عَلَى الْمُصَنِّفِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا بَدَلَ قَوْلِهِ بِوَاحِدَةٍ، وَالْجَوَابُ أَيْ بِحَسَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا تَكَلُّفٌ ثُمَّ قِيلَ وَتَحْقِيقُ الْأَحْدَاثِ الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا حَسَنَةٌ عَدْلٌ وَتِسْعٌ فَضْلٌ وَلَمَّا كَانَ الْقَرْضُ يَرُدُّ إلَيْهِ مَالَهُ سَقَطَ سَهْمُ الْعَدْلِ وَبَقِيَ سِهَامُ الْفَضْلِ وَهِيَ تِسْعَةٌ فَضُوعِفَتْ بِسَبَبِ حَاجَةِ الْمُسْتَقْرِضِ فَصَارَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرٍ ثُمَّ فِيهِ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ لَهُ خَصْمٌ فَمَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ قَالَ يَتَصَدَّقُ عَنْ خَصْمِهِ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ فَيُودِعُهُ عِنْدَ رَبِّهِ لِيُوفِيَهُ عَنْ خُصَمَائِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَفِيهِ سُئِلَ ابْنُ شَدَّادٍ عَنْ رَجُلٍ لَهُ عَلَى أَبِ رَجُلٍ دَيْنٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الِابْنُ فَمَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ الِابْنُ فَأَكَلَ مِيرَاثَهُ قَالَ لَا يُؤَاخَذُ الِابْنُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ عَلِمَ بِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ فَإِنْ نَسِيَ الِابْنُ بَعْدَمَا عَلِمَ فَمَاتَ فَلَا يُؤَاخَذُ، وَكَذَا وَدِيعَةٌ نَسِيَهَا فَمَاتَ انْتَهَى لَعَلَّ ذَلِكَ عِنْدَ كَوْنِهِ عَلَى قَصْدِ الْأَدَاءِ لَكِنْ تَأْخِيرُ الْأَدَاءِ مَعَ إمْكَانِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَاخَذَ بِهِ وَلَمْ أَقِفْ فَيُطْلَبُ (وَإِدْخَالُ سُرُورٍ عَلَى قَلْبِ صَدِيقٍ) وَإِدْخَالُ السُّرُورِ فِي أَصْلِهِ فَضَلَ فَضْلًا عَنْ صَدِيقٍ مُتَحَابٍّ فِي اللَّهِ، وَذَلِكَ مَحْمُودٌ عِنْدَ اللَّهِ فَيَسْخُو فِي الْإِعْطَاءِ لِذَلِكَ وَهَذَا مُخَلِّصٌ لِمَنْ هَيَّجَ الْحَيَاءُ إخْلَاصَهُ.
(وَقَدْ تَجْتَمِعُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ) فِي عَمَلِ الرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ (أَوْ اثْنَانِ) مِنْهَا (وَحُكْمُ التَّسَاوِي وَالطَّرَفَيْنِ) الْغَالِبِ وَالْمَغْلُوبِ (قَدْ بَيَّنَّا) فِي الْمَبْحَثِ الْخَامِسِ مِنْ أَنَّ التَّسَاوِيَ وَالْغَالِبَ يُبْطِلُ الْعِبَادَةَ وَالْمَغْلُوبُ يُنْقِصُ الْأَجْرَ فَلَا يَتْرُكُ الْعِلْمَ حِينَئِذٍ بَلْ يَجْتَهِدُ فِي إزَالَةِ ذَلِكَ الْمَغْلُوبِ أَيْضًا لِيُكْمِلَ الْأَجْرَ وَفِي الْأَوَّلَيْنِ إمَّا أَنْ يَتْرُكَ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ يَجْتَهِدَ فِي التَّبْدِيلِ ثُمَّ الْمُتَبَادَرُ فِي الْغَالِبِيَّةِ وَالتَّسَاوِي وَهُوَ بِحَسَبِ الْكَيْفِ لَا بِحَسَبِ الْكَمِّ فَإِنْ قِيلَ لَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَ الْغَالِبِ كَحُكْمِ الْكُلِّ فِي إبْطَالِ الْعِبَادَةِ، وَالْحُكْمُ لِلْأَكْثَرِ فَمَا وَجْهُ الْإِبْطَالِ فِي التَّسَاوِي قُلْنَا قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْحَظْرَ رَاجِحٌ عَلَى النَّدْبِ وَأَنَّ الْحُرُمَاتِ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ لَكِنْ يَشْكُلُ بِأَصْلِ رُجْحَانِ الْمُثْبِتِ عَلَى النَّافِي إذْ الْمُتَبَادَرُ أَنَّ مُوجِبَ الْبُطْلَانِ مِنْ قَبِيلِ النَّافِي وَأَيْضًا عِنْدَ تَعَارُضِ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ فَمَا كَانَ بِالْوَصْفِ الذَّاتِيِّ أَوْلَى مِمَّا كَانَ بِالْوَصْفِ الْعَرْضِيِّ كَتَرْجِيحِنَا الصِّحَّةَ عَلَى الْفَسَادِ فِيمَا يَكُونُ النِّيَّةُ فِي رَمَضَانَ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا فَاسِدٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْمَنْصُوصِيَّةَ فِي الْأَصْلِ فَتَأَمَّلْ.
(وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ الْمُجْتَمَعِ فِيهِ الثَّلَاثَةُ (تَرْكُ الذُّنُوبِ الْحَالِيَّةِ) أَيْ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهَا فِي الْحَالِ عِنْدَ النَّاسِ (فَإِنَّهُ) أَيْ التَّرْكَ (قَدْ يَكُون لِلَّهِ) خَوْفًا مِنْهُ (تَعَالَى) عَزَّ وَجَلَّ (وَعَلَامَتُهُ تَرْكُهَا فِي الْخَلْوَةِ أَيْضًا) كَمَا عِنْدَ النَّاسِ، إذْ شَأْنُ الْمُخْلِصِ اسْتِوَاءُ حَالَاتِهِ اكْتِفَاءً بِعِلْمِ مَنْ يُعَامِلُهُ بِذَلِكَ (وَقَدْ يَكُونُ) التَّرْكُ (لِلْحَيَاءِ مِنْ النَّاسِ) فَيَخَافُ مِنْ لَوْمِهِمْ فَيَتْرُكُ وَلَوْلَا النَّاسُ لَاجْتَرَأَ عَلَيْهِ (وَقَدْ يَكُونُ لِئَلَّا يَقْتَدِيَ بِهِ غَيْرُهُ) فِي تِلْكَ الذُّنُوبِ (فَيَعْظُمُ إثْمُهُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فِي الْإِسْلَامِ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ» فَمَنْ فَعَلَ مَعْصِيَةً وَاقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ فِيهَا فَعَلَيْهِ إثْمُهَا وَإِثْمُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
(أَوْ لِئَلَّا يَصْغُرَ فِي عَيْنِهِ) فِي عَيْنِ الْغَيْرِ (فَلَا يَقْتَدِي بِهِ وَلَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ) فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ (فَيُحْرَمُ) مِنْ الْحِرْمَانِ (مِنْ ثَوَابِ الْإِصْلَاحِ) بَيْنَ النَّاسِ (وَقَدْ يَكُونُ) أَيْ التَّرْكُ (لِئَلَّا يُقْصَدَ بِشَرٍّ) مِنْ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ عَلَى ذَنْبِهِ (أَوْ لِئَلَّا يَذُمَّهُ النَّاسُ فَيَعْصُونَ بِهِ) بِسَبَبِ ذَمِّهِ فَفِي التَّرْكِ صِيَانَةٌ لَهُمْ عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَهَذَا مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ إعْلَانَ الْمَعْصِيَةِ فِسْقٌ وَلَا غِيبَةَ لِلْفَاسِقِ، فَالنَّاسُ لَا يَعْصُونَ بِذَمِّهِمْ بَلْ الذَّمُّ لَازِمٌ عَلَيْهِمْ لِتَنْفِيرِ الْغَيْرِ خُصُوصًا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ كَأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَالْأَشْخَاصِ قَالَ الرَّاغِبُ مَنْ لَا يُخَوِّفُهُ الْهِجَاءُ وَلَا يَسُرُّهُ الثَّنَاءُ لَا يَرْدَعُهُ عَنْ سُوءِ الْفِعَالِ إلَّا سَوْطٌ أَوْ سَيْفٌ وَقِيلَ مَنْ لَمْ يَرْدَعْهُ الذَّمُّ عَنْ سَيِّئَةٍ وَلَمْ يَسْتَدْعِهِ الْمَدْحُ إلَى حَسَنَةٍ فَهُوَ جَمَادٌ أَوْ بَهِيمَةٌ وَلَيْسَ الثَّنَاءُ فِي نَفْسِهِ بِمَحْمُودٍ وَلَا مَذْمُومٍ وَإِنَّمَا يُحْمَدُ وَيُذَمُّ بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ.
كَذَا فِي فَيْضِ الْقَدِيرِ تَأَمَّلْ (وَعَلَامَتُهُ) أَيْ عَلَامَةُ التَّرْكِ لِعَدَمِ الْمَعْصِيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute