِيمًا كَمَا مَرَّ.

وَيَدَّعِي كَوْنَ هَذَا مِنْهُ (إنْ شَاءَ أَظْهَرَ) عَمَلِي لَكِنْ إنْ تَعَلَّقَتْ الْمَشِيئَةُ بِالْإِظْهَارِ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْمَحْذُورُ مِنْ الشَّرَفِ فَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ الرَّدِّ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ تَمَامَ الرَّدِّ بِقَوْلِهِ فَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ (وَإِنْ شَاءَ أَخْفَى) كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمَوْلَى فِي عَبِيدِهِ (وَإِنْ شَاءَ جَعَلَنِي خَطِيرًا وَإِنْ شَاءَ حَقِيرًا وَذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْ الْإِظْهَارِ وَالْإِخْفَاءِ وَالْجُعْلَيْنِ مَوْكُولٌ (إلَيْهِ تَعَالَى) إذْ أُمُورُ الْعَبِيدِ وَتَصَرُّفُهُمْ إلَى مَوْلَاهُمْ (وَلَا أُبَالِي إنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ لِلنَّاسِ أَوْ لَمْ يُظْهِرْهُ) فَالْإِظْهَارُ وَعَدَمُهُ سِيَّانِ عِنْدِي (فَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ) نَحْوُ الشَّرَفِ عِنْدَ الظُّهُورِ فَلَا يَخْفَى رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِ أَفَلَا يَكْفِينِي رُؤْيَةُ اللَّهِ النَّافِعِ الضَّارِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ وَلَئِنْ سُلِّمَ الرُّجُوعُ لَكِنَّهُ لَيْسَ عَيْنَهُ فَأَصْلُ الْمُغَايَرَةِ كَافٍ لَكِنْ إنْ عَادَ اللَّعِينُ، وَقَالَ إنَّ عَادَتَهُ - تَعَالَى - جَارِيَةٌ فِي جَعْلِهِ خَطِيرًا بِإِظْهَارِ الْعِبَادَةِ لِلنَّاسِ فَبِالْآخِرَةِ يُضْطَرُّ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّ النَّفْعَ وَالضُّرَّ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ بَلْ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - لَكِنْ إنْ عَادَ وَقَالَ إنْ أُرِيدَ النَّفْعُ الصُّورِيُّ أَوْ الْعَادِيُّ فَلَا نُسَلِّمُ عَدَمَ كَوْنِهِ مِنْ النَّاسِ وَإِنْ الْحَقِيقِيُّ فَنُسَلِّمُ ذَلِكَ لَكِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>