مِنْ الصَّالِحَاتِ فَإِنْ قِيلَ إنَّ هَذَا وَإِنْ وَافَقَ لِمَا فِي الْأُصُولِيَّةِ كَالتَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّ الْعَمَلَ هُوَ الْوَسِيلَةُ فَمُخَالِفٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ» وَلِمَا فِي الْكَلَامِيَّةِ إنَّ الْجَنَّةَ لَيْسَتْ باستحقاقية بَلْ تَفْضِيلِيَّةٌ.
قَالَ الْمَوْلَى حَسَنٌ حَلَبِيٌّ فِي حَاشِيَةِ التَّلْوِيحِ بَاءُ الْآيَةِ لِلْمُقَابَلَةِ وَبَاءُ الْحَدِيثِ لِلسَّبَبِيَّةِ لَعَلَّك قَدْ سَمِعْت فَارْجِعْ تَجِدْ تَفْصِيلَهُ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: ٢٨] لِأَنَّ لِلْمُتَّقِينَ شَأْنًا عَلِيًّا عِنْدَنَا دُونَ الْفُجَّارِ فَأَنْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى تَسْوِيَةَ الطَّائِفَتَيْنِ.
(فَإِنْ لَمْ تَزُلْ هَذِهِ الْوَسْوَسَةُ بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ) إمَّا لِمَا أُشِيرَ مِنْ الْإِشْكَالِ أَوْ لِغُمُوضَةِ الْأَجْوِبَةِ لَا يَصِلُ إلَيْهَا أَوْ أَنَّهَا تَحْقِيقِيَّةٌ لَا يَلْزَمُ بِهَا أَوْ لِمُجَرَّدِ الْعِنَادِ وَإِنْ فُهِمَ فَتَأَمَّلْ (وَيَعُودُ) اللَّعِينُ الْوَسْوَاسُ وَيَقُولُ (بِأَنَّ الْأَعْمَالَ أَيْضًا) كَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ (مُقَدَّرَةٌ) بِالتَّقْدِيرِ الْأَزَلِيِّ (فَلَا تَقْدِرُ عَلَى مُخَالَفَةِ تَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى) لِأَنَّهُ لَا رَادَّ لِقَضَائِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ (فَإِنْ قَدَّرَ لَنَا الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ) وَحَكَمَ بِصُدُورِهَا مِنَّا (وَالسَّعْيَ لَهَا وَالْقَصْدَ إلَيْهَا حَصَلَتْ) تِلْكَ الْأَعْمَالُ (لَا مَحَالَةَ) لِئَلَّا يَلْزَمَ تَخَلُّفُ الْإِرَادَةِ عَنْ الْمُرَادِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْعَجْزِ (وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ) اللَّهُ تِلْكَ الْأَعْمَالَ (اسْتَحَالَ وُجُودُهَا) إذْ لَا خَالِقَ سِوَاهُ وَلَا مُوجِدَ غَيْرُهُ وَلَوْ قَالَ وَإِنْ قُدِّرَ عَدَمُهَا لَكَانَ أَوْفَقَ لِمَا قَبْلَهُ وَأَظْهَرَ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ مَا اخْتَارَهُ أَشْمَلُ وَلَوْ بِطَرِيقِ دَلَالَةِ النَّصِّ فَالنَّفْعُ أَوْفَرُ لَكِنْ تَفْرِيعُ قَوْلِهِ (فَنَحْنُ مَجْبُورُونَ) عَلَى الْأَوَّلِ أَظْهَرُ (عَلَى الْعَمَلِ) إنْ كَانَ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ بِهِ (وَالتَّرْكُ) إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ أَيْضًا فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يُمْكِنُ لَهُ أَنْ يُحَصِّلَ الْعَمَلَ إنْ تَعَلَّقَتْ بِتَرْكِهِ وَكَذَا عَكْسُهُ (فَلَا يُفِيدُ الْقِيلُ وَالْقَالُ) عَنْ الْقَامُوسِ الْقِيلُ فِي الْخَيْرِ وَالْقَالُ فِي الشَّرِّ، وَعَنْ الْفَرَّاءِ أَنَّهُمَا اُسْتُعْمِلَا اسْتِعْمَالَ الْأَسْمَاءِ وَتُرِكَا عَلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ مِنْ الْبِنَاءِ وَفُسِّرَ بِكَثْرَةِ الْمَقَالِ يَعْنِي بِأَنْوَاعِ الْأَجْوِبَةِ وَأَقُولُ هَذِهِ الْوَسْوَسَةُ لَيْسَتْ مُغَايِرَةً