للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَارِضَةِ وَأَنَّ أَصْلَ الْمَتْبُوعِ لَا يَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْوَصْفِ الْعَارِضِ وَأَنَّ الْأَصْلَ إبْقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَيُقَرِّبُهُ مَا قَالُوا الْبَقَاءُ عَلَى وَفْقِ الثُّبُوتِ فَمَا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ مِنْ التَّأْثِيرِ فَلَيْسَ بِمُخْتَارٍ (بَلْ يَكُونُ تَحْدِيثُهُ مَعْصِيَةً جَدِيدَةً) وَإِنْ كَانَ مَا يَحْدُثُ عَنْهُ طَاعَةً (وَبِالْجُمْلَةِ الْإِخْفَاءُ فِي الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَا يَلْزَمُ إظْهَارُهَا) وَلَمْ يُسَنَّ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ (أَفْضَلُ مِنْ الْإِظْهَارِ) لِخُلُوِّهِ عَنْ احْتِمَالِ الرِّيَاءِ وَيَكُونُ مُعَامَلَةً خَاصَّةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْلَاهُ (إلَّا عِنْدَ التَّيَقُّنِ) فَلَا يُفِيدُ الظَّنُّ فَضْلًا عَنْ الشَّكِّ (بِقَصْدِ التَّعْلِيمِ) لِمَنْ لَا يَعْلَمُ (وَالِاقْتِدَاءِ) يَشْمَلُ التَّعْلِيمَ لِمَنْ يَعْلَمُ وَلَكِنْ لَا يَعْمَلُ (فَالْإِظْهَارُ حِينَئِذٍ أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ وَفِيهِ إيقَاظُ النَّائِمِينَ وَإِرْشَادُ الْغَافِلِينَ وَتَرْغِيبٌ فِي الْخَيْرِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَدَّ بَابُ إظْهَارِ الْأَعْمَالِ، وَالطِّبَاعُ مَجْبُولَةٌ عَلَى التَّشَبُّهِ وَالِاقْتِدَاءِ بَلْ فِي إظْهَارِ الْمُرَائِي لِلْعِبَادَةِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ كَوْنُهُ عَنْ رِيَاءٍ خَيْرٌ كَثِيرٌ لِلنَّاسِ، وَلَكِنَّهُ شَرٌّ لِلْمُرَائِي فَكَمْ مِنْ مُخْلِصٍ كَانَ سَبَبُ إخْلَاصِهِ الِاقْتِدَاءَ بِمَنْ هُوَ مُرَاءٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قِيلَ عَنْ الْكَشَّافِ فِي سُورَةِ أَرَأَيْت مِنْ أَوْلَوِيَّةِ الْإِخْفَاءِ عِنْدَ عَدَمِ غَرَضٍ صَحِيحٍ وَأَوْلَوِيَّةٌ بِالْجَهْرِ وَالْإِعْلَانِ أَوْلَى إنْ بِنِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَإِزَالَةِ الْغَفْلَةِ وَإِيقَاعِ ذِكْرِ اللَّهِ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَغَيْرِهَا.

وَعَنْ الْبَيْضَاوِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: ٧]- وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ شَرْعَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالْجَهْرِ لَيْسَ لِإِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ لِتَصْوِيرِ النَّفْسِ بِالذِّكْرِ وَرُسُوخِهِ فِيهَا وَمَنْعِهَا عَنْ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهِ وَهَضْمِهَا بِالتَّضَرُّعِ وَالْجِوَارِ (وَقِسْ عَلَى هَذَا أَمْثَالَهَا) مِنْ الْمُتَرَدِّدَاتِ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ.

(وَمِنْ جُمْلَةِ مَكَايِدِ الشَّيْطَانِ) جَمْعُ كَيْدٍ بِمَعْنَى إلْحَاقِ الشَّرِّ بِالْغَيْرِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ (أَنَّ الرَّجُلَ) مَثَلًا (قَدْ يَكُونُ لَهُ وِرْدٌ) بِكَسْرِ الْوَاوِ اسْمٌ لِلْجُزْءِ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أَوْ الصَّلَاةِ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ بِهِ عَلَى الْقَلْبِ مَا يَرِدُ مِنْ الْفَيْضِ وَلِارْتِوَاءِ الْقَلْبِ بِهِ مِنْ عَطَشِ الْغَفْلَةِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى (مُعَيَّنٌ كَصَلَاةِ الضُّحَى وَالتَّهَجُّدِ) بَعْدَ نَوْمٍ مِنْ اللَّيْلِ وَقِيلَ بَيْنَ نَوْمَتَيْنِ وَصَلَاةُ الْأَوَّابِينَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ (فَيَقَعُ فِي قَوْمٍ لَا يَفْعَلُونَهُمَا فَيَتْرُكُهُمَا خَوْفًا مِنْ الرِّيَاءِ) مِنْ حَمْلِهِمْ عَلَى الرِّيَاءِ (فَهَذَا) التَّرْكُ (غَلَطٌ وَمُتَابَعَةٌ لِلشَّيْطَانِ) لِأَنَّ بُغْيَتَهُ قَطْعُ الْعِبَادَةِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى (إذْ مُدَاوَمَتُهُ السَّابِقَةُ) عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْقَوْمِ (دَلِيلٌ عَلَى الْإِخْلَاصِ فَمُجَرَّدُ وُقُوعِ خَاطِرَةِ الرِّيَاءِ فِي الْقَلْبِ بِلَا اخْتِيَارٍ وَ) لَا (قَبُولٍ) مِنْهُ لَهُ (لَيْسَ بِضَارٍّ وَلَا رِيَاءٍ وَلَا مُخِلٍّ) مِنْ الْخَلَلِ (بِالْإِخْلَاصِ) وَلِأَنَّ كَوْنَ أَصْلِهِ بِإِخْلَاصٍ مَجْزُومٍ وَمُتَيَقَّنٍ وَعُرُوضُ الرِّيَاءِ مَشْكُوكٌ وَمُحْتَمَلٌ وَقَدْ قُرِّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَقَدْ سَمِعْت آنِفًا أَيْضًا مَا يُصَحِّحُ ذَلِكَ مِنْ الْقَوَاعِدِ فَيَنْدَفِعُ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْإِخْلَاصَ وَالرِّيَاءَ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ فَالْإِخْلَاصُ السَّابِقُ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى مَا فِي اللَّاحِقِ (فَتَرْكُ الْعَمَلِ لِأَجْلِهِ مُوَافَقَةٌ لِلشَّيْطَانِ وَتَحْصِيلٌ لِغَرَضِهِ) الَّذِي هُوَ مَنْعُ الْمَرْءِ عَنْ عِبَادَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>