حَكِيمٌ وَكُلُّ فِعْلِهِ عَلَى حِكْمَةٍ وَلَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ عِقَابُ مَنْ أَطَاعَهُ بَلْ سَفَهٌ وَنَقْصٌ يَجِبُ تَنْزِيهُهُ تَعَالَى عَنْهُ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ عَدَمُ نَفْعِ إتْعَابِ النَّفْسِ لِلطَّاعَةِ عَلَى الشَّقَاوَةِ الْأَزَلِيَّةِ وَبِالْجُمْلَةِ أَخْذُ الْأَمْرَيْنِ هُنَا لَازِمٌ إمَّا نَفْيُ الشَّقَاوَةِ الْأَزَلِيَّةِ أَوْ نَفْيُ نَفْعِ الطَّاعَةِ (وَلَا يَضُرُّنِي) الطَّاعَةُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الشُّبْهَةَ لَيْسَتْ فِي ضُرِّهَا بَلْ فِي نَفْعِهَا وَقِيلَ وَأَمَّا تَرْكُهَا فَيَضُرُّنِي لَا مَحَالَةَ يَرِدُ عَلَيْهِ عَلَى السَّعَادَةِ الْأَزَلِيَّةِ كَيْفَ يَضُرُّ وَقِيلَ يَعْنِي أَنَّ الْعَمَلَ لَا يَضُرُّنِي كَتَرْكِهِ فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي عَدَمِ النَّفْعِ وَعَدَمِ الضُّرِّ فَكَيْفَ أَخْتَارُ التَّرْكَ وَلَا مُخَاطَرَةَ فِي الْفِعْلِ وَإِنَّمَا هِيَ فِي التَّرْكِ، وَالْعَاقِلُ يَتْرُكُ مَا فِيهِ الْمُخَاطَرَةُ وَيَأْتِي بِمَا فِيهِ عَدَمُ الْمُخَاطَرَةِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَيْضًا مَا فِيهِ وَلَعَلَّ أَيْضًا لِكُلِّ مَا ذُكِرَ قَالَ تَسْلِيمًا (عَلَى أَنِّي إنْ دَخَلْت النَّارَ وَأَنَا مُطِيعٌ) لِلَّهِ تَعَالَى (أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَدْخُلَهَا وَأَنَا عَاصٍ) إمَّا لِخِفَّةِ مُقَاسَاةِ النَّارِ وَشِدَّتِهَا وَإِمَّا لِعَدَمِ اللَّوْمِ عَلَى النَّفْسِ وَالتَّقْصِيرِ مِنْهَا، لِأَدَاءِ لَوَازِمِ الْعُبُودِيَّةِ فَلَا يَرِدُ إنْ وُجِدَ الدُّخُولُ فَلَا أَحَبِّيَّةَ فِي أَحَدِهِمَا.
لَكِنْ يَرِدُ أَنَّ دُخُولَ النَّارِ مَعَ الطَّاعَةِ أَصْعَبُ عَلَى النَّفْسِ مِنْ دُخُولِهَا بِعَدَمِهَا؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ السِّعَايَاتِ لِلطَّاعَاتِ وَعَدَمَ فَرْقِ طَاعَتِهِ مِنْ الْعِصْيَانِ يَعْظُمُ عَلَى النَّفْسِ (فَكَيْفَ) يُتَصَوَّرُ دُخُولُ النَّارِ سِيَّمَا خُلُودُهَا عَلَى تَقْدِيرِ الطَّاعَةِ (وَ) الْحَالُ أَنَّ (وَعْدَهُ) تَعَالَى (حَقٌّ) لِأَنَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ بَلْ يُنْجِزُهُ (وَقَوْلُهُ صَدَقَ) لِأَنَّ الْكَذِبَ عَلَيْهِ نَقْصٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا} [النساء: ١٢٢] (وَقَدْ وَعَدَ) فِي كِتَابِهِ الْقَدِيمِ فِي مَوَاضِعَ لَا تُحْصَى (عَلَى الطَّاعَاتِ بِالثَّوَابِ فَمَنْ لَقِيَ اللَّهَ - تَعَالَى - عَلَى الْإِيمَانِ وَالطَّاعَاتِ لَنْ يَدْخُلَ النَّارَ أَلْبَتَّةَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ لِوَعْدِهِ الصَّادِقِ) لِعَدَمِ تَبْدِيلِ الْقَوْلِ لَدَيْهِ، وَالْإِجْمَاعُ فِي امْتِنَاعِ خُلْفِ وَعْدِهِ وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي خُلْفِ وَعِيدِهِ لَا يَخْفَى أَنَّ وَعْدَهُ مُقَيَّدٌ بِبَقَاءِ الْإِيمَانِ كَمَا حُرِّرَ فِي الْكَلَامِ فَمَا قِيلَ هُنَا وَإِنْ كَانَ ذَهَابُ الْإِيمَانِ قُبَيْلَ الْمَوْتِ أَمْرًا مُمْكِنًا وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مُمْكِنٍ وَاقِعًا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَالْيَقِينُ الْمُحَقَّقُ الْآنَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ قُبَيْلَ الْمَوْتِ فَكَلَامٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا حَاصِلَ هَذَا
ثُمَّ يَرِدُ أَنَّ الْوَعْدَ الْإِلَهِيَّ يُوجِبُ دُخُولَ الْجَنَّةِ وَالشَّقَاوَةَ الْأَزَلِيَّةَ تُوجِبُ عَدَمَهَا بَلْ النَّارُ وَلَيْسَ لِمَا ذُكِرَ مُرَجِّحٌ بَلْ الْأَفَاعِيلُ الْأَزَلِيَّةُ تَابِعَةٌ لِلْإِرَادَةِ الْأَزَلِيَّةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا ذُكِرَ وَكَيْفَ يَدْفَعُ حِيلَةَ الشَّيْطَانِ أَقُولُ التَّحْقِيقُ فِي هَذِهِ الْمَبَاحِثِ الصَّعْبَةِ أَنْ يَأْتِيَ أَوَامِرَهُ رَجَاءَ ثَوَابِهِ وَيَجْعَلَ أَحْكَامَ الْحُكْمِ الْأَزَلِيِّ وَتَفْصِيلَهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُتَشَابِهَاتِ لِقُصُورِ فَهْمِ الْإِنْسَانِ عَنْ إدْرَاكِ حَقِيقَتِهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ (وَلِذَا) أَيْ لِصِدْقِ وَعْدِهِ (وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى) حِكَايَةً عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} [الزمر: ٧٤] فِي الدُّنْيَا بِالْجَنَّةِ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ (وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَقَدْ وَعَدَ (مُسَبِّبُ الْأَسْبَابِ) جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا عَلَى مُقْتَضَى حِكْمَتِهِ (وَقَدْ جَرَى عَادَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَلَى رَبْطِ الْأَشْيَاءِ بِأَسْبَابٍ ظَاهِرَةٍ كَالْغَيْثِ) أَيْ الْمَطَرِ (لِلنَّبَاتِ وَالْجِمَاعِ لِلْوَلَدِ) وَلَا يَضُرُّ النَّقْصُ فِي الْقِلَّةِ كَعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (وَكَالصَّيْفِ لِيَنْعِ الثِّمَارِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَبِالْمُهْمَلَةِ هُوَ النُّضْجُ وَالْإِدْرَاكُ (وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى) فِي سَبَبِيَّةِ الْأَعْمَالِ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: ٧٢]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute