للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بِإِقْرَاضِهِ) أَيْ إعْطَاءِ الْقَرْضِ (إلَّا أَنَّهُ يَسْتَحِيْ مِنْ رَدِّهِ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ) أَيْ الصِّدِّيقَ (لَوْ أَرْسَلَهُ) أَيْ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ (عَلَى لِسَانِ غَيْرِهِ لَا يَسْتَحِيْ مِنْهُ وَلَا يُقْرِضُ رِيَاءً) لِلنَّاسِ (وَلَا يَطْلُبُ الثَّوَابَ) فِي الْقَرْضِ (فَلَهُ عِنْدَ ذَلِكَ) الْمَطْلَبِ أَحْوَالٌ سِتٌّ ثَلَاثٌ فِي الْمَنْعِ وَثَلَاثٌ فِي الْإِعْطَاءِ (أَنْ يُشَافِهَ) أَيْ يَتَكَلَّمَ فِي حُضُورِهِ (بِالرَّدِّ الصَّرِيحِ) نَحْوُ أَنْ يَقُولَ لَا أُقْرِضُك (فَيُنْسَبَ) عِنْدَ النَّاسِ (إلَى قِلَّةِ الْحَيَاءِ) بِالْمُشَافَهَةِ بِالرَّدِّ الصَّرِيحِ (أَوْ يَتَعَلَّلَ بِكَذِبٍ) بِأَنْ يَقُولَ لَيْسَ عِنْدِي مَالٌ (أَوْ تَعْرِيضٍ) كَمَنْ يَجِدُ مَا يَطْلُبُهُ وَيَقُولُ لَيْسَ فِي يَدِي شَيْءٌ وَيَقْصِدُ حَقِيقَةَ الْيَدِ لَا الْمِلْكَ أَوْ لَيْسَ عِنْدِي مَالٌ وَيَقْصِدُ مِنْ النَّوْعِ الْمَخْصُوصِ.

(فَيَأْثَمُ) بِالْكَذِبِ (أَوْ يُسِيءُ) بِالتَّعْرِيضِ كَمَا سَيَجِيءُ تَفْصِيلُهُ (إلَّا أَنْ يُوجَدَ حَاجَةٌ إلَى التَّعْرِيضِ فَيُبَاحُ) التَّعْرِيضُ لَا يَخْفَى إذَا اعْتَبَرَ الْحَاجَةَ فَيُمْكِنُ مِثْلُهُ فِي الْكَذِبِ كَمَا سَيَجِيءُ مِنْهُ إلَّا أَنَّ الْخَطَرَ فِي الْكَذِبِ عَظِيمٌ (أَوْ يُعْطِيَ) عَطْفٌ عَلَى أَنْ يُشَافِهَ (لِمُجَرَّدِ الْحَيَاءِ) مِنْ النَّاسِ (أَوْ لِهَيَجَانِ) أَيْ انْبِعَاثِ (خَاطِرِ الرِّيَاءِ أَنَّهُ) أَيْ بِأَنَّهُ (يَنْبَغِي أَنْ يُعْطِيَ) مَا طُلِبَ مِنْهُ (حَتَّى يُثْنِيَ عَلَيْك) بِالْكَرَمِ وَالْجُودِ (وَيَحْمَدَك وَيَنْشُرَ) مِنْ النَّشْرِ وَالشُّيُوعِ (اسْمَك بِالسَّخَاءِ) وَالْبَذْلِ وَالْجُودِ (أَوْ حَتَّى لَا يَذُمَّك) صَدِيقُك فِي عَدَمِ إقْرَاضِك (وَيَنْسُبَك إلَى الْبُخْلِ) وَالْإِمْسَاكِ (أَوْ لِهَيَجَانِ بَاعِثِ الْإِخْلَاصِ) بِأَنْ يَكُونَ لِطَلَبِ الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَاهُ وَبَاعِثُهُ (أَنَّ الصَّدَقَةَ بِوَاحِدَةٍ وَالْقَرْضَ) بِالنَّصْبِ (بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ) ضِعْفًا (فَفِيهِ أَجْرٌ عَظِيمٌ) فِي نَفْسِهِ أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّدَقَةِ فَإِنَّ النُّفُوسَ تَسْمَحُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ دُونَ الْعَشَرَةِ الَّتِي هِيَ ثَوَابُ الصَّدَقَةِ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَمْثَالِهِ» وَفِي التتارخانية عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْإِيمَانِ دَخَلَ مِنْ أَيِّ بَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ وَزُوِّجَ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ كَمْ شَاءَ مَنْ عَفَا عَنْ قَاتِلٍ وَقَرَأَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ - {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١]- عَشْرَ مَرَّاتٍ وَأَدَانَ دَيْنًا لِمَنْ طَلَبَ مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْ إحْدَاهُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَوْ إحْدَاهُنَّ» وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَأَيْت فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ الْقِيَامَةَ قَامَتْ فَانْطَلَقَ رَجُلٌ إلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَلَمَّا أَتَى بَابَ الْجَنَّةِ نَادَى الَّذِي مَعَهُ خَازِنَ الْجَنَّةِ فَأَجَابَ آخَرُ لَيْسَ هُنَا رَضْوَانُ إنَّ هُنَا خَلِيفَتَهُ فَنَظَرَ الرَّجُلُ فَإِذَا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبٌ الْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَمْثَالِهِ وَالصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَنَامَاتِ الصَّالِحِينَ وَإِنْ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ تَكُونَ حُجَّةً فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَكِنَّهَا فِي تَأْيِيدِ نَصٍّ أَوْ تَفْسِيرِ خَفِيٍّ لَهَا نَفْعٌ مُسَلَّمٌ.

قِيلَ فِي وَجْهِ فَضْلِ الْقَرْضِ عَلَى الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ احْتِيَاجٍ وَالصَّدَقَةُ قَدْ تَكُونُ بِلَا احْتِيَاجٍ أَوَّلَ وَيُمْكِنُ أَنَّ الْقَرْضَ يَعْسُرُ أَخْذُهُ وَيَشُقُّ تَحْصِيلُهُ فِي الْغَالِبِ وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى السِّعَايَةِ الْكَثِيرَةِ وَالْمُلَازَمَةِ الْعَدِيدَةِ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ وَأَيْضًا مَهْلُهُ وَتَأَخُّرُ طَاعَةٍ أَيْضًا قِيلَ فَيُرَدُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>