للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَقْصُودُك حَاصِلٌ فِي الصُّورِيِّ فَيَحْتَاجُ حِينَئِذٍ فِي الرَّدِّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الِاغْتِرَارَ عَلَى الصُّورِيِّ ضَلَالٌ وَوَبَالٌ إذْ هُوَ مَجَازِيٌّ سَرِيعُ الزَّوَالِ وَمُوجِبٌ لِكُلِّ خُسْرَانٍ وَبَاعِثٌ لِفَوْتِ فُرْصَةِ ذَخَائِرِ الْجِنَانِ.

(ثُمَّ) يَأْتِيهِ مِنْ وَجْهٍ سَابِعٍ (يَقُولُ آخَرُ) بَعْدَ الْيَأْسِ مِنْ جَمِيعِ الْحِيَلِ وَالْمُخَادَعَةِ (لَا حَاجَةَ لَك إلَى هَذَا الْعَمَلِ؛ لِأَنَّك إنْ خُلِقْت سَعِيدًا) فِي الْأَزَلِ فِي الْحُكْمِ الْقَدِيمِ وَحَضْرَةِ عِلْمِ الْقَدِيمِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ أَوْ فِي اللَّوْحِ أَوْ عِنْدَ نَفْخِ الْمَلَكِ الرُّوحَ فِي بَطْنِ الْأُمِّ (لَمْ يَضُرَّك تَرْكُ الْعَمَلِ) لِأَنَّ مَصِيرَك الْجَنَّةُ عَمِلْت أَوْ لَمْ تَعْمَلْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ مُرَادُهُ عَنْ إرَادَتِهِ وَلَا يَتَبَدَّلُ حُكْمُهُ تَعَالَى (وَإِنْ خُلِقْت شَقِيًّا) فِي الْأَزَلِ كَذَلِكَ (لَمْ يَنْفَعْك الْعَمَلُ) لِأَنَّ مَصِيرَك النَّارُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ وَإِنْ كَثُرَ لَا يَدْفَعُ الشَّقَاوَةَ الْحَاصِلَةَ بِالْحُكْمِ الْقَدِيمِ وَالْإِرَادَةِ الْأَزَلِيَّةِ (فَفِيمَ) أَصْلُهُ فِيمَا كَمَا فِي عَمَّ فَحُذِفَتْ أَلْفُ مَا الِاسْتِفْهَامِيَّة لِدُخُولِ حَرْفِ الْجَرِّ عَلَيْهَا (تَجْتَهِدُ) وَتُتْعِبُ نَفْسَك فِي أَمْرٍ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ نَفْعٌ بِتَعَبِك (وَتَتْرُكُ رَاحَتَك وَتَضُرُّ نَفْسَك) بِتَحْمِيلِ مَشَاقِّ الطَّاعَاتِ وَتَكَلُّفَاتِ الْعِبَادَاتِ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُبْطِلُ قَاعِدَةَ التَّكْلِيفِ وَيَسْتَلْزِمُ عَدَمَ فَائِدَةِ إرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ وَوَضْعِ الشَّرَائِعِ (فَإِنْ عَصَمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - رَدَّهُ بِأَنْ قَالَ إنَّمَا أَنَا عَبْدٌ وَ) الْوَاجِبُ (عَلَى الْعَبْدِ امْتِثَالُ أَمْرِ سَيِّدِهِ) فِعْلًا أَوْ كَفًّا يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ جَانِبِ اللَّعِينِ إنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا يَتَأَتَّى عِنْدَ خَوْفِ الْعِقَابِ بِالْمُخَالَفَةِ وَالثَّوَابِ بِالِامْتِثَالِ وَلَيْسَ حِينَئِذٍ فَلَيْسَ إذْ الْوُجُوبُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِمَا فِي مُتَارَكَتِهِ عِقَابٌ كَمَا فِي الْأُصُولِ (وَالرَّبُّ أَعْلَمُ بِرُبُوبِيَّتِهِ) أَيْ بِسَبَبِ رُبُوبِيَّتِهِ أَوْ بِأَحْوَالِ تَرْبِيَتِهِ عِبَادَهُ فَانْتَظِرْ قَرِيبًا (فَيَحْكُمُ مَا يَشَاءُ) مِنْ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ (وَيَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَنَفْعٍ وَضُرٍّ {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٣] {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد: ٤١] قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ مِنْ الْأَجْوِبَةِ الْمُسْكِتَةِ إنَّ إبْلِيسَ ظَهَرَ لِعِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ أَلَسْت تَقُولُ إنَّهُ لَنْ يُصِيبَك إلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَك، قَالَ نَعَمْ، قَالَ فَارْمِ نَفْسَك مِنْ ذُرْوَةِ هَذَا الْجَبَلِ فَإِنَّهُ إنْ يُقَدِّرْ لَك السَّلَامَةَ سَلِمْت، قَالَ يَا مَلْعُونُ إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَخْتَبِرَ رَبَّهُ ثُمَّ إنْ قَالَ اللَّعِينُ إنْ كَانَ حُكْمُهُ وَمَشِيئَتُهُ فِيك هُوَ السَّعَادَةُ فَلَا تَضُرُّك الْمَعْصِيَةُ وَإِنْ الشَّقَاوَةَ فَلَا تَنْفَعُك الْعِبَادَةُ فَلَا تُفِيدُ هَاتَانِ الْمُقَدِّمَتَانِ نَفْعًا فِي دَفْعِ شُبْهَةِ الشَّيْطَانِ بَلْ تُقَوِّيَانِهَا فَالْأَوْلَى عَدَمُ ذِكْرِهِمَا هُنَا وَإِنْ وَقَعَ، كَذَلِكَ أَيْضًا فِي الْمِنْهَاجِ بَلْ هَاتَانِ الْمُقَدِّمَتَانِ إنَّمَا تَنْفَعَانِ إنْ كَانَتْ الشُّبْهَةُ لِمَ جَعَلَ الْبَعْضَ سَعِيدًا فِي الْأَزَلِ وَالْآخَرَ شَقِيًّا وَالْكُلُّ مُتَسَاوٍ فِي النِّسْبَةِ (وَلِأَنِّي يَنْفَعُنِي الْعَمَلُ كَيْفَ مَا كُنْت) وَأَيْضًا يَضُرُّنِي تَرْكُهُ لَعَلَّ الْجَوَابَ الْمُتَقَدِّمَ تَسْلِيمِي وَمَدَارُهُ مَا أُشِيرَ آنِفًا وَهَذَا الْجَوَابُ مَنْعِي يَعْنِي يَنْفَعنِي الْعَمَلُ سَوَاءٌ كُنْت شَقِيًّا فِي الْأَزَلِ أَوْ سَعِيدًا وَفِي آخِرِ عُمُرِي قِيلَ هُنَا عَنْ الْمُنَاوِيِّ مِنْهُمْ مَنْ رَاعَى جَانِبَ الْحُكْمِ السَّابِقِ وَجَعَلَهُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ وَمِنْهُمْ جَانِبُ الْخَاتِمَةِ كَذَلِكَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى إذْ الْخَاتِمَةُ تَابِعَةٌ إلَيْهِ وَسَعَادَةُ الْآخِرَةِ وَشَقَاوَتُهَا تَابِعَةٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ (إنْ كُنْت سَعِيدًا) فِي الْأَزَلِ (احْتَجْت) لَعَلَّ الْأَوْلَى أَحْتَاجُ (إلَيْهِ) إلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ (لِزِيَادَةِ الثَّوَابِ) وَرِفْعَةِ الدَّرَجَاتِ، قَالَ الْحَسَنُ يَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى - لِعِبَادِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِفَضْلِي وَاقْتَسِمُوهَا بِقَدْرِ أَعْمَالِكُمْ وَقَالَ طَلَبُ الْجَنَّةِ بِلَا عَمَلٍ ذَنْبٌ مِنْ الذُّنُوبِ لَكِنْ يَشْكُلُ بِأَنَّ تِلْكَ الْمَثُوبَاتِ الْمَزِيدَةَ وَالدَّرَجَاتِ كَنَفْسِ السَّعَادَةِ دَاخِلَةٌ فِي الْقَضَاءِ الْإِلَهِيِّ وَالْحُكْمِ الْأَزَلِيِّ حِينَئِذٍ وَلَا قَائِلَ بِالتَّخْصِيصِ، وَكَذَا قَوْلُهُ (وَإِنْ كُنْت شَقِيًّا فَكَذَلِكَ) أَيْ احْتَجْت إلَيْهِ (لِئَلَّا أَلُومَ) أَنَا مِنْ اللَّوْمِ (نَفْسِي) بِتَرْكِ الْعَمَلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَيْضًا فَتْحُ هَذَا الْبَابِ يَقْتَضِي الْجَبْرَ لِكُلٍّ فِي عَمَلِهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ اللَّوْمُ عَلَى التَّرْكِ لَعَلَّ لِذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ عَلَى طَرِيقِ التَّسْلِيمِ (عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَاقِبُنِي عَلَى) فِعْلِ (الطَّاعَةِ بِكُلِّ حَالٍ) سَعَادَةٍ أَوْ شَقَاوَةٍ؛ لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>