فِي الْحَقِيقَةِ لِلسَّعَادَةِ الْأَزَلِيَّةِ وَشَقَاوَتِهَا بَلْ نَوْعٌ مِنْهَا إذْ مِنْ جُمْلَةِ السَّعَادَةِ التَّوْفِيقُ لِلْأَعْمَالِ كَالشَّقَاوَةِ لِعَدَمِهَا لَعَلَّ لِهَذَا اكْتَفَى الْغَزَالِيُّ بِمَا ذَكَرَ فِي مِنْهَاجِ الْعَابِدِينَ قِيلَ وَلَمْ يَأْتِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ عَلَى فَرْضِ عَدَمِ انْدِفَاعِ الشُّبَهِ الْمَذْكُورَةِ سِيَّمَا السَّابِعَةُ لَا يُفِيدُ هَذَا الدَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُ اكْتِسَابُ الْأَعْمَالِ مَا لَمْ يُدْفَعْ الْإِشْكَالُ السَّابِعُ (فَقُلْ) لِلَّعِينِ فِي دَفْعِ وَسْوَسَتِهِ بِذَلِكَ (إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - وَإِنْ كَانَ خَلَقَ أَفْعَالَ الْعِبَادِ كُلَّهَا) خَيْرًا وَشَرًّا نَفْعًا وَضُرًّا (وَغَيْرَهَا) كَالْعِبَادِ أَنْفُسِهِمْ وَجَمِيعِ الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ مُجَرَّدًا أَوْ مَادِّيًّا (لَا خَالِقَ غَيْرُهُ لَكِنْ لِلْعِبَادِ) وَلَوْ حَيَوَانًا غَيْرَ إنْسَانٍ لَكِنْ الْمُرَادُ هُنَا هُوَ الْمُكَلَّفُ (اخْتِيَارَاتٌ) إرَادَاتٌ (جُزْئِيَّةٌ) بِالتَّعَلُّقِ عَلَى فِعْلِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ جُزْئِيٍّ فَهَذِهِ الْإِرَادَةُ الْجُزْئِيَّةُ لَيْسَتْ مِنْ اللَّهِ ابْتِدَاءً بَلْ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْعَبْدِ خَالِقَهَا لِعَدَمِ وُجُودِهَا فِي الْخَارِجِ وَالْمَخْلُوقُ مَا يَكُونُ مَوْجُودًا فِيهِ لِمَا يُفَصِّلُهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا ذُكِرَ هَا هُنَا فَلَا يُنَافِي لِوُجُودِ الْإِرَادَةِ الْكُلِّيَّةِ فِي الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ اللَّهِ ابْتِدَاءً أَوْ الْقَيْدُ وُقُوعِيٌّ لِاقْتِضَاءِ الْحَادِثَةِ وَالْوَاقِعَةِ إيَّاهُ كَيْفَ، بَلْ الْجُزْئِيَّةُ مُتَفَرِّعَةٌ مِنْ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي هِيَ مَوْجُودَةٌ بِإِيجَادِهِ تَعَالَى فِي الْعَبْدِ بِلَا صُنْعِهِ وَاخْتِيَارِهِ هِيَ الْإِرَادَةُ الْكُلِّيَّةُ الْمُجْمَلَةُ الْقَابِلَةُ لِلتَّعَلُّقِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ فَالْكُلِّيَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْخَارِجِ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا فِي بَعْضِ الْمَوَادِّ بِالْقُوَّةِ الْحَاصِلَةِ فِي الْعَبْدِ، وَالْجُزْئِيَّةُ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْخَارِجِ عِنْدَنَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا (وَإِرَادَاتٌ قَلْبِيَّةٌ) إمَّا عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَوْ إرَادَةٌ كُلِّيَّةٌ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مَقَرَّهَا هُوَ الْقَلْبُ وَالْإِرَادَةُ مَعَ الِاخْتِيَارِ إمَّا مُتَسَاوِيَانِ أَوْ لَا فَرْقَ مُعْتَدًّا بِهِ نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي الْهَامِشِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَيْ وُجُودِ الْإِرَادَةِ الْجُزْئِيَّةِ قَوْله تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute