(أَنْ يَكْرَهَ) التَّارِكُ (ذَمَّهُمْ) أَيْ النَّاسِ (لِغَيْرِهِ أَيْضًا) كَمَا لِنَفْسِهِ فَإِنَّ كَمَالَ الْإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَيَكْرَهَ لَهُ مَا يَكْرَهُ لَهَا وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ عُضْوٌ وَاحِدٌ إذَا اشْتَكَى بَعْضُهُ تَدَاعَى سَائِرُ الْأَعْضَاءِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» وَفِي رِوَايَةٍ «الْمُؤْمِنُونَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ إذَا اشْتَكَى عُضْوٌ تَدَاعَى سَائِرُ الْأَعْضَاءِ إلَى الْحَنِينِ وَالسَّهَرِ» (أَوْ لِئَلَّا يَتَأَذَّى طَبْعُهُ بِذَمِّ النَّاسِ فَإِنَّ فِيهِ) أَيْ تَأَذِّي طَبْعِهِ بِذَلِكَ مِنْهُمْ (وَالشُّعُورُ بِالنُّقْصَانِ وَتَأَلُّمُ الْقَلْبِ بِالذَّمِّ لَيْسَ بِحَرَامٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ اخْتِيَارِيٍّ (وَإِنَّمَا يَحْرُمُ) أَيْ التَّأَلُّمُ (إذَا دَعَاهُ إلَى مَا لَا يَجُوزُ) مِنْ نَحْوِ ضَرْبٍ (نَعَمْ كَمَالُ الصِّدْقِ) أَيْ الصِّدْقُ الْكَامِلُ فَمِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى مَوْصُوفِهَا (فِي أَنْ يَزُولَ) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ كَمَالُ الصِّدْقِ (عَنْ رُؤْيَةٍ) أَيْ نَظَرِ (الْخَلْقِ فَيَسْتَوِي عِنْدَهُ ذَامُّهُ وَمَادِحُهُ) مِنْهُمْ (لِعِلْمِهِ أَنَّ الضَّارَّ وَالنَّافِعَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى) لَا غَيْرُ (وَأَنَّ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ عَاجِزُونَ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوك لَمْ يَنْفَعُوك إلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَك وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوك لَمْ يَضُرُّوك إلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْك» (وَذَلِكَ) أَيْ صَاحِبُ كَمَالِ الصِّدْقِ (قَلِيلٌ جِدًّا) بَلْ فِي زَمَانِنَا مِنْ قَبِيلِ مَوْجُودِ الِاسْمِ مَعْدُومِ الْجِسْمِ كَالْعَنْقَاءِ وَغَايَةٌ عَزِيزَةٌ كَالْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ وَالْكِيمْيَاءِ إذْ ذَلِكَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ مِصْدَاقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» .
عَنْ عَلْقَمَةَ الْعُطَارِدِيِّ فِي وَصِيَّتِهِ لِابْنِهِ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ يَا بُنَيَّ إنْ عَرَضَتْ لَك حَاجَةٌ فَاصْحَبْ مَنْ إذَا خَدَمْته صَانَك وَإِنْ صَحِبْته زَانَك أَيْ حَفِظَك وَإِنْ قَعَدَ بِك مَانَك أَيْ حَمَلَ مَئُونَتَك اصْحَبْ مَنْ إذَا مَدَدْت يَدَك لِخَيْرٍ مَدَّهَا وَإِنْ رَأَى مِنْك حَسَنَةً عَدَّهَا وَإِنْ رَأَى سَيِّئَةً سَدَّهَا اصْحَبْ مَنْ إذَا سَأَلْته أَعْطَاك وَإِنْ نَزَلَتْ بِك نَازِلَةٌ وَاسَاك أَيْ جَعَلَك كَنَفْسِهِ (أَوْ لِئَلَّا يَشْغَلَ قَلْبَهُ الْفَارِغَ) مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوَجُّهِهِ أَوْ الْفَارِغَ مِنْ الْهَمِّ (بِذَمِّهِمْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَشْغَلُ (فَلَا يَتَفَرَّغُ لِبَعْضِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يَفْعَلُ بَعْضَ الذُّنُوبِ وَلَا يَتْرُكُ بَعْضَ الطَّاعَاتِ وَإِنْ كَانَ نَفْلًا) كَمَنْ يَأْخُذُ أَمْوَالَ النَّاسِ وَيُدَاوِمُ عَلَى إقَامَةِ اللَّيَالِيِ بِالتَّهَجُّدِ وَيُدَاوِمُ عَلَى نَحْوِ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ وَالْأَوْرَادِ (وَقَدْ يَكُونُ) ذَلِكَ التَّرْكُ (لِئَلَّا يَظْهَرَ الْمَعْصِيَةُ) عَلَيْهِ (فَيُضَعَّفَ) بِتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يُنْسَبَ إلَى الضَّعْفِ (خ) الْبُخَارِيُّ (م) مُسْلِمٌ.
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى» بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ عَفَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَوْ سَلَّمَهُ اللَّهُ وَسَلِمَ مِنْهُ «إلَّا الْمُجَاهِرِينَ» مِنْ جَاهَرَ بِكَذَا بِمَعْنَى جَهَرَ بِهِ أَيْ الْمُعْلِنِينَ بِالْمَعْصِيَةِ لَا يُعَافَوْنَ وَعَبَّرَ بِفَاعِلَ لِلْمُبَالَغَةِ أَوْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِ الْمُفَاعَلَةِ أَوْ الْمُرَادُ الَّذِينَ يُجَاهِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالتَّحَدُّثِ بِالْمَعَاصِي وَجَعَلَ مِنْهُ ابْنُ جَمَاعَةَ إفْشَاءَ مَا يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْمُبَاحِ وَيُؤَيِّدُهُ الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ فِي الْوَعِيدِ عَلَيْهِ أَوْ الْمُرَادُ الْمُشْتَهِرِينَ بِإِظْهَارِ الْمَعَاصِي آخِرَ الْحَدِيثِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى تَخْرِيجِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute